الحدث

“الميقاتيّة السياسيّة” في خطر

ليبانون ديبايت – ميشال نصر

مَشهدان متناقضان في يومٍ واحد. الأوّل، مشهد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، يصول ويجول بموكبٍ “مهيب” بين المقرّات الرسمية واعداً بحياة زهرية، “راشّاً كمشة” وعود، ومعها دعوة للمسؤولين “ليحبّوا بعضن بعض” عشية عيد الميلاد، معرّجاً على “بيت الشعب البحري”، كابوس الممانعة والمقاومة. أمّا في المشهد الثاني، فوسطاء “يفزّوا وينطّوا” بين المعنيين لإنجاز “صفقة قبع رأس اللبنانيي”، عبر إبعاد المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، مقابل إبعاد المغتربين عن الإقتراع للـ 128، وما بينهما من “تمريقة من هون” و”تركيبة من هونيك”، “فكما تراني يا جبران أراك”، قرّر الآحادي الشيعي، ليدفن كل شيء مع إعلان “قرار اللإقرار” التاريخي.

فبين غوتيريس “العايش بغير دنى” “ما عا باله بال”، والتسوية “إبنة الحرام” التي ما من أحد تجرّأ على تبنّيها أو الإعتراف أصلاً بوجودها، بعدما رموا كرتها في ملعب الغرف السوداء، يبدو اللبنانيون في عالمٍ آخر، همّهم الأكل والدواء و”الدفا”، علّهم يصمدون إلى أن يحين موعد صدور الحقيقة وإحقاق العدالة في ملف تفجير مرفأ بيروت ، ويقومون إلى أن يستحقّ موعد الإنتخابات النيابية، “ليعملوا واجبهن بالتغيير”، ويحقّقوا الفرق كل الفرق.

في المنطق وقاعدته، من الواضح أن الأمور مش “زابطة”، و”ما رح تزبط”، لسببين أساسيين: داخلي، جعل من التحقيق في تفجير المرفأ وانتخاب الإنتشار قضية رأي عام، سينقلب سحرها على من قد يُقايض أو يساوم، وخارجي، حيث” العين مفنجرة” من مشارق الأرض إلى مغاربها، تراقب وتدقّق “ناطرة عا غلطة” لتضرب ضربتها، وما كاد يمرّ على جرعة التهديدات الأميركية ساعات. فهل ثمّة بعد كل ذلك، من يظنّ أن هناك من سيتجرأ من جماعة العهد “على اللعب بالنار” في زمن الإنتخابات خصوصاً؟

بالعودة إلى الأسباب الشكلية لانهيار المفاوضات، فان القُطبة المخفيّة التي حيّرت الجميع، تمثّلت في إصرار إستيذ عين التينة على عدم “زحزحة” المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، رغم ترك تسمية البديل لعين التينة، الذي للأمانة والتاريخ، “تعب كتير” في ملاحقة قضايا الفساد، “واصلاً ليله بنهاره”، مُخرجاً كلّ من زاره ببراءة ذمّة، إذ لم يجد فاسداً واحداً في الدولة اللبنانية حتى تاريخه. أمّا على الضفة المقابلة فتعنّتٌ بالإطاحة بحاكم المصرف المركزي بعدما “طفح كيل جمعية المصارف” من خدماته لهم، علماً أن هناك من يقول بأن مطلب “التيار الوطني الحر” الأساس، أبعد بكثير مما يتمّ تداوله، وهو مرتبطٌ بتعيينٍ “من نوع خاص”، يحتاج للحكومة وللإجماع، وبين الإثنين، صراع الجميع للإستحواذ على النيابة العامة التمييزية.

وسط ذلك، وبالرغم من “الطوف”، حمل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “حاله”، “خاطفاً رجله” إلى عين التينة، علّه يلحّق “يعمل شي”، قبل أن يصيح ديك يوم الثلاثاء، ليُعلن نهاية أي إمكانية للتسوية، مع إعلان قرار المجلس الدستوري، إلاّ في حال قرّر “الإخوان” أن يعودوا” إلى صف ساحة النجمة”، لإنجاز التسوية، بطريقةٍ جديدة. إلاّ أن ضيف الرئاسة الثانية، الذي “أخذ كسرة عالخذلان” في الأيام الأخيرة، واقعٌ بين “شاقوفين”، لا يريد أن يتحوّل إلى فؤاد سنيورة جديد، كما أنه “عم يُحسُب حساب بكرا”، إذ قد يأتي الدور عليه في حال قررت القاضية غادة عون، نفض الغبار عن ملفاتها، لذلك لا بدّ من التمسّك بمسألة المحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والنواب، والأهمّ، قرّر الشيعي والماروني، حصّة السنّة في الصفقة دون مراجعته، “فطار عقله”.

وحده “إبن البيطار” طلع “قدّهم”. حظّه “بيفلق الصخر”، الشعب اللبناني “معه وأيضاً وراءه”، كذلك دول العالم، من “سندها إلى هندها”، والأهمّ، أنه استطاع حتى الساعة، أن ينفذ من “مُنخل” المخاوف من مقايضات وصفقات، قد تُزعج “أنصاره” فيردّون في صناديق الإقتراع، الصاع صاعين، بعدما ضمن القضاء إلى صفّه، وحجز القدر “لأعدائه”، من آحادي شيعي، حاول جاهداً تمرير “القبع” “بالمنيح أو الوحيش”، دون أن ينجح بالنزول عن الشجرة التي “حطّه على رأسها”، المحقق العدلي، خصوصاً أن ثمة من خرج من “الواعين” في صفوفه، يسأل عن معنى تلك المعركة الخاسرة التي فُتحت “في الهواء”، والتي تحولت إلى عبءٍ ومشكلة، يصعب يوماً بعد يوم الخروج من نفقها.

فهل هو الخوف من نتائج الإنتخابات وحده من ” شوشط الطبخات”؟ أمّ أن المسألة، ما بعد بعد التعيينات القضائية التي قيل عنها؟

واضحٌ أن الميقاتية السياسية باتت في خطرٍ وجودي، بدليل حركة رئيس الحكومة المركّبة، التي أخرجته من عين التينة وجهه “أسود متل الزفت”، فبعد تخلّي العرّاب الفرنسي عنه، وفرحة اتصال ولي العهد السعودي”، التي لم تصل” لقرعته”، بات هامش المناورة يضيق أمامه داخلياً، فمسألة تعطيل الحكومة، ما عادت تؤذي العهد، إذ إن “الضرب بالميت حرام” بقدر ما باتت تهدد مستقبل المشروع الميقاتي، الذي بات قاب قوسين أو أدنى، من الخروج من “المولد بلا حمص”. فلماذا فوّت النجيب الفرصة على نفسه، وقرّر عدم القفز من المركب بالأمس؟ علماً أن بيان مكتبه ترك في جملته الأخيرة، الباب مفتوحاً على احتمال ترك السراي، رغم أنها وحدها، “أوركسترا السراي”، “متأمّلة” برجعة مجلس الوزراء إلى الإجتماع، فيما المعنى أن الأساسيين متفقان على أنه “عمره ما يكون”.

في الخلاصة، ميقاتي مستمرٌ بمهامه، إلى أن يقضي الله أمراً بات مفروغاً… فهو “ما صدّق وصل ليفلّ”، حتى ولو لإدارة أزمة… بكل الأحوال ، “بقي أو فلّ”، النتيجة ذاتها طالما أنه ومن عين التينة، اعتبر أنه “غير معنيين بالصفقة” و من “عندياتنا” حتى ولا بغيرها … حتى آخر لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى