مرحلة تشبيك الجهود
أسبوع جديد من عمر التّعطيل في ما تبقّى من هيكل الدّولة اللبنانيّة على وقع الخلافات بين الأفرقاء المولجين تكوين هذه السلطة. ولبنان ينحدر أكثر فأكثر في أتاتين جهنّم. وما مَن يحرّك ساكناً، بل تكثر الدّعوات للزيارات بين الرئاستين الأولى والثالثة التي بلغت حدّ السبع عشرة زيارة حتّى اليوم، وما من نتيجة أو بصيص أمل يلوح في الأفق. وحرب الصلاحيّات تستعِر كلّ يوم أكثر من يوم. والمتضرّر الوحيد ممّا يحصل هو لبنان والأوفياء فيه للبنانيّتهم.
لا يبدو حتّى هذه اللّحظة أنّ المولجين بالحلّ هم على قدر وافٍ من المسؤوليّة. لا ينفع عند احتراق المنزل بأكمله البحث عمّن سرق الدّجاجات من الخمّ خلف هذا المنزل. بل المطلوب اليوم إخماد نار جهنّم قبل أن تجهز على ما تبقّى من هيكل الوطن. والأمل ما زال موجوداً، ويخطئ مَن يظنّ أنّ الأوان قد فات، وانتهى الوطن. لكن يبدو أنّ المايسترو الذي يدير هذه الأكثريّة الخاطِفَة بقوّة وهج سلاحه، أي “حزب الله”، يعمد إلى تدمير ما تبقّى بهدف البناء بعد الهدم بشروطه ووفقاً لما يناسب طبيعته الوجوديّة.
لكن تبقى المفارقة في نجاح “حزب الله” حتّى هذه اللحظة بما يصبو إليه، نتيجة للعمالة التي نجح في تجنيدها لصالحه ومحور إيران، منذ ذلك السادس من شباط في العام 2006، ومن على مذبح رئيس الملائكة القديس ميخائيل في الشياح. هذا لا يعني في أنّ اللبنانيين الكيانيّين قد أذعنوا وسلّموا لهذا الفريق رقابهم. بل العكس هو صحيح. المقاومة مستمرّة ولم تتوقّف يوماً، ولن تتوقّف حتّى بعد الوصول إلى لبنان الجديد. إنّه نهج حياة الأمّة اللبنانيّة التي ارتضت أن تعيش أربعمئة سنة في الوديان والكهوف لتحافظ على حرّيّتها الكيانيّة في هذا الشرق عامّة، وفي لبنان بالتّحديد.
وعلى ما يبدو أنّ فريق الأكثريّة ما نجح بما وصل إليه إلا بعدما وجد في المسيحيين مَن يبيع تاريخه الوجودي بثلاثين من فضّة؛ وتحت وهم حقوق المسيحيين أخذ لبنان إلى الحضن الايراني الذي لا يشبه التّاريخ اللبناني إطلاقاً. هذا هو سقف المواجهة اليوم. ولا يمكن أن يكون أقلّ من استرجاع لبنان من فم الشيطان. ويبدو أنّ الرئيس الحريري قد حسم أمره بتموضعه الكيانيّ وليس بوارد أن يتراجع. لكن على ما يبدو أن لا أمل مع هذه الأكثريّة بالعمل الدّستوري والقانوني وفق الأعراف والقوانين المرعيّة الإجراء، لأنّها اعتادت على إبطال مفاعيل القانون والدّستور بوهج القوّة الذي يعكسه السلاح غير الشرعي.
من هذا المنطلَق، يجب تحوّل المواجهة من تحت السقف الحكومي الضيّق إلى السقف الأممي للمطالبة بمؤتمر دوليّ، حدّه الأدنى يكون بتطبيق القرارات الأمميّة، وأوّلها القرار 1559 الذي يدّعي فريق الرئاسة الأولى بأبوّته زوراً وتزييفاً للتّاريخ. في حين أنّ الكلّ يعرف الدور الذي لعبه الانتشار اللبناني، المعروف الانتماء السياسي في الولايات المتّحدة الأميركيّة، لاستصدار هذا القرار. وتُسْتَكمَل هذه المواجهة بالضّغط للمطالبة بحياد لبنان النّاشط والايجابي مع الدّعم الاقتصادي المطلوب لاستنهاض لبنان إقتصاديّاً من أزمته.
وبالطّبع المسألة الاقتصاديّة هي ملحقة بالأزمة السياسيّة. فمتى تمّ حلّ هذه الأزمة تصبح الأزمة الاقتصاديّة تفصيلاً بسيطاً في حياة الأمم. وعلى ما يبدو أنّ القرار الأممي قد اتّخذ في الملفّ اللبناني الذي بدت تجلّياته من موسكو إلى الميدان السوري واليمني والعراقي. ولن يتمكّن بعدها “الحزب” من الاحتفاظ بتدخّلاته الاقليميّة لأنّه يحدّ من المصالح الروسيّة في الشرق. لذلك، العودة إلى لبنان ستكون عنوان المرحلة القريبة، وليس فقط الموضوع الحكومي الذي سيسعى “الحزب” إلى إقفال جدليّته ليعوّم نفسه وطنيّاً بهدف إرضاء الدّاخل اللبناني، ولإظهار حسن نيّته بالنّسبة إلى الخارج الذي يبدو أنّه قطع وعوداً قاطعة له.
لذلك كلّه، المطلوب في هذه المرحلة التشبيك بين مختلف الفئات اللبنانيّة الثورويّة والسياسيّة التي تتلاقى على الأهداف نفسها، لكن تختلف بمقاربتها، مع الاحتفاظ بهذا الحقّ في الاختلاف. وذلك للوصول إلى المرحلة الأمميّة قبل أن ينجح المايسترو بتنفيسها بتخريجة حكوميّة هزيلة، لن تستطيع أن تقدّم شيئاً للبنان إلا إن تماشى وشروطه الخاصّة. ومن له أذنان للسّماع… فليسمع.