الراعي قال ما قاله للإيرانيين في بكركي… لكي يسمع مَن في طهران
يتصلّب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أكثر فأكثر في مواقفه خصوصاً أنه يرى أن بنيان الدولة ينهار وربما يتحوّل لبنان إلى دويلات متقاتلة.
كل شخص أو مسؤول أو وفد يزور بكركي، يكرّر الراعي مواقفه أمامهم، وهو في هذه المرحلة “لا يُساير”، فالبطريرك لا يعمل بالسياسة، بل إنه يُصوّب على لبّ المشكلة التي إن طال أمدها فستقضي على نموذج لبنان.
وما يقوله الراعي أمام أي لبناني أو مسؤول أوروبي وأميركي وسعودي وعربي، يردّده أمام الإيراني. ففي الأمس خرقت زيارة الوفد الإيراني برئاسة أمين عام “المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران” الدكتور حميد شهرياري الأجواء الملبّدة، وإذا كان الأخير قد أكد بعد اللقاء أن “هناك تلاقياً مع البطريرك الماروني حول ضرورة تكثيف الجهود بين الديانات للتوصل الى السلام العادل والتمسك بالوحدة الوطنية للحفاظ على حرية لبنان وسيادته”، إلا أن الزيارة حملت دلالات كثيرة.
وإذا كان لقاء بكركي أتى ضمن جولة يقوم بها الوفد على المرجعيات الدينية، إلا أن هذه الهيئة تعتبر رسمية في إيران ومعينة من قبل المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية السيد علي خامنئي، وتزداد دلالات الزيارة بمرافقة القائم بأعمال السفارة الإيرانية في لبنان للوفد لأن السفير الإيراني محمد جلال فيروزينيا موجود في بلاده، وهذا أول تواصل بين الراعي والإيرانيين بهذا الحجم منذ إطلاق البطريرك صرخته في تموز الماضي داعياً إلى فكّ أسر الشرعية وإعلان حياد لبنان، علماً أن الزيارة الأخيرة للسفير الإيراني إلى الديمان لم تكن ناجحة ولم تُرضِ الإيرانيين.
وفي المعلومات، أن شهرياري أكّد للراعي إحترام الإيرانيين لمقام بكركي ولمركزها ودورها في حماية لبنان خصوصاً أنها مقام وطني وله امتداداته، وشرح عن وضع المسيحيين في إيران والتعايش بين الأديان والمذاهب، وعن ضرورة أن يكون هناك حوار بين كل المذاهب والطوائف الإسلامية والمسيحية في المنطقة، والعمل على ضرورة نبذ الخلافات والفتن التي تتنقّل وتوحيد الجهود من أجل صيانة أوضاع المنطقة وإطلاق حوار بين الجميع ومواصلة العمل على مكافحة الأصوليات.
ولم يمرّ اللقاء من دون تأكيد الضيف الإيراني أهمية مواجهة المشاريع الإستكباريّة والتي ترغب بتفتيت المنطقة، والرسالة الإيرانية كانت من خلال التشديد على دور المقاومة وما لعبته في مواجهة إسرائيل والتكفيريين.
كان الراعي مستمعاً إلى مداخلة شهرياري، وأثنى على بعض النقاط مثل ضرورة قيام حوار حقيقي بين الأديان ونبذ التعصّب والتلاقي وعدم زرع الشقاق، لكنه في الشقّ اللبناني كان حاسماً أمام الوفد الإيراني، وقد قال ما قاله في بكركي لكي يُسمع المسؤولين في إيران صدى كلامه خصوصاً بعد المقاطعة الإيرانية له بعدما أطلق صرخة الحياد وتخوين “حزب الله” له، ففي البداية قدّم الراعي شرحاً مفصلاً لكل المشاكل التي تعاني منها البلاد سواء إقتصادية أو مالية أو سياسية أو أمنية أو سيادية، وأعاد التركيز على ما كان يردّده في عظاته أو في كلمته التي ألقاها أمام الحشود يوم 27 شباط.
وتابع الراعي للوفد سارداً كل ما يحصل في لبنان من تجاوزات، وأعاد التأكيد بشكل حازم أنه مع الحياد ومع مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان لأن الوضع الذي وصلت إليه البلاد يحتاج إلى مساعدة دولية وأممية، وقال الأمور بشكل صريح “من دون كفوف”، وعبّر عن تمسّكه بكل المسلّمات الوطنية وما يحفظ الدولة وإستقلال لبنان وسيادته.
تفاجأ أعضاء الوفد الإيراني بصراحة البطريرك الماروني وطرحه كل الهواجس خصوصاً في ما يتعلّق بسلوك إيران تجاه لبنان، لكنهم في المقابل عبّروا عن إحترامهم لهذه الصراحة العالية وللشروحات التي قدّمها البطريرك لهم.
على رغم أن الإيراني ممتعض من ثوابت البطريرك التي تضرّ بنفوذه في لبنان، إلا أن الوفد وجّه دعوة إلى الراعي لزيارة إيران في محاولة ربما لتبريد إندفاعة البطريرك أو فتح حوار جدّي.
قد لا يمانع الراعي في زيارة طهران، لأنه سيقول للمسؤولين الإيرانيين نفس الكلام الذي يقوله في بكركي ولن يبدّل رأيه، خصوصاً وأنه مقتنع اليوم أكثر من أي وقت مضى بضرورة حصول لبنان على مساعدة دولية من أجل الخروج من أزمته.
لم تكسر زيارة الوفد الإيراني الجليد الذي يتراكم بين بكركي وحارة حريك لأن “حزب الله” يعمد إلى منطق تخوين بطريرك الموارنة، في حين أن البطريركية تؤكّد أن أبوابها مفتوحة امام الجميع، فمن لديه هاجس فليتفضّل ويستفسر.