الجنرال الذي سيعيد خلط الأوراق قد يوحّد مرشحو التيار المحافظ الآخرين جهودهم ضد ترشحه للرئاسة الإيرانية
لم يكن قرار رئيس مقر “خاتم الأنبياء” الجنرال سعيد محمد الاستقالة من منصبه وإعلانه نيته دخول السباق الانتخابي من دون تحديد الموقع الذي يريد أو ينوي الترشح إليه، قراراً من خارج التوقعات التي بدأت المؤشرات تدل عليها منذ أشهر، مع ارتفاع منسوب التركيز الإعلامي على إنجازات هذا المقر الاقتصادية والإنمائية وفي البنى التحتية تحت قيادته في كل إيران. وهي توقعات جاءت مدعومة بموقف صدر عن المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي الذي أعرب عن رغبته في تولّي حكومة “شبابية وثورية” برئاسة “شاب ثوري وعقائدي” مقاليد رئاسة الجمهورية، تكون منسجمة مع الاستراتيجية التي أطلقها تحت عنوان “الخطوة الثانية للثورة” وما تعنيه من ضرورة البدء بنقل السلطات والإدارات إلى أجيال ما بعد الثورة، التي تلتزم الأسس العقائدية والسياسية والاستراتيجية للنظام في إطارها الثوري. الأمر الذي أطلق موجة من التكهنات حول الشخصية التي تنطبق عليها المواصفات التي حددها المرشد، والتي ذهبت في بداياتها نحو وزير الاتصالات الشاب محمد جواد آذري جهرمي، الآتي إلى الحكومة من موقعه كمستشار في وزارة الأمن للشؤون التكنولوجية، إضافة إلى مساعد رئيس الجمهورية للشؤون العلمية سورنا ستاري، نجل قائد القوات الجوية الأسبق في الجيش الإيراني.
“الحرس الثوري”
دخول الجنرال سعيد محمد الآتي من مؤسسة “الحرس الثوري”، السباق الانتخابي، لم تقتصر تداعياته على المشهد الانتخابي وإعادة خلط الأوراق، بل ترافقت مع عودة الحديث عن المحاذير والمخاطر التي قد تنتج من “عسكرة” السلطة التنفيذية في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ إيران والمعركة السياسية والاقتصادية المفتوحة مع المجتمع الدولي نتيجة الصراع حول ملفات محورية وأساسية بالنسبة إلى النظام ومؤسساته، تتعلق بالبرنامجين النووي والصاروخي والنفوذ الإقليمي، وهي ملفات تخصّ في الصميم مؤسسة “الحرس” كونها الجهة المعنية بها وتتولّى مسؤولية الإشراف عليها مباشرة.
المعسكر الإصلاحي
في المقابل، يبدو معسكر القوى الإصلاحية وأحزابها، متخبطاً في حالة من انعدام القرار والاتفاق حول الاستراتيجية التي يُفترَض اعتمادها لخوض الاستحقاقات المتزامنة والمتعددة والمتشعبة التي تشمل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الفرعية والمحافظات والبلديات، إضافة إلى الآليات التي ستلجأ إليها لمواجهة المعسكر المحافظ المتحفز للاستحواذ على كل هذه المواقع عن طريق تجميع كل مراكز القرار الإداري والسياسي والتنموي والتشريعي والقضائي في يده، بالتالي التفرّد بمختلف مستويات القرار الداخلي والخارجي في الدولة والنظام، فضلاً عن التداعيات الخارجية التي قد تواجهها إيران نتيجة هذه الاستراتيجية المحافظة على كل الصعد، مع إمكانية أن تأخذ هذه الاستراتيجية النظام نحو مزيد من التشدد والتصلب، وبالمستوى ذاته نحو تقديم تنازلات قاسية على حساب المصالح الإيرانية بهدف تثبيت مواقعه وتأمين استمراريته.
تباينات عميقة
بعيداً من أزمة الإصلاحيين، يبدو أن المعسكر المحافظ ليس بأفضل حال على المستوى المتعلق بالصراع الداخلي، في ظل تحفز أكثر من شخصية للحصول على تفويض بحصرية التمثيل في السباق الرئاسي على وجه التحديد. وبلغت التباينات داخل هذا المعسكر مستوىً قد يجعل من جهود ومساعي توحيد الصفوف والاتفاق على مرشح جامع قادر على المنافسة، شبه مستحيلة.
فالتباينات داخل معسكر المحافظين لا تقتصر فقط على تعدد المرشحين، الذين يرى كل واحد منهم نفسه الأحق في الحصول على تأييد هذا المعسكر في السباق الرئاسي، إذ وصلت تلك التباينات إلى الصفوف العليا والمؤسسات الدينية التي تشكل العمق العقائدي لهذا التيار، تحديداً بين مؤسستين رئيستين هما “جماعة علماء الدين المجاهدين” و”مؤسسة الإعلام الإسلامي” وكل التشكيلات التي تنضوي تحت لوائهما. وتبدو هذه القوى غير قادرة على الاتفاق على رؤية موحّدة حول آليات وشروط اعتماد مرشح جامع، يكون ممثلاً لها في السباق الرئاسي.
ولعل ما يستدعي التوقف عنده أكثر من غيره في إطار أزمة المعسكر المحافظ، هو ما يمكن أن يتركه قرار الجنرال الشاب سعيد محمد (51 سنة) من أثر في المرشحين الآخرين في هذا المعسكر، خصوصاً الشخصيات الآتية أيضاً من المؤسسة العسكرية لـ”الحرس الثوري”، كالقائد الأسبق للحرس محسن رضائي وقائد القوات الجوية، رئيس بلدية طهران السابق، رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف ووزير الدفاع الأسبق، مستشار المرشد الأعلى الجنرال حسين دهقان، فضلاً عن شخصيات أخرى محسوبة على هذه المؤسسة كرئيس البرلمان السابق علي لاريجاني وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، كبير المفاوضين النووين السابق سعيد جليلي، إضافة إلى رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي الذي سبق أن خاض السباق الرئاسي بمواجهة الرئيس الحالي حسن روحاني واستطاع الحصول على قرابة 16 مليون صوت، ما سمح له بخوض معركة إضعاف روحاني، وفرض نفسه شريكاً في إدارة البلاد كممثل للأصوات والقوى التي وقفت معه. ولعل الأحداث التي شهدتها إيران على خلفية أزمة المؤسسات المالية التي بدأت من مدينة مشهد (شرق) وتوسعت لتشمل نحو 100 مدينة وناحية أواخر عام 2018 وبداية 2019، والدور الذي لعبه رئيسي في هذه الأحداث، كلها عناصر ما زالت حاضرة بآثارها السياسية والأمنية في الحياة الإيرانية.
ترتيب الأولويات
لا شك في أن دخول سعيد محمد السباق الرئاسي، سيدفع الأسماء التي أعلنت ترشحها من المؤسسة العسكرية، وتلك التي تنتظر ما ستسفر عنه المشاورات الداخلية لمراكز القرار والثقل داخل المعسكر المحافظ والآليات التي ستعتمدها لاختيار المرشح الجامع، سيدفعها إلى إعادة ترتيب أولولياتها وتقويم حظوظها في هذا السباق وشروط الجماعة التي ينتمي إليها. إلا أن المتوقع هو أن تشهد المرحلة المقبلة، في الأيام المئة المتبقية قبل الاستحقاق الانتخابي، نوعاً من توحيد جهود المعركة بين هذه الشخصيات لمواجهة الوافد الجديد والإشكالي على حلبة التنافس – أي سعيد محمد – والتي قد تصل إلى حد التشكيك بصلاحيته أو قدرته على النهوض بأعباء إدارة السلطة التنفيذية بذريعة افتقاره للتجربة الإدارية على مستوى البلاد، والدفع باتجاه إبعاده عن السباق الرئاسي ومحاولة الترويج لمعادلة تولّيه رئاسة بلدية طهران التي قد توفر له تجربةً إدارية تؤهله في المراحل المقبلة ليكون مرشحاً لرئاسة السلطة التنفيذية. فهل بدأ المحافظون التفكير بانتخابات 2025 أو 2029 من الآن؟