في ذروة صعود فيروس كورونا، امتلأت غرف العنايات في مستشفيات بيروت وجبل لبنان، فكان التوجّه للاستعانة بمستشفيات الأطراف. بقيت هذه «الاستراتيجية» متّبعة حتى مطلع العام الجاري، عندما «انقلبت الآية»، فامتلأت مستشفيات الأطراف بسبب التفلّت من الإجراءات الوقائية وصارت الوجهة بيروت وجبل لبنان. لكن اليوم، «لم تعد الطرق سالكة» إلى المدينة ولا إلى الأطراف، بعدما فاضت غرف العنايات الفائقة بالحالات الحرجة في كل المناطق.
«لا غرف عنايات فائقة شاغرة في بيروت وجبل لبنان». هذا ما أكده، أمس، مدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزف الحلو. تضاف هذه المعلومة إلى تلك السابقة التي تقول هي الأخرى إنه لا غرف للعناية أيضاً في الأطراف. وهو ما يعني أن «السيناريو المتوقّع مأسوي»، وفق رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور عاصم عراجي، مشيراً إلى أنه «في الأيام المقبلة لن يكون في الإمكان تأمين سرير عناية».
لا يحتاج التأكد من تلك الروايات سوى إلى العودة إلى عدّاد حالات الاستشفاء في التقرير اليومي لوزارة الصحة. فرغم تأرجح الإصابات اليومية، بين تراجع وارتفاع، لا يبدو أن الصورة هي نفسها بالنسبة الى عدّاد حالات الاستشفاء الذي «لم يشهد انخفاضاً في الفترة الأخيرة» بحسب هشام فواز، رئيس دائرة المستشفيات والمستوصفات في وزارة الصحة العامة. وقد سجلت أمس 2422 حالة استشفاء، من بينها 958 في العناية المركزة (289 منها موصولة إلى أجهزة التنفس). وهذا الرقم كان، قبل يومٍ واحد فقط، يسجل 2337 حالة، منها 936 حالة في العناية المركّزة (286 على أجهزة التنفس). ومن المتوقع، بحسب المصادر الطبية، أن تستمر الزيادة في الأعداد، وخصوصاً في الفترة الأخيرة مع تفلّت الناس من الإجراءات، كأن لا فيروس يضرب البلاد.
يصف فواز الواقع الاستشفائي، وخصوصاً ما يتعلق منه بالقدرة الاستيعابية للعنايات الفائقة، مشيراً إلى أن وضع تلك الغرف اليوم «يشبه ما كنا عليه في أيام الذروة»، وهو «يسوء بشكلٍ يومي (…) والأكيد أننا لا نستطيع الاستمرار بهذه الطريقة»، فما بعد ذلك الارتفاع، هناك «الانفجار».
بالأرقام، يوضح فواز ما الذي يعنيه امتلاء غرف العناية الفائقة، فيشير إلى أنه في أحسن الأحوال يمكن الحديث عن عدد قليل من الأسرّة الشاغرة، إذا ما أخذنا في الاعتبار نسب الشغور في مستشفيات بيروت وجبل لبنان والمناطق الطرفية. ففي بيروت ،مثلاً، بات الأمل بإيجاد سرير شاغر ضئيلاً، مع وصول نسبة الإشغال في غرف العنايات الفائقة في مستشفياتها إلى 90% وفي جبل لبنان الى 85%. أما في بعلبك، فقد بات الواقع الاستشفائي في غرف الإنعاش هو نفسه مع وصول نسبة الإشغال إلى 97% وفي النبطية الى 96% وفي عكار الى 91% وفي الشمال الى 92% وفي البقاع الى 85% فيما الوضع أفضل في الجنوب حيث لا تزال النسب عند 71%. مع ذلك، يشير فواز إلى أن هذه الأرقام ليست ثابتة، «فما هو شاغر اليوم قد يمتلئ غداً أو بعد غدٍ».

رغم تأرجح الإصابات اليوميّة لم يشهد عدّاد حالات الاستشفاء انخفاضاً

وفي هذا الإطار، يشير المدير العام لمستشفى السان جورج، المهندس حسن عليق، إلى أن «الوضع على الأرض سيئ جداً»، انطلاقاً من أن الغرف في أقسام العناية الفائقة «باتت محجوزة بالكامل، ما يضطرنا إلى إبقاء المرضى الجدد الذين يحتاجون إلى عناية مركّزة في غرف الطوارئ» ويشير عليق إلى أنه أمس «كان في غرف الطوارئ في المستشفى 20 مريضاً لا نستطيع أن نرسلهم إلى أي مكان لأن كل المستشفيات مفوّلة». وكذلك الحال في مستشفى بيروت الحكومي، المستشفى المركزي لعلاج المصابين بفيروس كورونا، فهذا الأخير بات اليوم بلا غرف عناية، ما يضطر العاملين إلى استخدام غرف الطوارئ. وبحسب عراجي، كان في مستشفى الحريري أمس 27 مصاباً معظمهم من الحالات الحرجة ينتظرون في غرف الطوارئ بلا طائل، وخصوصاً أن مدة الإقامة للحالات الحرجة في العناية الفائقة طويلة. وفي مستشفيات أخرى، بات يمكن الحديث عن لوائح انتظار للحالات الحرجة!