توازياً مع تحذيرات الإدارة الأميركية لبكين بخصوص شحنات النفط الإيراني، مع التلويح بفرض سلسلة «عقوبات»، تمضي الصين وإيران في تعزيز علاقاتهما، بتوقيع «برنامج التعاون الشامل»، بعد نفي على لسان وزير خارجيتها، وانغ يي، تلقّي إشعارات بفرض عقوبات على النفط الإيراني.
وعلى الرغم من القوة التي باتت تتمتع بها الصين في مواجهة الولايات المتحدة، تشير توقعات إلى أن العقوبات الاقتصادية الأميركية لا تزال قادرة على عرقلة أكثر المشاريع طموحاً. ولعل الذاكرة الإيرانية لم تنسَ بعد، انسحاب «شركة البترول الوطنية الصينية» من مشروع تطوير حقل «جنوب فارس» النفطي، إلى جانب باقي الشركات الغربية، عندما أعاد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، فرض العقوبات الأحادية الجانب على طهران.
وفيما كان الاتفاق الذي سُرّبت بنوده الصيف الماضي محطّ شكوك وتأويلات كثيرة، وقّع الوزير الصيني، خلال زيارته طهران، الاتفاق مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف. ويغطّي الاتفاق الشامل العديد من المجالات؛ ويُعَد التعاون في المجال النفطي والبتروكيميائي النقطة الأبرز في ظل ما تشهده إيران المنهكة اقتصادياً، نتيجة الاستثمارات الضخمة في هذا المجال. ومن خلال الاتفاق، الذي يسري على الخمس والعشرين سنة المقبلة، ستزوّد إيران الصين بالنفط الخام، بأسعار مخفّضة بنسبة لا تقل عن 12 في المئة، إضافة إلى المنتجات البتروكيميائية. في هذا السياق، أشارت، خلال الشهر الفائت، عدة تقارير إلى استثمارات كبيرة تقوم بها إيران في مجال التنقيب عن النفط والتكرير، إضافة إلى تضخّم مبيعاتها من النفط الخام للصين بنسبة 129 في المئة في الفترة بين شهري شباط وآذار الحالي.
في سياق صادرات النفط الإيرانية للصين، أشار تقرير لشبكة «بلومبرغ» الأميركية، في الـ11 من الشهر الحالي، إلى أن الصين زادت استيرادها للنفط الإيراني بنسبة كبيرة، من 306 آلاف برميل يومياً كمعدل عام 2020، إلى 856 ألف برميل يومياً هذا الشهر. والسعر الذي يتم على أساسه البيع، مغر جداً بالنسبة إلى الصين؛ فإيران، وبسبب العقوبات الأميركية، تعرض نفطها بسعر أقل بـ3 إلى 5 دولارات من سعر نفط «برنت» المتداول في السوق. والزبون، طبعاً يجب عليه أن يكون مستعداً للمخاطرة وتجاهل العقوبات الأحادية الجانب من طرف واشنطن. هذه الزيادة في استيراد النفط الإيراني، أدت الى ازدحام في الناقلات في مرفأ مقاطعة شاندونغ، حيث تقع أغلبية معامل التكرير المستقلة في الصين، وقد وصلت هذه الشحنات إلى السواحل الصينية بالرغم من العقوبات الأميركية، من خلال وسائل «تمويه» كثيرة تتبعها الناقلات الإيرانية، كتبديل الناقلات في عرض البحر مع إطفاء أجهزة التعقب.
من جهة أخرى، تشهد إيران على صعيد الصناعة البتروكيميائية طفرة حالياً. كان نائب وزير النفط، بهزاد محمدي، قد أعلن الشهر الفائت أن الحكومة استثمرت 11.5 مليار دولار في القطاع خلال العام المنصرم، الذي انتهى في 20 آذار الحالي (وفق التقويم الفارسي). وعزا هذه الزيادة في الإنفاق إلى زيادة إنتاج إيران بـ25 مليون طن من المنتجات البتروكيميائية، ليصل مجموعها الى 90 مليون طن، ويقترب من الهدف المرجو، وهو 100 مليون طن في العام 2025. كذلك أشار وزير النفط، بيجان زنكانة، إلى أن الـ17 مشروعاً التي انطلقت في هذا المجال، من المفترض أن ترفع مداخيل القطاع من 13 مليار دولار، وهو مستوى مبيعات عام 2013، إلى 25 ملياراً نهاية العام الفارسي الحالي، ثم إلى 37 ملياراً في 2026.

وقد سبق هذا التوقيع القمة الأميركية الصينية في ألاسكا، التي جمعت وزيري خارجية البلدين في ألاسكا، واتفقا على ضرورة التعاون في الملف الإيراني، من بين كل الملفّات الساخنة المطروحة على طاولة البحث، وتأكيد ضرورة إيجاد حل لإعادة تفعيل الاتفاق النووي. وفي هذا السياق، يسعى الطرف الصيني إلى أن يكون لاعباً فاعلاً، مستغلاً علاقته الجيدة بطهران، من أجل الضغط عليها للجلوس إلى طاولة التفاوض النووي من جديد. لكن هل هناك من ثمن مقابل هذه الخدمة الصينية؟ وهل هناك حافز للإيرانيين يدفعهم إلى التجاوب مع مبادرة مفترضة كهذه؟
يُذكر أن وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، أجرى زيارته لإيران كجزء من جولة في ست دول في الشرق الأوسط تستمر لأسبوع. وقد بدأت جولته في الـ24 من الشهر الحالي بزيارة السعودية، ثم تركيا، التي توجّه منها إلى إيران، ثم إلى الإمارات أمس. ومن المرتقب أن يزور عُمان والبحرين، على أن تختتم الجولة يوم الثلاثاء المقبل.