كيف يجوع بلد لديه ملايين الأيدي القادرة على الزرع؟!
ذو الفقار قبيسي -اللوء
الاختلاف في تقييم أهمية دعم القطاع الزراعي بين وزير الاقتصاد والمزارعين، يدلُّ على ارتجالية التقديرات وغياب الدراسات. فتصريح الوزير قبل حوالي نصف عام انه «لا جدوى من الدعم ما دام لم يؤدِّ الى خفض قيمة المنتجات الزراعية»، يقابله بيان المزارعين بأن رفع الدعم تهديد للأمن الغذائي وخسارة صادرات بأكثر من ٧٠٠ مليون دولار سنويا، والتحاق ٤٠% من القوى العاملة بجيش البطالة، واتساع الفجوة الغذائية في عالم يزداد سكانه ويزداد معهم الطلب على الغذاء الذي بات مصدر قلق عالمي في عالم تسعى دوله الى تحقيق اكتفاء ذاتي وتحويل جزء كبير من مساعداتها الغذائية للخارج الى استثمارات زراعية في الداخل، لا سيما ان زيادة انتاج الغذاء الزراعي تحتاج الى تقنيات جديدة للمياه والأراضي الزراعية والأسمدة والمواد القاتلة للحشرات المضرّة بالزراعة.
فجوة مائية – غذائية
وفي تقرير لـ «الفاو» (منظمة الأغذية والزراعة في العالم) ان العالم العربي يعتبر الأكثر تأثّرا بندرة المياه لانخفاض حصة الفرد بأكثر من ٦٠% خلال نصف القرن الماضي، وستنخفض الى ٥٠% عام ٢٠٥٠. وان العالم العربي يستورد نحو ٢٣٥ مليون طن من المواد الغذائية سنويا تحتاج الى ٢٣٥ مليار متر مكعب من المياه غير متوافرة بسبب محدودية المصادر في المنطقة مقابل ازدياد السكان من ٤٠٠ مليون شخص الى ٦٠٠ مليون شخص عام ٢٠٥٠ ما سيسبب أزمة في الأمن الغذائي العربى في المستقبل القريب.
وفي لبنان..
يتواصل انحدار القطاع الزراعي حسب «الاسكوا» من مساهمة ١٢% الى ٣% من الناتج المحلي، وتراجع الصادرات أمام صعوبات المرور عبر سوريا والأردن الى منافسة تتزايد في الأسواق التقليدية في الخليج العربي، وستزداد مع ارتفاع أكلاف الانتاج في حال رفع الدعم، و توسّع مساحات الأراضي الزراعية القابلة للتصحر إلى ٣٠% من هذه المساحات بسبب نقص المياه في «لبنان الأنهار» الذي لا يستغل من موارده المائية أكثر من ٥٠% والباقي الى الهدر والضياع، وشحّ القروض الميسّرة الى حد النشفان، وارتفاع الفوائد وغياب المشاريع المائية وارتفاع أكلاف مواد وخدمات الانتاج من كهرباء ومازوت وأسمدة ومبيدات في بلد ما زال نحو ٨٥% من حاجاته الغذائية تحت رحمة اضطرابات الأسعار في الخارج وفوضى التسعير والتخزين في الداخل.. والتهريب المتواصل «على عينك» من الداخل الى الخارج!!
ولو اننا بدل أن نرفع الدعم رفعنا قليلا ميزانية الدعم لزراعة الأعلاف بدل استيرادها من الخارج ولازداد الانتاج على الاستهلاك والتصدير ولازدهرت زراعة لبنان بأيدي الملايين من أبناء لبنان الذين خاطبهم جبران خليل جبران قبل نحو مائة عام: «أؤمن بكم وأؤمن بقدرتكم على خلق مفيد بأيديكم أنتم، وأدعوكم الى انتاج الثروة بالجهد والجهد وحده، وفي انفاق أقل مما انتجتم كي لا يعتمد أبناؤكم على الأجنبي ليعيلهم عندما تكونوا قد ولّيتم» (The Syrian World عدد تموز ١٩٢٦).
وبعد جبران بعشرات السنين عندما سألوا الرئيس الصيني كمن يتحدث عن كارثة حتمية: كيف تستطيع الصين اطعام مليار ونصف المليار نسمة؟ أجاب: «كان يجب أن تعرفوا قبل السؤال أن لدينا ٣ مليارات ذراع تزرع وتبني من رجال وفتيان ونساء على خطوط نقل سريعة في بلد أصبح اقتصاده ثاني اقتصادات العالم وباحتياط نقد أجنبي يفوق ٣ ترليونات من الدولارات.