“قلب آسيا”؛ لقاء من أجل احلال السلام الحقيقي في أفغانستان
الوقت- عُقد في العاصمة الطاجيكية “دوشنبة” الاجتماع التاسع لوزراء خارجية دول “قلب آسيا” ولقد بدأ الاجتماع، الذي حمل عنوان “تعزيز التوافق من أجل احلال السلام والنمو”، بكلمتين للرئيس الطاجيكي “إمام علي رحمان” والرئيس الأفغاني “محمد أشرف غني”. ولقد كانت التحديات الأمنية والتهديدات الإرهابية التي تواجه المنطقة، وكذلك الحاجة إلى تطوير طرق الاتصال الأفغانية مع آسيا الوسطى، هي المحور الرئيسي للحوار في هذا المؤتمر. وكان الرئيس الأفغاني “أشرف غني”، الذي افتتح أعمال المؤتمر، قد حمّل باكستان المسؤولية الكاملة ووجه إليها الاتهامات بشن حرب غير معلنة على بلاده من خلال الدعم غير العلني لكثير من الشبكات الإرهابية التي تتضمن حركة طالبان الإرهابية، ودعا خلال المؤتمر إلى وجود نظام دولي للتحقق من عمليات الإرهاب العابرة للحدود بين البلدين. وصرح الرئيس الأفغاني شاكيا خلال المؤتمر إذ قال: “على الرغم من المشاركة المكثفة مع باكستان على الأسس الثنائية ومتعددة الأطراف، فإن الحرب غير المعلنة، لم تهدأ، وإنما زادت كثافتها خلال العام الحالي، ومع كثافة خاصة وملاحظة في أعقاب مؤتمر بروكسل مباشرة”.
تشكيل “قلب آسيا – عملية اسطنبول”
تأسست المنظمة الإقليمية “قلب آسيا – عملية اسطنبول” في عام 2011 بمبادرة واقتراح من أفغانستان وبدعم من تركيا. ولقد عُقد المؤتمر الأول بمشاركة وزراء خارجية 14 دولة منها: إيران وتركيا وأفغانستان وجمهورية أذربيجان والصين والهند وكازاخستان وقيرغيزستان وباكستان وروسيا والمملكة العربية السعودية وطاجيكستان وتركمانستان والإمارات العربية المتحدة في اسطنبول. ولقد دعمت هذا المؤتمر كل من أستراليا وكندا والدنمارك ومصر وفرنسا وفنلندا وألمانيا والعراق وإيطاليا واليابان والنرويج وهولندا وإسبانيا والسويد والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. كما تم دعمها من قبل العديد من المنظمات الإقليمية والدولية.
وفي الوقت الحاضر، هناك 14 دولة في المنطقة، بما في ذلك إيران وباكستان والهند و السعودية والصين، وهم الأعضاء الرئيسيون في هذه المنظمة، و 17 دولة و 14 منظمة إقليمية وفوق إقليمية كأعضاء مراقبين. ولقد عُقدت الجولات السابقة من قمة “قلب آسيا” في كازاخستان والصين وباكستان والهند وأذربيجان في السنوات الأخيرة، ما بين عامي 2011 و 2019 في اسطنبول وكابول وألماتي وبكين وإسلام أباد وأمريتسار وباكو واسطنبول على التوالي وحالياً تستضيف العاصمة الطاجيكية هذه القمة الحالية.
إن التحديات الأمنية والتهديدات الإرهابية التي تواجه أفغانستان والمنطقة، وكذلك الحاجة إلى تطوير طرق الاتصال الأفغانية مع دول وسط وجنوب آسيا، هي أبرز أهداف القمة الحالية. كما إن بناء الثقة ومكافحة الإرهاب والتجارة واعادة بناء البنية التحتية والتعاون الاقتصادي الإقليمي والتعاون في مجال التعليم هي أيضا من بين أبرز أهداف هذا المؤتمر. ولطالما كانت مسألة الاستثمار وكيفية ضمان الأمن للحفاظ على الاستثمارات التجارية في أفغانستان وتطويرها من الاهتمامات الهامة للمستثمرين ورجال الأعمال في البلدان الأخرى، ولهذا السبب في مؤتمر “قلب آسيا”، يحاول السياسيون والاقتصاديون إيجاد أسس أساسية لإيجاد حلول مناسبة لمواجهة هذه التحديات.
ولقد شاركت دولة قطر، في هذا المؤتمر الوزاري حول أفغانستان، والذي تستضيفه جمهورية طاجيكستان. ولقد ترأس وفد دولة قطر في المؤتمر، سعادة السيد “سلطان بن سعد المريخي” وزير الدولة للشؤون الخارجية. وقال سعادته في كلمة أمام المؤتمر، إن “دولة قطر تقدر جهود هذا المؤتمر في تعزيز المفاوضات السياسية والتعاون الإقليمي وبناء الثقة لمساعدة أفغانستان لتحقيق السلام والازدهار”. وأضاف: “نحن في دولة قطر نؤمن بنفس القضية. كما تعلمون جميعا، فقد شاركنا بفعالية في حل النزاعات المختلفة في الشرق الأوسط وخارجه من خلال الحوار والوساطة القائمة على المبادئ الأساسية التي تشمل كلا من الحياد والنزاهة والاستقلالية، وتتوافق مع القانون الدولي ومع موافقة الأطراف”.
إيران ودعمها للسلام والاستقرار في أفغانستان
وكان وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” أحد المشاركين في قمة “قلب آسيا” في العاصمة الطاجيكية وألقى كلمة أمام الحاضرين في هذا المؤتمر. ولطالما كانت إيران داعمة للسلام والاستقرار في أفغانستان ولقد شددت خلال السنوات الماضية على إنشاء حكومة شاملة في أفغانستان. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية الإيراني في هذا المؤتمر: “نحن ندعم عملية السلام الأفغانية بالكامل. وعلى الأمم المتحدة، بصفتها أكثر المراقبين شفافية لهذه العملية، أن لا تسمح لسياسات عدد من الدول بتعريض أفغانستان للخطر في المستقبل.” كما شدد “ظريف” على ضرورة انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان. وفي إشارة إلى أنشطة تنظيم “داعش” الإرهابي في أفغانستان، قال: “يجب أن نكون جميعًا على دراية بجهود داعش لاستخدام العناصر المتطرفة الدينية لنشر النزاعات الدينية والعرقية في هذا البلد (أفغانستان)”.
“قلب آسيا” وأفغانستان
لقد عُقدت اجتماعات ومؤتمرات عديدة خلال السنوات حول أفغانستان من أجل إرساء السلام الدائم في هذا البلد الفقير، لكن هذا البلد لا يزال في متاهة تحقيق السلام والحرب والاضطرابات التي لم تنته بعد. إن أحد الأسباب الرئيسية لعدم تمكن الاجتماعات والمؤتمرات الأجنبية والدولية من إرساء سلام واستقرار دائمين في أفغانستان هو مشاركة عدد كبير من الدول في هذه الاجتماعات والمؤتمرات، والذين لم تكن وجهات نظرهم تتوافق مع بعضها البعض بشأن أفغانستان. وعلى سبيل المثال، خلال قمة “قلب آسيا”، شاركت العديد من المنظمات الدولية، وعلى الرغم من أن العديد من أعضاء القمة يمكن أن يلعبوا دورًا إيجابيًا في عملية السلام الأفغانية، إلا أن الخلافات بين الأعضاء والمنظمات الدولية تؤكد أنه من غير المرجح أن تتوصل وجهات نظرهم بشأن أفغانستان إلى رؤية مشتركة لإحلال السلام في أفغانستان. وفي هذا الصدد، يمكن أن نذكر الاختلافات في وجهات النظر بين الهند وباكستان من جهة والمملكة العربية السعودية وتركيا من جهة أخرى، أو التنافس والاختلاف في وجهات النظر بين الهند والصين.
ومن ناحية أخرى، فإن لقمة “قلب آسيا” خلفية مدتها تسع سنوات على الأقل ولم تكن ناجحة للغاية بالنسبة لأفغانستان في السنوات التسع الماضية، لذلك يبدو أن هذا الاجتماع هو الآن أكثر من مجرد عملية أو مؤتمر ونتيجة لذلك، فقد أصبح أكثر من مجرد اجتماع رسمي يمثل وسيلة للحوار المتمركز حول أفغانستان. لذلك، ليس من المتوقع أن يكون لهذا المؤتمر انجاز مختلف وحاسم أو مهم لإحلال السلام في أفغانستان.
تأثير المؤتمر الأخير على أفغانستان والمنطقة
لقد مرت علاقات كابل وإسلام آباد بعد تأسيس حكومة الوحدة الوطنية بحالات صعود وهبوط، وإلى حين انعقاد المؤتمر المذكور بلغ جو انعدام الثقة بين البلدين ذروته. وفي لقائه بـ”سرتاج عزيز” على هامش مؤتمر قلب آسيا، طلب “غني” من “سرتاج عزيز” أن تفي باكستان بتعهداتها التي أبرمتها للجانب الأفغاني، وأن تساعد أفغانستان حيال ترسيخ السلام ومكافحة الإرهاب. في المقابل تعهد “سرتاج عزيز” بأن بلده ستساعد أفغانستان حيال مكافحة الإرهاب وترسيخ السلام والاستقرار.
ولقد أثارت انتقادات “أشرف غني” لباكستان ورفضه للدعم البالغ قدرة 500 مليون دولار ردات فعل شديدة بين المسؤولين الباكستانيين والصحافة بباكستان. ولقد وضح “سرتاج عزيز” مستشار رئيس الوزراء الباكستاني أن كلام الرئيس “غني” إنما صدر لإرضاء الهند، وأضاف أن الهند لن تنجح في التفريق بين أفغانستان وباكستان. وانتقد وزير الدفاع الباكستاني “خواجه آصف” حديث “غني” نقداً لاذعاً أيضا وصرح أن “غني” يريد أن يُحمّل باكستان مسؤولية فشله. وفيما يتعلق بمستقبل علاقات كابل – إسلام آباد وكيف ستتحسن هذه العلاقات ذكر “أشرف غني” لصحيفة هندية أن حكومة أفغانستان فتحت أبوابها للعلاقات الجيدة مع باكستان، إلا أن باكستان لم تستجب، والآن الأمر يرتبط بباكستان، هل ستفتح بابها للعلاقات الجيدة أم لا.
وبالنسبة لعلاقات كابل ودلهي، فبعد قدوم حكومة الوحدة الوطنية ضعفت علاقات كابل – دلهي إلى حدٍ ما بسبب تقارب العلاقات بين أفغانستان وباكستان، ولكن عندما يئست أفغانستان من الدعم الصادق من الجانب الباكستاني حيال عملية السلام، حسّنت علاقاتها بالهند. وخلال العام والنصف الماضي كانت العلاقات بين كابل و دلهي أفضل، وفي مؤتمر قلب آسيا واللقاء بين الرئيس “غني” و “نيندرا مودي”، تم التأكيد على تحسين علاقات كابل – دلهي أكثر وأكثر. وفي هذا المؤتمر احتل كلا البلدين مكانة مساوية ولقد طالب “مودي” و “غني” في حديثهما من دول المنطقة إزالة العنف والتطرف في دولهم. ولقد كان للمؤتمر تأثير إيجابي أيضا على التعاون الاقتصادي بين الهند وأفغانستان، واتفق البلدان على إيجاد رواق جوي لطائرات نقل الشحنات، وبذلك تسهل عملية التبادل التجاري وتوصيل البضائع بين البلدين. بشكل عام، كما تم توقعه، عزلت الهند باكستانَ مرة أخرى في حدثٍ عالمي مهم، وما حدث في مؤتمر قلب آسيا يدل على أن أفغانستان والهند عزمتا على التعاون لمكافحة سياسات باكستان داخل أفغانستان وربما في جميع المنطقة.