السعودية تُخرّب على ميقاتي
عبدالله قمح
لغايته، لم يرد إلى رئيس الحكومة المكلف الجديد نجيب ميقاتي، أي برقية تهنئة من أي دولة خليجية تدّعي أنها مع الشروع في مسار “الإصلاح والتعافي” في لبنان. يمثل هذا الأمر عملياً قمّة القطيعة أو التجاهل، إن لم يكن الحصار، لشخصية سياسية محسوبة عملياً على “القطاع الغربي” في لبنان.
يوم أمس، بعثت الرياض خلف سفيرها في بيروت وليد البخاري للتشاور. قبلها بأيام، كان البخاري يجول في المملكة على نية “قضاء الإجازة”، وفي مستهل الشهر الجاري، أي قبيل مشاركته في “احتفالية بكركي” وتوجهه إلى معراب لاحقاً وحين كان “النزاع” شديداً بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، كان السفير في الرياض أيضاً وعلى نية التشاور للمفارقة. سياق استدعاءات البخاري المكثّفة دورياً وبهامش شهري تقريباً توحي باهتمام الرياض بالقضايا السياسية اللبنانية على غير ما تشيّع أو توحي دائماً.
مسألة ثانية، في غمار تكليف الرئيس نجيب ميقاتي وخوضه مسار التأليف إلى جانب رئيس الجمهورية ميشال عون و “تعويم” الإيجابيات حول اللقاءات التي حصلت وتلك التي ستحصل واحتمال الوصول إلى توافق على تشكيلة حكومية في وقتٍ ليس ببعيد، يصبح أن استدعاء السفير إلى الرياض يُحدث فرقاً، أقرب إلى “تشريجه” بتوجيهات سياسية لا يبدو أنها إيجابية، بدليل أن الإستدعاء ترافق وتسريبات مقصودة من دوائر خليجية وردت إلى بعض الإعلام اللبناني “المنحاز” إليها، تتضمن قراءة السعودية لمسألة تكليف نجيب ميقاتي، ولو أنها لم ترد بشكل رسمي لكنها تعطي صورة وانطباعاً حول طبيعة الموقف، عنوانها أن الرياض تنظر إلى تأليف ميقاتي لحكومة جديدة على مثل ما نظرت عام 2011، بمعنى أنه يؤلف حكومة “حزب الله”. بهذا المعنى، يُفهم أن السعودية لا صلة لها في التسوية الداخلية – الخارجية التي جيئت بنجيب ميقاتي إلى التكليف مجدداً، وإن بالغنا لقلنا أنها ترفضها وتمارس المعارضة والشغب السياسي حيالها.
إسقاط إتهام من هذا النوع على حكومة “وليدة” يمثل عملياً نزعة تحريضية ودليلاً على الرغبة المطلقة في تطويق ليس الحكومة إنما الشخص الذي يؤلفها بفيتوات من أنواع وأشكال عدة، ولربما يسعى أصحاب هذا المذهب إلى فرض معايير وشروط على الوافد الجديد للتكليف، أو يمكن أنهم يحاولون دفعه نحو عدم تقديم تنازلات أو توفير تسهيلات ما أو ممارسة الضغط عليه لإضعافه أو تسييره على النحو الذي يرغبون، وتطويقه منذ الآن بكتل إسمنتية تعيق حركته كمثل ما حصل مع الرئيس سعد الحريري سابقاً، وهي علامة من علامات العرقلة والتي يبدو أن “مملكة الخير” ما برحت تعتمدها في ما له صلة بالقضية اللبنانية، ولا توحي بنوايا إيجابية لمن تدّعي أنها “الحافظ للركن السني في التركيبة اللبنانية”.
لكن وبخلاف ذلك، لا يبدو أن ميقاتي يُشبه الحريري إلى تلك الدرجة التي تُتيح للمملكة فرض شروط عليه أو إحالته إلى “اعتذار سياسي مبكر”، حيث لا مشاريع أو أعمال أو استثمارات أو نشاطات له في السعودية أو أنه يحوز جنسيتها، أي الدوافع التي أملت على الحريري أن يكون منصاعاً بالكامل للرياض والتي خوّلت الأخيرة بأن تُمارس الفجور السياسي بحقه.
إلى جانب ذلك، يُسجل غياب واضح للسفراء الخليجيين عن تهنئة ميقاتي وبخاصة السفير السعودي، الذي فضّل وحين كُلف الرجل، الترحال من الأراضي اللبنانية. وقد قيس ذلك كعلامة عن عدم الرضى على المسار بأكمله. ما يُعزز تلك الفرضية، أن الحريري –غير المراهن عليه سعودياً- قد أخلّ بوعدٍ آخر أسداه على الملأ بأنه لن يُقبل على تسمية أي شخص لتولّي رئاسة الحكومة بعده، ثم استتبع بذلك بهجوم تضمن تلطيشات على “حزب الله”. وحيث وصف ذلك بأنه كمثل تقديم أوراق اعتماد للمملكة، وقبل أن يجفّ حبر ما كتب، عدل عن كل ذلك وركن مجدداً إلى خيار، يبدو أن الحزب يحوز موقع المشاركة فيه إلى جانب الفرنسيين.
وضمن هذا السياق، ثمة من بدأ ينظر إلى منح “حزب الله” أصوات كتلته إلى ميقاتي على عكس ما هو الواقع، ليأخذ الواقعة لتبرير أو التسبّب بإخفاق ميقاتي المحتمل في التأليف لاحقاً، وتبرير مسألة الإعتراض السعودي عليه، إذ أن المملكة تطلب عامةً عدم إشراك الحزب في أي تسوية سياسية أو إدارة سياسية مقبلة في البلاد، وتجاهل أنه وحلفاءه ،حاصلين على الغالبية النيابية المطلقة.
وبخلاف ما تنظر فرنسا إليه لناحية ضرورة إشراك الحزب في عملية النهوض والتعافي المقبلة للحالة اللبنانية، ترى السعودية أن أي طرف يُشارك “حزب الله” في السلطة ،يمثل موضع شبهة بالنسبة إليهم ويُنظر إليه بصفة الخصم، ويُعالج بإسقاط “الحرم السياسي”، ومدى تأثير أي خطوة محتملة على أي شخصية، تبقى مرتبطة بمنظومة المصالح الخارجية التي يمثلها الشخص – أي شخص – ومصلحته أو إمكانية التأثر بها، ومرتبطة بطبيعة تركيبته الفيزيولوجية، ومدى تحمّله للضغط.
و في الداخل، تنشط السعودية في مجال التأثير على الواقع اللبناني من خلال تمكين الحصار على البلاد إقتصادياً وتجارياً ومالياً، بذرائع شتى ومنها قضية الرمان والكبتاغون، كذلك تفعل في المجال السياسي و بذريعة “تقليص” دور “حزب الله” وحلفائه. كل ذلك يقود إلى أن المملكة، وحتى الوقت الراهن، لا تقرأ في الفنجان اللبناني، ولا ترى أن الحل بات ناجزاً في لبنان، أو يجب تغطيته، حتى ولو بلغها أن الإسم المتوخّى للمهمة، شخصٌ حائزُ على الرقم الأعلى من أصوات الناخبين السنة اللبنانيين.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع