الحدث

طريق بيت الوسط ـ بعبدا غير سالكة

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

إلى حدٍ ما ، تراجع منسوب إقفال الطرقات إلى حدوده الدنيا، في ظل التدابير التي اتُخذت “على عَجَل” لوضع اليد على شارع متفلّت آخذ بالتحوّل تدريجياً إلى حفرة مليئة بالرِمال المتحرّكة، وذات قدرة على “بَلع” الجميع. في المقابل، ارتفع منسوب الحراك السياسي الداخلي في محاولة، ربما أخيرة، لـ”لملمة القضية” وإنتاج حكومة “على الحامي”.

يوم أمس لم تخرق حالة الهدوء الحذر سوى منطقة حي السلم، التي أوجدت في لحظة هجرة الشارع “ثورتها” الخاصة، وسرعان ما تم احتواء المسألة وتنفيسها باتباع وسيلة “دع الغضب يُفرّغ في الإطارات المستعملة وينتهي الأمر”. في مكانٍ آخر، لم يتحرّك “حِسّ” الثوّار المفترضين الذين يمثلون عملياً “تركة” الأحزاب في الشارع، ويُقال أن النتيجة تلك تم تسجيلها حين أبلغت قيادة الجيش ليلاً عزمها على فتح المسالك الحيوية نهاراً، ولو بالقوة.

عملياً، ما تم تسجيله من ملاحظات عسكرية حتى الآن، أن “الفرقة” التي كانت تتولى قطع الطرقات، لا تضم أكثر من 400 شخص موزّعين على مساحة كل لبنان، ليبادر نفر قليل منها إلى قطع هذه الطريق أو تلك، سواء باستخدام “الدواليب الجوّالة”، بمعنى وضع الإطارات في نقطة ما ومن ثم إحراقها ومغادرة المكان إلى وجهة أخرى، كما حدث عند مفترق بشامون ـ عرمون مثلاً، أو التجمّع بأعداد قليلة كما كان يحصل في مناطق البقاع أو محلة قصقص في بيروت أو غيرهما. وعليه، بدأت الجهات المعنية عمليات تقصّي واستطلاع، بغية معرفة إذا كان ثمة روابط أو صلات مشتركة أو تنسيق وتواصل بين أعضاء تلك الفرقة، أم أنها كانت تتحرّك معزولة عن بعضها.

في الداخل وعلى مستوى المعنيين، ثمة من يفصل بين ما جرى نهار الثلاثاء من عمليات قطع طرقات، وما جرى نهار الاثنين، حيث بدا الأمر أكثر تنظيماً وأكثر “شعبوية”، وهو ما يؤدي إلى نزع مصطلح “تحزيب الثلاثاء” عن الروزنامة، بدليل أن ما حصل الثلاثاء هو عملياً امتداد لما حصل الإثنين، بشهادة انتفاء الحركة أمس الأربعاء. في الواقع، كان لتهديد الجيش بـ”التدخّل” عاملاً ردعياً لا يمكن التقليل من أهميته. وصحيح أن الجيش كان يتصرّف بحزم منذ الإثنين من جهة طريق الجنوب في ظل التقدير الدقيق للوضع هناك الذي يقف عادة على “كفّ عفريت”، لكن الصحيح أيضاً، أن الجيش تعامل في مناطق أخرى بشيء من “اللين” على قاعدة “تنفيس التجمّعات” ومراقبتها من بعيد منعاً لانفلاتها عن حدودها، وهو فعل وجده البعض محفّزاً للتظاهر وتجاوز القانون، وهو ما يخالف نظرة الجيش الذي كان يعمل على تجنّب المواجهة، ليس رغبةً منه في توفير عوامل تمديد قطع الطرقات إنفاذاً لأوامر من خلفيات سياسية، بل عملاً على استئصال الذرائع. وفيما لو عمل الجيش على فتح بعض المسارات التي كان يحصل عندها تجييش بالقوة، لكان ذلك اتُخذ ذريعةً للإستمرار بقطع الطرقات، لا بل توسيعها، بذريعة أن الجيش يُمارس القمع في هذه المنطقة وتلك.

لكن الآن، وبعد كل هذه المشهدية، هل هبط الدولار أو تراجع أو اتّعظ؟ قطعاً لا، بدليل أن تحليق “الصديق الأخضر” ما زال عند سقف العشرة آلاف وطلوع!

مع ذلك، فإن السياسة تأخذ ما جرى في الشارع على أنه محفّز للإسراع في تأمين الحلول “قبل أن تقع الواقعة”، والواقعة هنا مردّها إلى تحذيرات وردّت إلى بيروت من جهات مختلفة، أن البلاد تقف عند حافّة مخاطر أمنية صعبة خلال الفترة المقبلة. من هنا، وفي ظل عملية “التسخين” التي شهدها الشارع، عاد اللواء عباس ابراهيم للتحرّك وعلى أكثر من جبهة حاملاً مبادرة “الفرصة الأخيرة”.

ومع أن الفريق الأول، أي بعبدا، وقّع على مبادرة إبراهيم (5+1 وزراء لصالح بعبدا دون الثلث الضامن، على قاعدة حكومة من 18 بالإضافة إلى تبادل وزارتي الداخلية والعدل على قاعدة المشاركة في التسمية) مجيّراً إليه تفويضاً على قاعدة “إبحث عن المناسب وافعله”، فإن الفريق الثاني، أي بيت الوسط، ما زال بحكم المتريّث، بدليل أن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وعقب عودته إلى بيروت من الإمارات العربية المتحدة مساء الثلاثاء، خلد إلى النوم العميق. ويُسجل هنا كلام نائب رئيس تيار “المستقبل” النائب مصطفى علّوش ، حول عزم الحريري زيارة قصر بعبدا أمس، في خانة التضليل! إذ لم تثبت أوساط “التيار الأزرق” هذه النظرية، بدليل أن يوم أمس قد مرّ من دون حركة زرقاء.

وفي توصيف مصادر “المستقبل” “غير الرسمية”، أن الحريري “لم يتبّلغ شيئاً كي يتقدّم”، ما يعني أن رئيس الحكومة المكلف ما زال يتموضع عند النقطة ذاتها، وانتظار اتصال يأتيه من بعبدا لدعوته إلى القصر حتى يقوم رئيس الجمهورية ميشال عون بإطلاعه على بنود المبادرة الجديدة ودرسها سوياً. وعلى الأرجح، لن يرده الإتصال المتوقّع من القصر، أقلّه خلال الساعات المقبلة، بدليل أن اللواء ابراهيم قد سرّع وتيرة مهمته في محاولة منه لاحتواء هذه المسألة.

ولتفسير وجهة النظر تلك، هناك من يقول أنه ومن المحال أن يؤلف الحريري حكومةً على سعر صرف تجاوز الـ10,500 ليرة، على قاعدة أن نيران الشارع ستلتهم ثوب الحكومة عاجلاً أو آجلاً، والحريري ليس في جعبته تضحيات ليقدّمها. أضف إلى ذلك أن الحريري، وحتى الساعة، لم ينل ما يبتغيه من السعودية. في المقابل، هناك وجهة نظر ثانية مرجّحة، تعتقد أن للحريري مصلحة في الفوضى الجارية حالياً في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار، يمكن استخدامها لتوفير شروط تأليف حكومة “على الحامي” يؤمّن عقبها هبوطاً محدوداً بسعر الصرف ويُظهر نفسه على إثر ذلك كمنقذ. لكن لعبة من هذا النوع قد تتسبّب بأضرار جانبية، فالحريري يعلم كما غيره، أن الإقتصاد ليس الوحيد الذي تقع عليه أسباب انهيار الليرة. هناك سبب أهم، الحصار السياسي والمالي، وهذا الحصار، وكي يتم فتح ثغرات فيه، على الحريري تقديم تنازلات عميقة. وعلى النحو ذاته، قد يؤدي هذا الحصار إلى توفير أسباب إضافية تُرهِق الحريري وتحوّل حكومته إلى رُكام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى