تجاهل إمكانية تجدد الهجمات الإرهابية على أوروبا ضرب من السذاجة الخطيرة يرجح أن تحاول الجماعات الجهادية التي عززها انسحاب الغرب من أفغانستان ضرب مدننا قبل نهاية العام الجاري
إيفور روبرتس
يُعد استيلاء حركة “طالبان” على أفغانستان كارثة اجتماعية وأمنية واقتصادية بالنسبة إلى البلد نفسه في المقام الأول، لكنه يخلق أيضاً مناخاً شديد الخطورة في شأن الغرب. وبوضوح شديد، أبرز الهجوم على كابول في نهاية شهر أغسطس (آب) الخطر الإرهابي المتنامي في أفغانستان، الذي سيتسلل بلا شك في اتجاه الدول المجاورة وما بعدها. وعلى الأجهزة الاستخباراتية والأمنية البريطانية التحرك حالاً من أجل حماية المواطنين البريطانيين من تجدد الخطر الإرهابي نفسه الذي أفضى إلى وقوع حوادث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وصعود “داعش”.
منذ وقت طويل، بات من المتعارف عليه أن الشخصيات الرئيسة النافذة في حركة “طالبان”، على غرار قادة “شبكة حقّاني”، تحتفظ بارتباطات وثيقة مع الجماعات الجهادية الإرهابية الدولية. وبشكل كبير، أندمجت “شبكة حقّاني”، الحركة الإسلامية المتشددة التي تُكرس نفسها لإنشاء دولة إسلامية في أفغانستان وباكستان، داخل تنظيم “القاعدة”، وباتت تُعد على نطاق واسع قوة تمرد رائدة في جنوب آسيا.
واستطراداً، يشبه وضع مسؤولية أمن كابول بين يدي “شبكة حقّاني” (مع تعيين سراج الدين حقّاني وزيراً للداخلية في حكومة “طالبان” الأولى) تكليف الثعلب إدارة شؤون قنّ الدجاج. فعلى الرغم مما تصرح به حركة “طالبان”، واهمٌ من يعتقد أن “شبكة حقّاني” مستعدة لمنع تنظيم “القاعدة” من إعادة استخدام أفغانستان منصة تنسق منها الهجمات ضد الغرب.
في سياق مشابه، ثمة تهديد جهادي مساو للسابق (شبكة حقّاني)، وقد تحتم خروجه من رحم الفوضى التي نشرها الاستيلاء على كابول، ولسوف يتبين أنه أقوى من قدرة “طالبان” على ضبطه. إذ تأسس تنظيم “داعش في ولاية خراسان“، الذي يُشار إليه عادة باسم “داعش خراسان” في 2015، حين سعى قادة “داعش” إلى توسيع رقعة نفوذهم أبعد من حدود العراق وسوريا. وقد نما التنظيم بسرعة وشن هجمات منتظمة في كل المناطق الأفغانية وجند عناصره مباشرةً من صفوف أكثر مقاتلي “طالبان” استياءً من عدم استعداد الحركة لمهاجمة القوات الغربية بشكل أعنف.
واستطراداً، يرغب تنظيم “داعش خراسان” في قتال الغرب مباشرة منذ زمن بعيد، لكنه لم يمتلك القدرة على شن هجوم دولي. في المقابل، بعد تحرير أعضاء كثيرين فيه من السجون مع انسحاب قواتنا العسكرية، يستعيد التنظيم بسرعة كامل قوته، فبات يُعد خطراً داهماً ووشيكاً على سلامة وأمن المواطنين البريطانيين والأفغان ممن آزروا قواتنا وما زالوا ينتظرون إجلاءهم من أفغانستان. وقد تبنى تنظيم “داعش خراسان” عملية تفجير كابول. ومنذ تلك اللحظة، برهنت “طالبان” على عجزها التام عن ضبط ذلك التنظيم. وأبعد من الحدود الأفغانية، سوف ترى “شبكة حقّاني” وتنظيم “داعش خراسان” في أزمة اللاجئين الأفغان المتصاعدة، الفرصة المثالية في شن هجمات على المدن الغربية الكبرى قبل نهاية العام الجاري.
وفي سياق متصل، تعهدت المملكة المتحدة باستقبال 20 ألف لاجئ أفغاني. وفي ما يشكل ذلك الأمر واجباً أخلاقياً يتوجب علينا الوفاء به من دون شك، سوف يشكل دمج وتوطين هذا العدد الهائل من الأشخاص بطريقة آمنة ومنظمة، مهمة إدارية ضخمة وخطيرة علينا أن نستعد لها. وسوف يكون تجاهلنا إمكانية وقوع هجمات إرهابية دليلاً على سذاجة خطيرة في قراءة الجهاديين عالمياً حوادث الأسبوعين المنصرمين.
فما يبدو من وجهة نظر الغرب انسحاباً محرجاً يشكل بالنسبة إلى المتمسكين بقضية الجهاد العالمي انتصاراً عظيماً على الغرب، وتصديقاً إلهياً على العمل الذي نذروا حياتهم له، ودعوة للذهاب أبعد من أي وقت مضى. بالتالي، يكون ضرباً من التهور وانعدام المنطق اعتبار أن حركة “طالبان” قد أصبحت معتدلة وأكثر ليونة، أو أن تنظيم “داعش” قد شعر بالتواضع بعد هزائمه الصعبة على يد القوات الغربية خلال العقد المنصرم.
بعد سقوط كابول، سوف يستمد كل تنظيم جهادي قاتله الغرب خلال العشرين سنة الماضية الشجاعة والإلهام من انسحاب الغرب، ويسعى لا محالة إلى تطبيق جدول أعماله الجهادي بشكل أكثر عدوانية وفعالية. ولا ينحصر ذلك في المدن الغربية، بل ينطبق على جنوب شرقي آسيا وأفريقيا. ولا شك في أن بوكو حرام في نيجيريا قد هللت لانتصار “طالبان”.
بالتالي، على أجهزة الاستخبارات ومكافحة الإرهاب خلال الأسابيع والأشهر المقبلة أن تستعد لمواجهة تهديد إرهابي أخطر من أي تهديد عرفه البلد منذ الفترة التي بلغ فيها تنظيما “داعش” و”القاعدة” ذروة نفوذهما.
وفيما يجب تحويل تمويل طارئ إضافي إلى هذه الأجهزة حرصاً على تمكينها من تطوير نفسها كي تواجه الخطر المتزايد في الوقت المناسب، علينا أيضاً أن نضمن مراقبة الموجودين داخل البلاد أساساً ممن صنفوا على أنهم يقيمون صلات مع أي عضو أو شريك في “شبكة حقّاني” أو تنظيم “داعش خراسان”، عن كثب. ويشكل ذلك مهمة شاقة تتطلب جهداً كبيراً. ولاحقاً، حينما نبدأ في دمج حصتنا من اللاجئين الأفغان داخل المجتمع البريطاني، سوف يكون من المهم كذلك تعزيز جهود نزع فتيل التطرف من خلال برامج كـ”بريفينت” (برنامج حكومي يسعى إلى مكافحة الأفكار والنشاطات المتطرفة كي لا تكتسب مؤيدين لها).
وكخلاصة، يتمثل الشيء الأهم في أنه لا يمكن تفادي هذا الخطر من دون تعاون دولي. بالتالي، سوف يكون من الضروري وجود تنسيق عبر الحدود في مجال مكافحة الإرهاب، يشبه التدريبات التي أنجزناها مع بقية دول أوروبا خلال السنوات التي تلت تفجيرات لندن في السابع من يوليو (تموز) 2005. ولا شك في أن الأمر بات أصعب حاضراً في ظل المناخ السياسي بعد بريكست. في المقابل، ستنقذ أرواح كثيرة مع ضمان استمرار ذلك التنسيق ثابتاً.
إذاً، لم تصبح مهمتنا أكثر سهولة مع الانسحاب العاجل من أفغانستان والحوادث الفوضوية والمأسوية في مطار كابول. في المقابل، من شأن اتخاذ تدابير وقائية اليوم أن يمكننا من تخفيف التداعيات الأسوأ الناجمة من ذلك القرار.
* يشغل السير إيفور روبرتس منصب كبير المستشارين في “مشروع مكافحة الإرهاب”، المنظمة الدولية غير الربحية التي تعمل على مكافحة خطر الإرهاب الصاعد والعقائد المتطرفة.
© The Independent