الحدث

عندما يُفتي “العلّامة كوشنر” بأنّ القضيّة الفِلسطينيّة مُجرّد “صفقة عقاريّة”.. نسأل كيف توصّل إلى هذا الحل العبقري؟ ولماذا لا نلومه بل الذين خضعوا لابتِزازه وحماه وقدّموا لهُما مِئات المِليارات من الدّولارات على صينيّة من ذهب؟

من أبرز سيّئات هذا الزّمان أن يتحوّل “سياسيو الصّدفة” مِثل جاريد كوشنر، صِهر الرئيس الأمريكي السابق، ومُستشاره الأوّل، إلى خبيرٍ في شُؤون مِنطقتنا، ويُصدر الفتاوى حول كيفيّة إدارة شُؤونها وحلّ مشاكلها، وخاصّةً القضيّة الفِلسطينيّة، ويَهبِط بنا إلى الدّرك الأسفل.

فقبل تناول تصريحاته الأخيرة حول نظريّته ونظرته المُستقبليّة لهذه القضيّة وكيفيّة حلّها التي تُثير السّخرية، نُريد أن نُوضّح استِخدامنا لتعبير “سياسيو الصّدفة” في وصف “الصّهر المُدلّل” كوشنر، بمعنى أنّه جاء إلى السّياسة بالصّدفة، وعبّر زواجه من ابنة الرئيس الأمريكي السّابق دونالد ترامب، ووصول الأخير “شبه الجاهل سياسيًّا” بالصّدفة أيضًا إلى البيت الأبيض وعبر شاشة برنامج تلفزيون الواقع الذي كان يُقدُمه، وحقُق من خلاله شُهرةً شعبويّةً واسعة.

العبقري كوشنر أصدر فتوى سياسية غريبة، وصادمة في الوقت نفسه، عندما وصف الصّراع العربي الصّهيوني في مقال نشره في صحيفة “وول ستريت جورنال” يوم أمس بأنّه مُجرّد “خِلاف عقاري” يُمكن حلّه بسُهولة، واتّهم العرب بالقِيام بتشويه سُمعة إسرائيل طِوال العُقود السّبعة الماضية، وقال لا فُضّ فوه “إنّ التّطبيع الاقتصادي هو بوّابة تطبيع العُلاقات بين إسرائيل والدول العربيّة، والسعوديّة تحديدًا الذي ادّعى أنّها باتت قريبةً جدًّا من تطبيع عُلاقاتها مع إسرائيل، وبِما يُؤدّي إلى قِيام جبهة لمُواجهة إيران”.

فإذا كان المُستشار الأوّل للرئيس الأمريكي السّابق يُفكّر بهذه الطّريقة السّاذجة، ويُقزّم أكثر القضايا عدالةً وإنسانيّةً في العالم، ويتعاطى معها كشقّة مفروشة، فإنّه ليس من الصّعب فهم الطّريقة المُهينة التي جرى من خِلالها إخراج هذا الرئيس من الباب الخلفي للبيت الأبيض واللّعنات تُطارده.

كوشنر مِثل حماه ترامب، لا يفهم السّياسة فيما يبدو إلا من زاوية عقليّة سماسرة وتُجّار العِقارات، وهي المِهنة التي ورثها عن أسرته، تمامًا مِثل والد زوجته ترامب وهذا هو التّفسير الأكثر منطقيّةً لفهم “فتواه” الأخيرة، وتوصيفاته للقضيّة الفِلسطينيّة كصفقة عقاريّة.

التّطبيع الاقتصادي الذي سعى إليه طِوال السّنوات الأربع من إقامته في البيت الأبيض كزوج لابنة الرئيس لا يُمكِن أن يكون بوّابةً للتّطبيع السّياسي والدّبلوماسي بين إسرائيل والدول العربيّة، ولا نحتاج إلى سرد الأدلّة لتأكيد كلامنا هذا، ويكفي النّظر إلى مواقف الشّعبين الأردني والمِصري من الدّولة اليهوديّة، وحجم التّبادل التّجاري بين حُكومتيهما معها، بعد عدّة عُقود من توقيع اتّفاقات السّلام المغشوش، والتّذكير في الوقت نفسه بالمآل الذي آلت إليه “صفقة القرن” التي سوّقها بنيامين نِتنياهو إلى إدارة ترامب من خِلال استِخدامه، أيّ كوشنر، كسِمسار لتسويقها، وبالتّالي تبنّيها ومُحاولة فرضها.

ليَقُل كوشنر ما يشاء، فنحنُ لا نلومه، وإنّما نلوم بعض العرب الذين تعاملوا معه كمُفكّر عظيم يتواضع أمامه ابن خلدون وأفلاطون وأرسطو، حينما ساقهم “مُخدّرين” أمامه إلى مُؤتمر المنامة، وحاضَر عليهم بفكره “العميق” وغير المسبوق، حول “صفقة القرن” وأجبرهم، ولا نقول أقنعهم، على توقيع “اتّفاقات سلام إبراهم”، وابتزّ مِئات المِليارات من أموالهم دُون أن تَرِف له ولهُم جِفن.

القضيّة الفِلسطينيّة ستظل قضيّة العرب الأولى، لأنّها قضيّة أمّة وشعب مُناضل يحظى بدعم أكثر من مِلياريّ عربيّ ومُسلم، وضِعف هذا الرّقم من الشّعوب الشّريفة التي تُؤمن بقيم العدالة وحُقوق الإنسان، وتُعارض الاستِعمار بأشكاله كافّة.

بالأمس ذهب ترامب، ومعه صِهره كوشنر وبومبيو، وغدًا سيذهب نِتنياهو وسيلحقهم كُلّ الذين “ضبَعتهم” “صفقة القرن”، وسحَرهم كوشنر، وباتوا يعتقدون أنّ قضيّة فِلسطين مُجرّد “صفقة عقاريّة” يُمكن حلّها بالعُمولات والعَمالة معًا.

“رأي اليوم”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى