رئيس أم جنرال؟
لماذا يستعيد “الرئيس عون” صورة “الجنرال عون”؟ في إطلالته التلفزيونية مساء الأربعاء 7 نيسان الحالي، وبعدما كان استقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري، وقبل أن يستقبل في اليوم التالي الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، ذكّر عون اللبنانيين بأنّه “الجنرال عون” وبأنّهم يعرفونه. طبعاً لم ينسَ اللبنانيون من يكون المقيم في قصر بعبدا ولم تكن هناك حاجة لتذكيرهم بأنّ الرئيس هو نفسه الجنرال. ولكن كان الرئيس نفسه بحاجة لكي يستنجد بصورة الجنرال.
ثمة تسليم بأنّ تجربة الرئيس قد أفلست وأنّ الإستعانة بتجربة الجنرال ما هي إلا محاولة لتحسين الصورة، أو للترويج لتكرار تلك التجربة، بأن يتخلّى ميشال عون عن دور الرئيس ويلبس دور الجنرال. ذلك الدور الذي جعله يبقى في قصر بعبدا على رغم التوصل إلى اتفاق الطائف، وتحوّله إلى دستور جديد للبنان، وانتخاب رئيس للجمهورية هو النائب رينيه معوض، واغتياله في 22 تشرين الثاني 1989، ثم انتخاب خلف له هو النائب الياس الهراوي… كان الجنرال يريد أن يعاكس اتجاه الأحداث. نصحوه قبل 13 تشرين 1990 أنّه إذا كان يريد الإنتحار فمن الأفضل أن ينتحر وحده وألّا يزجّ الجيش والشعب في معركة خاسرة. ولكن الجنرال الذي اعتقد أنّه يقاوم مؤامرة دولية عليه، وأنّه أذكى من في الأرض، كان عرضة لخدعة بسيطة بُنيت على تحديد موعد لوفد يمثله يذهب في 13 تشرين لمقابلة اللواء غازي كنعان مسؤول المخابرات السورية في لبنان، بينما كان إيلي حبيقة أطلعه قبل يوم على أمر العمليات الذي وضع لإنهاء تمرّده. صدّق الموعد ولم يصدّق أمر العمليات. خلال أقلّ من ساعة كان “الجنرال عون” يفرّ إلى السفارة الفرنسية في الحازمية تاركاً جيشه للمواجهة وحيداً من دون قيادة.
صحوة ضمير نادرة
بعد ثلاثين عاماً كان بإمكان العميد جورج نادر، أحد ضباط ذلك الجيش، الذين قاوموا توغّل جيش النظام السوري في منطقة المتن وأصيب خلال المواجهة، أن يعلن في صحوة ولو متأخّرة أنه كان على “الجنرال عون” أن يقتل ويستشهد في قصر بعبدا لا أن يهرب إلى السفارة. نادر كما كثيرين غيره تسنّى لهم أن يعرفوا نوعين من الجنرال عون: “جنرال 1990″ الذي اقنعهم بالشعارات الكبيرة التي أطلقها و”جنرال 2020” الذي تبيّن لهم أنّه نسخة ظهرت على حقيقتها، ولم يكن من الممكن اكتشافها قبل أن يخوض تلك التجربة في رئاسة الجمهورية. “الرئيس عون” عرّى “الجنرال عون” من شعاراته ومن صورته، وبالتالي لم يعد من المفيد له أن يلجأ إلى صورة الجنرال، ولم يعد من الممكن أن تنتشل صورة الجنرال صورة الرئيس من بين الأنقاض. ولكن ثمة وهم عند بعض المحيطين بالرئيس عون أنّ بإمكانهم أن يُلبسوه رداء الجنرال، وهو يبدو راغباً بذلك، لاستعادة تجربة كانت مرّة وقاسية ولن تكون في حال تكرارها إلّا أكثر مرارة وقساوة.
صورة استقبال الرئيس في قصر بعبدا للموفدين العرب والأجانب تذكّر بما كان في العام 1989 قبل اتفاق الطائف وقبل 13 تشرين. صورة السفير الأخضر الإبراهيمي موفد اللجنة العربية الثلاثية التي كانت ترعى الطائف حاضرة في الأذهان. السفير البابوي. البطريرك صفير. السفير الفرنسي رينيه ألّا. وسطاء كثيرون. رسائل كثيرة من صدام حسين وياسر عرفات وغيرهما. ولكن الجنرال لم يصدّق إلّا الموعد مع غازي كنعان.
على رغم أنّ التطورات الحاصلة قد لا تسمح للرئيس ميشال عون بأن يشهد يوم 31 تشرين الأول 2022 تاريخ نهاية ولايته وهو لا يزال في قصر بعبدا، إلّا أنّ ارتداءه ثوب الجنرال، أو إلباسه هذا الرداء، يوحي كأنّه يريد، وكأنّ هناك من يشجّعه على أن يلعب من جديد دور الجنرال بحيث يمهد الطريق للبقاء في قصر بعبدا، إذا لم يؤمن وصول صهره الوزير جبران باسيل إلى القصر رئيساً للجمهورية. إمّا يبقى عون في القصر إمّا يتم انتخاب باسيل. قد تكون هذه هي القاعدة التي تحكم تصرفات حاشية الرئيس والرئيس.
حرب تحرير ثانية
عندما يعتبر الرئيس عون معركة التدقيق الجنائي بمثابة وبأهمية حرب التحرير التي أعلنها في 14 آذار 1989، فهذا يعني أنه يعلن اليوم حرب تحرير جديدة، ستكون من خلال تصرفاته، مشابهة لما كان في حرب التحرير الأولى. تلك الحرب جعلته يتمسّك بالبقاء في قصر بعبدا حتى تكتمل أهداف حرب التحرير. وهذه الحرب يريد من خلالها أيضاً البقاء في قصر بعبدا حتى يحقّق الأهداف المرجوّة منها. في طريقه إلى الرئاسة طالما تحدّث عون عن أنّ هدفه استعادة الجمهورية قبل رئاسة الجمهورية. اليوم بعدما صار رئيساً في قصر بعبدا قد يكون صار هدفه البقاء في القصر حتى ولو لم تعد هناك جمهورية ولا رئاسة جمهورية. لا شكّ في أن التفكير بهذه الطريقة عملية انتحار جديدة. فالرئيس عون يُحمِّل نفسه أكثر من طاقته والمحيطون به يُحمِّلونه أكثر من طاقته. وبدل من أن يساعدوه في حمل المسؤولية يتكئون عليه للوصول إلى ما يرغبون به حتى لو انكسر ظهره وظهر العهد، وقد انكسر بالفعل. ولكنّهم لا يزالون يصرّون على استخدام حاضره واستغلال ماضيه بعدما انكشفت صورته وقدرته على الحكم، وهو الذي يدافع اليوم عن الطائف بعدما شنّ الحرب عليه وعارضه ودفّع لبنان والمسيحيين فيه ثمناً باهظاً في القبول به وفي تطبيقه.
بعدما انهارت الهالة التي كانت تحيط بصورته في موروثات شعبوية، كثيرون كانوا تمنّوا لو أن “الرئيس عون” لم يصبح رئيساً للجمهورية، ولو أنّه بقي “الجنرال عون” في الرابية يشارك في صناعة الرؤساء. ولكن عون الجنرال كان دائماً يسعى من أجل أن يكون عون الرئيس. عندما فشل في الرئاسة عاد إلى عون الجنرال. ولكن انكشاف الرئيس كشف أيضاً الجنرال. هذا الجنرال من ذاك الرئيس، كلاهما واحد في قصر بعبدا.