ممانعة لدفع لبنان الى “محور الممانعة”
رفيق خوري-نداء الوطن
لا حدود لما دفعه ويدفعه لبنان واللبنانيون من أثمان باهظة، ثمن سياسات وأخطاء وتبعية وإندفاعات في أدوار خدمت اللاعبين بنا من حيث تصورنا أنها أدوارنا الطبيعية التي تخدمنا، ثمن الموقع الجغرافي في غياب القراءة الجيوسياسية للثوابت والمتغيرات، وثمن شراهة تركيبة حاكمة ومتحكمة بنا لا تشبع ولا ترحم، وأسوأ من المافيا. فالمافيا تعيش وتزدهر خواتها في أوقات الإزدهار الاقتصادي. والتركيبة تعيش وتزداد ثراء في أيام الإفلاس المهلك للناس. لكن الثمن الأكبر المطلوب أن ندفعه هو أن يتخلى لبنان عن جوهره وروحه، عبر دفعه الى الإنخراط الكامل في محور “الممانعة والمقاومة”.
والسؤال الذي لا مهرب منه هو: ممانعة ماذا ومقاومة من؟ إذا كان المطلوب مقاومة أي إعتداء إسرائيلي على لبنان وتحرير ما بقي من أراضٍ محتلة، فلا خلاف بين اللبنانيين. وإذا كان المطلوب أن يكون لبنان جندياً في حرب دائمة شعارها تحرير فلسطين، فإن هذا يجعل الوطن الصغير خارج الموقف العربي الذي جاء بالإجماع في قمة بيروت العربية عام 2002: مشروع سلام كامل مقابل الانسحاب الإسرائيلي الى حدود الرابع من حزيران 1967. أي “السلام خيار استراتيجي عربي” وهو بديل من الخيار العسكري. ولا مصلحة للبنان في التنكر للموقف العربي، ولا قدرة له على تحمل “العسكرة” في حرب دائمة لن تخوضها العاصمة التي تدعو اليها.
والخلاف واسع وعميق، إذا كان المطلوب ممانعة الغرب والعرب ومقاومة أميركا وإخراج قواتها من “غرب آسيا”. فالعروبة خيار وقدر في لبنان الذي ينص دستوره على أنه “عربي الهوية والانتماء”. ولا حياة للبنان خارج المصالح المشتركة مع أشقائه العرب. ولا غنى له في كل شيء عن الغرب الأميركي والاوروبي.
ومن الصعب تخيّل اللبنانيين يتخلون عن ثقافة الغرب وأدويته والانفتاح على نمط الحياة فيه وتصور الطلبة يتركون جامعاته للدراسة في طهران. فلا شعار “التوجه شرقاً” سوى دعوة الى لا مكان، ان لم تكن الى العزلة والفقر. لا روسيا هي الاتحاد السوفياتي. لا الصين هي صين ماوتسي تونغ. ولا هما مجرد شرق بمقدار ما أصبحا متداخلين في الغرب.
وما يحدث في الواقع هو تبلور نوع معاكس من الممانعة والمقاومة لما يراد دفعنا اليه في محور “الممانعة والمقاومة”. ومن الوهم تجاهل هذا الواقع بالرهان على متغيرات في المنطقة كما على موازين القوى في الداخل. فالمتغيرات الإقليمية بطيئة ومرتبطة بتوازنات دولية معقدة. وموازين القوى محكومة، لا فقط بالتبدل كما دلت التجارب بل أيضاً بكون التركيبة الطائفية والمذهبية تضعها في حال إنعدام الوزن.
ولسنا واقعين في ما سماه الفيلسوف جان فرنسوا ريفيل “إغواء التوتاليتارية”.