“حزب الله” لبعبدا… أوعى الغلط
“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
وسط الجمود السياسي القاتل المحيط بالعملية السياسية في لبنان، وعلى قاعدة توالد الأزمات، حطّ ملف مرسوم تعديل الحدود البحرية جنوباً، أولاً على أجندة الإهتمام الداخلي والدولي، وسط ضبابية كاملة للصورة، وفي ظل تصعيد وتهديد، إسرائيلي في العلن، وأميركي – غربي في السرّ، بعد موجة الإستعجال وحملات التخوين التي ارتدّت على مطلقيها بعد خطوة رئيس الجمهورية، تزامناً مع غياب تام ل”حزب الله” عن المشهد، وحضور ملائكته”.
فرملة رئاسية فتحت الباب واسعاً أمام التكهّنات والتحليلات، إذ ثمة من بين أصحاب أهل السوء من يقول أن الخلاف الحاصل وعدم توقيع المرسوم هو من مصلحته لإيجاد مبرّر لبقاء سلاحه، في ظل الحديث عن تقدّم المفاوضات الإسرائيلية – السورية، وبالتالي انتفاء حجة مزارع شبعا البرية، وثمة من رأى أن الحزب مرتاح لعملية تصفية المرشحين الرئاسيين.
بطبيعة الحال خاض جميع الأفرقاء المعركة من منطلقات سياسية ضيّقة، أهمها إحراق مراكب الحظوظ الرئاسية للمعنيين، وهو ما بدا جلياً في الحملات المباشرة وغير المباشرة التي قنّصت أكثر من مرشّح للوصول إلى بعبدا.
فمفوّض الحزب في الملف لم يبرح شاشات التلفزيون شانّاً هجمات مركّزة ضد تحالف بري – فرنجية الرافض لتمرير الملف لأسباب وغايات لم يكن من الصعب استنتاجها، صفقة رئاسية مع الأميركيين. في المقابل خرج سليمان بيك بتبرير مقنّع، بعدما “زَمَطَ” من الفخ الذي نُصب له ليفتح النار صراحة على قائد الجيش، محيّداً الوزير جبران باسيل.
في المقابل، تبدو بعبدا مقتنعة بحججها ومبرّراتها لخطوتها، المُعلن منها والمَخفي، فضربة المعلم الرئاسية أصابت بحجرها أكثر من عصفور، فهي حشرت “غرندايزر السراي” في الزاوية، لجهة” إجباره” على عقد جلسة للحكومة، كافية لتكرّ بعدها سلسلة جلسات، كما أنها كفيلة بمراجعة رئيس الحكومة المكلّف لحساباته، بعدما خسر ورقة دياب في حال رضخ لبعبدا. وهنا السؤال المشروع، ماذا ستكون عليه ردّة فعل راعي الحكومة ورئيسها؟
في المُعلَن من الأسباب، تختلط الدوافع والمبرّرات، أما أهمها:
– دستوري، مرتبط بإلزامية الإقرار في مجلس الوزراء قبل توقيعه انسجاماً مع رأي هيئة التشريع والإستشارات، رغم أن تلك الخطوة لن تمنع أي حكومة أخرى من إلغاء المرسوم أو تعديله.
– إداري، يتعلق بالأمانة العامة للأمم المتحدة، حيث عُلم أن الدوائر المعنية في المنظمة الدولية، ستدرس الملف اللبناني لتحديد مدى مطابقته للأصول المعتمدة إدارياً وقانونياً، وما إذا كان ثمة عيوب تشوبه، ليتخّذ على ضوء ذلك المقتضى اللازم، وذلك في ظل اللغط الدائر حول صلاحية التواقيع في بيروت، وهو أمر يتابعه المعنيون بكل دقّة، إذ كيف للمنظمة الدولية أن تسجل وثيقة رسمية لا تحمل تاريخ توقيع، وهو خلل في الشكل.
– تقني، إذ عُلم أن شركة “إنرجين”، أبلغت الإسرائيليين التزامها بالعقود وعدم تراجعها عن بدء الحفر، وبالتالي، تصبح مهلة إيداع المرسوم في نيويورك غير ذات قيمة بالنسبة للجانب اللبناني.
– سياسي، إذ أن لبنان الذي دخل بإرادته، وبالإجماع، في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، لا يزال في مناخ التفاوض وليس المواجهة، في ظل حملات التصعيد الإسرائيلي والجو الدولي العام ، غير المشجّع لأي خطوة لبنانية ناقصة قد تترتّب عليها إنعكاسات داخلية وخارجية، نظراً لانعدام القدرة على تحمّلها في ظل الظروف الحالية.
مصادر مقربة من “حزب الله”، كشفت عن اتصالات بين الحارة وبعبدا، ووعود رئاسية بحلّ الملف سريعاً، وسحبه من الزواريب السياسية الضيقة وتصفية الحسابات بين الرئاستين الأولى والثالثة، معتبرةً أن أحداً في لبنان، لا يمكنه أن يبيع أو يشتري في مسألة ترسيم الحدود، لأن الكلمة الفصل في الملف تبقى للحزب، رغم إقرار الأخير بأنه يقف خلف قرار الدولة اللبنانية، موضحةً أن الدولة اللبنانية أخطأت بعدم إنهاء المسألة قبل زيارة دايفيد هيل، متوقعةً أن تحلّ المسألة سواء باجتماع الحكومة أو عدمه.
إذاً ضربت بعبدا الكرة في مرمى السراي وخلطت الأوراق، وربما التحالفات. فهل أصبحت المعركة بين “غرندايزر” وحارة حريك؟ ولماذا محاولة البعض الغمز من قناة زيارة هيل إلى بيروت، وربط الأمر بالعقوبات ضد باسيل؟ أو تصوير الأمر على أنه استهداف لقائد الجيش؟ ومَن هي الجهة المحرّكة للإعلام في هذا الموضوع؟ والأهم ماذا سيفعل “حزب الله” بعد كل ما حصل؟
“اللي بكبّر فشختو بيوقع…” لذلك “لما إجت حزينة الممانعة والمقاومة لتفرح، ما لقيت إلها مَطرَح”. فبحسب الشاطر حسن “نطرها الحزب من بنشعي فإجِت من بعبدا… إنها السياسة اللبنانية” ما إلها رب”….