الانتحار المُتعمّد… دروس لبنانية إلى العالم أجمع والآتي أعظم
الديار
دولار السوق السوداء بين أيدي المتلاعبين وتواطؤ التجّار
التهريب إلى كل دول العالم على قدمٍ وساق والجمارك في غيبوبة
المُحلّل الاقتصادي
وصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء أول من أمس قرابة الساعة الرابعة بعد الظهر، إلى عتبة الخمسة عشر ألف ليرة! هذه العتبة النفسية، سواء للمواطنين أو التجّار، أظهرت إلى العلن مدى هشاشة الثقة بالليرة اللبنانية وذلك بعد أكثر من عقدين من الثبات. وهنا الخطر الكبير، إذ أن عبور هذه العتبة من دون أي تدخّل رسمي (سواء نقدي أو رقابي) يُظهر أن سعر الدولار في السوق السوداء هو مُجّرد رقم يُمكن الوصول إليه بحسب رغبة المتلاعبين بهذا السعر الذي يُدير السوق التجاري من رأسه حتى قدميه لدرجة أصبح المواطن يُراجع التطبيقات على الهواتف الذكية قبل أن يتنفسّ!!
الدولار الذي أقفل على حدود الـ 14 ألف ليرة، دفع العديد من المحال التجارية ومحطّات البنزين إلى الإقفال بحجّة أنهم لا يعلمون على أي سعر يجب بيع السلع والبضائع وبالتالي هناك إحتمال لخسارة في رأسمالهم. هذا التصرّف المُخالف للقانون (المرسوم الإشتراعي رقم 73 تاريخ 1983)، يُعتبر إحتكار وإمتناع عن البيع بإنتظار ارتفاع الأسعار وبالتالي تحقيق أرباح أكبر.
هذا العمّل المُخالف القانون، مُخالف أيضًا للشرائع الدينية والأخلاق ولو كنّا في بلد يحترم نفسه، لرأينا العديد من هؤلاء وراء القضبان نظرا إلى الضرر الاجتماعي والإقتصادي الذي يُخلّفه مثل هذا التصرّف.
في هذا الوقت، يستفحل المتلاعبون بسعر صرف الدولار في أعمالهم الشنيعة من خلال التطبيقات التي تخدم، وبدون أي إستثناء كل اللاعبين الإقتصاديين بإستثناء المواطن الذي يُعاني الأمرّين. إذ كيف يُعقل أنه وفي خلال ساعات يرتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء ألفين أو ثلاثة ألاف ليرة؟ إذ لم يكن هذا تلاعب بسعر الصرف، فما هو إذن؟
السلطات من جهتها غائبة عن السمع وكأن ما يحصل لا يعنيها من قريب أو بعيد. لا بل على العكس أتى تصريحي رئيس الحكومة حسان دياب لوكالة رويترز ووزير المال غازي وزني لوكالة بلومبرغ ليزيد الطين بلّة حيث قالا إن الدعم سيتوقّف في أبعد حدّ في حزيران المُقبل مع بدء رفع الدعم التدريجي عن البنزين والسلع والمواد الغذائية. ويتحّمل هذان التصريحان مسؤولية كبيرة في عملية الإرتفاع التي حصلت منذ يومين.
أيضًا، كان للمقايضة السياسية التي جرت في ملفّ الكهرباء والتي قضت بدفع سلفة خزينة لمؤسسة كهرباء لبنان دورًا سلبيًا على سعر الصرف في السوق السوداء نظرًا إلى أن مصرف لبنان لا يمتلك الدولارات وهي ستذهب من أموال المودعين (أغلّب الظن من الإحتياطي الإلزامي!). هذه المقايضة التي تمّت على ظهر الشعب، تأتي في إتجاه إستمرار العبث الحاصل في مؤسسة كهرباء لبنان التي كلّفت الدوّلة ما يزيد عن 45 مليار دولار أميركي منذ نهاية الحرب الأهلية في أوائل تسعينات القرن الماضي.
ومن جهة أخرى تستمر بعض المصارف وعددها ستّة مصارف (نتحفّظ عن ذكرها) بممارسات غير أخلاقية في السوق السوداء من خلال تجميع الدولارات خلافًا لدقائق التعميم الصادر عن مصرف لبنان والذي ينصّ على جلب الأموال من الخارج وليس من داخل السوق اللبناني. وهذا الأمر يفرض على لجنة الرقابة على المصارف القيام بواجباتها المنصوص عليها في القوانين المرعية الإجراء وملاحقة هذه المصارف التي تقوم بممارسات منافية للقوانين والأخلاق!
على صعيد أخر تُطالعنا نقابة السوبرماركات بطرح ينصّ على تسعير السلع والبضائع بالدولار الأميركي. هذا الطرح غير القانوني يذهب بإتجاه شفط ما تبقى من أموال لدى المواطنين العزّل وغير المحميين من قبل حكومتهم. فوزير الإقتصاد والتجارة صامت عن التعليق عن هذا الطرح وإكتفى بإعلان عدم مسؤوليته عن التهريب الحاصل. إلا أنه بارع في إعلان رفع سعر ربطة الخبز التي وعن غير حق ترتفع على وطء سوق الصرف غير الشرعية!
وماذا عن مافيات المحروقات التي تتواطأ مع مافيات التهريب لنقل المحروقات خارج الحدود في صهاريج على مد العين والنظر وتحت أنظار الأجهزة الأمنية من دون أية ردّة فعل وبحجّة غياب القرار السياسي. ما تقوم به مافيات المحروقات هو إقفال المحطّات أمام المواطنين!
الجمارك اللبنانية من جهتها في حال غيبوبة مُطلقة وهي المولجة بحسب القوانين، مُكافحة التهريب. هل يملك القيمون عليها جوابًا عن كيفية خروج البضائع المدعومة خارج الحدود؟ فعلاً إنهارت الدولة!
كل هذا في وقت، يُصرّح فيه رئيس الحكومة أن راتبه الشهري أصبح أقلّ من 1000 دولار أميركي وهو الذي يفوق بعشرات المرّات الحدّ الأدنى للأجور. ما هي الإجراءات التي قامت بها حكومته لردع التدهور الحاصل على الصعيد الاقتصادي والنقدي والإجتماعي؟ الجواب لا شيء!
الدولة اللبنانية إنهارت! إنهارت بمؤسساتها وأداء سياسييها وأداء تجّارها وصِناعييها ومستشفياتها وجامعاتها. الأداء العام هو أداء مُخز ولا يليق بشعب أدّخل الأبجدية ووصلت تجارته إلى كل حوض البحر الأبيض المتوسّط.
على الصعيد الحكومي، ما تزال الأنظار تتوجّه إلى قصر بعبدا بإنتظار زيارة الرئيس المُكلّف علّه يحمل في جيبه أي تطوّر جديد. لكن هذا الإنتظار شبيه بمن ينتظر أن يربح اللوتو من دون شراء بطاقة! الحكومة اليوم هي ضرورة قصّوى ولا يُمكن تجاهل هذا الأمر ويتوجّب على المعنيين التعامل مع هذا الأمر لأن الشعب يجوع ولا أحد قادر على وقف هذه المجاعة إلا حكومة قادرة على القيام بإصلاحات تفتح الباب أمام مُساعدات المُجتمع الدولي وهو قد ما يكون بداية للخروج من النفق المُظلم.
التناتش على مقاعد وزارية هو أمرٌ مُخز نظرا إلى أن الثمن مُرتفع جدا. وبدل هذا التناتش، يتوجّب على المعنيين التوافق على برنامج الحكومة الإصلاحي والأشخاص المناسبين للقيام به والذي يطال كل شيء في لبنان لأننا في مرحلة إعادة هيكلة الدولة. بضعة أشهر من الأن تفصلنا عن مجاعة حقيقية قد تطال الشعب اللبناني. وما قرض البنك الدولي الذي يتنافس سياسيو لبنان على المنابر لإعلانه، إلا شهادة رسمية عن فشل الدولة إذ هذا النوع من المُساعدات لا يُعطى إلى البلدان الساقطة سياسيًا. نعم لبنان أصبح مثل أريتريا شعبه يعيش على المساعدات! شعب سويسرا الشرق أصبح يعيش على المُساعدات في ظل وجود طبقة سياسية أكلت الأخضر واليابس والظاهر أنها لن تنجو بفعلتها مع الأخبار المتزايدة عن عقوبات ثلاثية الأضلاع على هذه الطبقة (أميركية، أوروبية، وخليجية) ستطال سياسيين عبثوا بالأمن الغذائي للمواطن اللبناني.
يبقى القول إن التواطؤ الحاصل بين البيئة السياسية وبيئة الأعمال تُشكّل تحدٍيا واضحا للقضاء اللبناني الذي سيجد نفسه من دون حماية بعد وقوع السلطة السياسية.