قتال على متغيّرات ورئاسة بلا جمهورية
لبنان، كما رآه البابا فرنسيس من شرفة العراق، في “أزمة وجود”. لكن صنّاع الأزمة وحراسها والمراهنين على وراثة البلد يبدون مطمئنين. ما يشغلهم هو قصص العهد والحكومة ونظرية المؤامرة. وما يتركونه على باب الله والزمن وأهل المساعدات الإنسانية هو معالجة الأزمة المالية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية. كأن أزمة الوجود مجرد أزمة بلدية. وكأن الأزمات الأخرى تنتهي بتبادل الإتهامات حول المسؤولية عنها، وتعطيل الحكومة وسيلة لتحقيق هدف يقال يوماً انه صغير ويوماً آخر انه كبير. وفي الحالين كارثة يصح في أبطالها قول الرئيس نيكسون: “الأسوأ بالنسبة الى السياسي من أن يكون مخطئاً هو أن يكون غبياً، ولكن أن يكون غبياً أفضل من أن يكون سخيفاً”.
إذا كان ما يعطل تأليف الحكومة، وسط الشعارات الكبيرة، هو الخلاف حول من يسمي ومن يوافق على مرشح للداخلية وآخر للعدل، فنحن في أسوأ أحوال السخافة. وإذا كان التعطيل مرتبطاً بالسباق على رئاسة الجمهورية كما على انتظار المتغيرات في المنطقة، فإننا في قمة الغباء المسمى شطارة والمتوّج بالهلوسات وجنون العظمة داخل أقفاص الرهائن.
ذلك أن القتال على رئاسة جمهورية ضاعت في بلد مهدد بالزوال يتجاوز مرض الرئاسة التقليدي. فليس بين المتقاتلين من يتكل على قوته بل على قوة الآخرين من صانعي الرؤساء، وقليلهم في الداخل وكثيرهم في واشنطن، طهران، الرياض، باريس، موسكو وسواها. وليس بينهم من يجهل أنه لا يحمل خطة إنقاذية، ولا يستطيع أن يغير شيئاً في اللعبة التي صارت أكبر من الجمهورية والرئاسة. وكل ما يستطيعه هو السعي لحذف منافسيه، ولو قاده ذلك الى مخاصمة الكثير من القوى السياسية. فضلاً عن أن الرهان على محور”الممانعة والمقاومة” هو وصفة للعزلة العربية والدولية فوق الخصومات المحلية.
أما انتظار المتغيرات في المنطقة، فانه تمارين في العبث. متغيرات ليست في يدنا، ولا نعرف حدودها ومداها الزمني، ولا من تدور لمصلحته ومن تدور عليه، ولا هي لعبة واحدة تبدأ وتنتهي بمفاوضات بين طرفين. والسؤال البسيط في مرحلة الكلام على بدء التفاوض بين أميركا وايران هو: كيف يمكن أن تنطلق واشنطن من موقف الإصرار على إتفاق نووي “أقوى وأكثر استدامة” والحد من الصواريخ الباليستية وسحب الميليشيات الإيرانية والنفوذ الإقليمي وتغيير السلوك “المزعزع للاستقرار” في المنطقة، لتصل الى تكريس النفوذ الايراني وتقوية وكلاء طهران وترك لبنان وكل الشرق الأوسط لمحور “الممانعة والمقاومة”؟
في مسرحية “أيام سعيدة” لصموئيل بيكيت حوار عبثي بين البطلين كلوفر وهام وسط الرمل. وهما يستمران فيه حتى يطمرهما الرمل تماماً. أليس هذا ما يفعله المتساجلون في لبنان المنهار؟