مصادر كنسية: شكّلوا الحكومة لكي يزورنا البابا فرنسيس.. ولكيلا يفقد لبنان هويته الوطنية!!
دوللي بشعلاني-الديار
أعلن البابا فرنسيس لدى انتهاء زيارته التاريخية الرسولية الى العراق ومغادرته مطار بغداد الدولي عائداً الى مطار روما، الاثنين الفائت، أنّ «لبنان الكريم في استقبال اللاجئين، إليه ستكون رحلتي التالية». وقال ان»البطريرك (مار بشارة بطرس) الراعي قد طلب منّي في هذه الرحلة أن أتوقّف في بيروت. الأمر بدا لي صغيراً، هذا فُتاتٌ أمام ما يُعانيه لبنان».. كتبت له رسالة ووعدت أن أزور لبنان. لبنان اليوم في أزمة، وهنا لا أريد أن أنتقص من أحد، هي أزمة وجود».
في حواره القصير هذا عن لبنان أرسل الحبر الأعظم رسائل عديدة، جريا على عادته، الى الداخل اللبناني. فأوضح أنّ لبنان «هو بلد الرسالة، وهو يتألّم ويُمثّل أكثر من توازن.. فيه بعض الضعف الناتج من التنوّع. بعض هذا التنوّع الذي لم يتصالح، لكن لديه قوّة الشعب المتصالح كقوّة الأرز». مصادر كنسية مطّلعة تلقّفت هذه الرسائل وأشارت الى أنّ «قداسته أكّد أنّ لبنان بلد الرسالة يستحقّ أن يُخصّص له زيارة تاريخية خاصّة، على غرار ما فعل البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني الذي زار لبنان في 10 و11 أيّار من العام 1997، وسلّمه الإرشاد الرسولي الذي انبثق من السينودوس «رجاء جديد من أجل لبنان» الذي فتح صفحة جديدة من تاريخه، وأكّد أنّ لبنان هو بلد الرسالة للداخل والخارج بأنّه بلد التنوّع والتعايش المشترك. وما قام به البابا بنديكتوس الذي زار لبنان أيضاً بين 14 و16 أيلول من العام 2012 وقدّم خلال زيارته الإرشاد الرسولي الى أساقفة الشرق الأوسط.
وإذ تحدّث البابا فرنسيس عن التنوّع الذي يتميّز به لبنان، وضع الإصبع على جرح ما يجري فيه حالياً تضيف المصادر، وهو عدم توازن القوى في هذا التنوّع، مانحاً الدفع والتشجيع للشعب اللبناني بأنّه عندما يتصالح مع بعضه بعضا فإنّ قوّته تكون كقوّة شجر الأرز فيه. وتطرّق الى أزمة الوجود التي يُعاني منها لبنان، في ظلّ كرمه في استقبال النازحين واللاجئين. وسبق لقداسته أن أشار منذ نحو شهر خلال لقائه أعضاء السلك الديبلوماسي المعتمدين لدى الكرسي الرسولي، الى أنّ لبنان «يُواجه خطر فقدان هويته الوطنية والإنغماس داخل التجاذبات والتوتّرات الإقليمية»، كما أنّ إضعاف المكوّن المسيحي فيه يُهدّد بالقضاء على التوازن الداخلي». وشدّد على «ضرورة أن تُحافظ بلاد الأرز على هويّتها الفريدة من أجل ضمان شرق أوسط تعدّدي متسامح ومتنوّع يُقدّم فيه الحضور المسيحي إسهامه ولا يقتصر على كونه أقليّة فحسب».
أمّا زيارته الأخيرة الى العراق التي جرت وكأنّها حدثت في لبنان، رغم أنّ قداسته وعد بأنّ «الزيارة التالية ستكون للبنان»، فقد حذّر خلالها من أن انتقاص عدد المسيحيين في العراق والشرق الأوسط يُشكّل ضرراً جسيماً على المنطقة. ولم يكن اللبنانيون غرباء عنها بل تابعوها كأنّها زيارة الى بيوتهم، وأديارهم وكنائسهم وجوامعهم كونها تهمّهم وتخصّ حاضرهم ومستقبلهم. ولا بدّ أن نكون قد استفدنا منها، ومن كلمات وعظات ونداءات البابا فرنسيس التي أطلقها خلال المحطات التي توقّف فيها، بأنّ المهم هو أن نعود الى بعضنا بعضا والى قيمنا الروحية والإنسانية لنبني وطناً من جديد مبنيّاً على هذه القيم. ولفتت المصادر الى أنّ الثامن من آذار، أي اليوم الذي غادر فيه الأب الأقدس العراق، أعلنه «يوم التسامح»، وهو ليس يوم التسامح للعراق فقط، بل لنا أيضاً نحن اللبنانيين، بمعنى أن نتسامح مع بعضنا بعضا ونعود لنبني معاً بلداً يعمّه السلام والأخوّة والمغفرة.
وكشفت المصادر نفسها أنّ البابا فرنسيس على اطلاع يومي بتفاصيل ما يحصل في لبنان ودول المنطقة، فمتابعة وضع الشعوب فيها، لا سيما المسيحيين هي من صلب أولوياته. كما أنّه يُنسّق بشكل مستمر مع البطريرك الراعي في مختلف الطروحات والإقتراحات. ولهذا يُشجّع المسيحيين على البقاء في أرضهم، والتمسّك بها والعيش مع المسلمين كونهم جزءا لا يتجزأ من بعضهم بعضا، وذلك بعيداً عن سياسيات العدّ، كم هو عدد المسيحيين وعدد المسلمين، وقريباً من كم نحبّ بعضنا بعضا وكم هناك في قلوبنا إنسانية ومواطنية وأخوّة، والتعاون مع بعضنا بعضا من أجل خير الإنسان، أيّاً كانت ديانتنا وانتماءاتنا.
فقداسته عندما قرّر زيارة العراق لم يقل ان الـ 300 ألف مسيحي الباقين من أصل المليون ونصف مليون مسيحي الذين كانوا يعيشون في سهل نينوى والموصل وإربيل وبغداد وسواها.. وقد جرى تدمير منازلهم وتهجيرهم، لا يستأهلون هذه الزيارة كون عددهم قليلا. على العكس فهو الراعي الذي يبحث عن الخروف الضائع من بين المئة، وهو الذي يُحاول التشجيع على بناء الجسور وهدم الأسوار، وعلى تجاوز الإنتماءات الدينية من أجل مستقبل أفضل يعمّه السلام والوئام. وأكّدت المصادر أنّ البابا فرنسيس سبق له وأن زار بلداً يضمّ 34 ألف مسيحي فقط، كما زار دولاً عربية وإسلامية ّعديدة مثل الأردن وفلسطين المحتلّة والإمارات العربية ومصر والمغرب، وألبانيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وميانمار وبنغلاديش. فزياراته هذه تهدف الى خلق الحوار بين مختلف الأديان، ونبذ العنف والتطرّف.
وعمّا يعيق تحديد موعد زيارة البابا فرنسيس الى لبنان، أوضحت المصادر أنّه «من الصعب أن يأتي قداسته الى بلدٍ لا حكومة فيه، فهذه الأزمة السياسية لا تُساعد في التحضير لزيارة تاريخية كهذه. كما أنّ الفوضى التي يشهدها البلد على الصعيد الأمني لا يُشجّع على تحديد موعدها.. لهذا نقول للمسؤولين تفضّلوا وشكّلوا حكومة، لكيلا تفوّتوا على هذا البلد أيضاً الزيارة الرابعة في تاريخه لحبر أعظم. (المرة الأولى التي يستضيف فيها لبنان حبراً أعظماً على أرضه، كان البابا بولس السادس الذي توقّف في 2 كانون الأول من العام 1964، فيما كان متّجهاً الى بومباي، لمدّة 50 دقيقة في مطار بيروت الدولي حيث انتهز الفرصة لنشر رسالة السلام، إذ أمل أن «يبقى لبنان ناعماً بالأمان»، والثانية للبابا القدّيس يوحنا بولس الثاني، والثالثة للبابا بنديكتوس). فالمطلوب اليوم إيجاد «رجاء جديد» في لبنان، على ما شدّدت المصادر نفسها، لا سيما للشباب الذين لا يُفكّرون سوى بالهجرة لإيجاد مستقبل أفضل لهم… وهذا الرجاء يتطلّب من اللبنانيين مسلمين ومسيحيين التعاون معاً لكي يكون بلدهم على مستوى آمال الأجيال المقبلة، ومن السياسيين الذين يقودون هذا البلد تحمّل مسؤولياتهم وتشكيل حكومة تعمل على إنقاذ الشعب من أزماته الإقتصادية والمالية والصحيّة من خلال التفتيش عن الحلول من خلال القواسم المشتركة. وعن قول قداسته إنّ لبنان في أزمة وجود، فذلك وبحسب المصادر للتركيز على أهمية الوجود المسيحي في الشرق الذي هو «الخميرة» فيه كالخمير في العجين، ولهذا فهم مدعوون للبقاء في بيئتهم العربية، ولكي يتفاعلوا ويعيشوا دائماً بأخوّة في هذا المجتمع.
وعن اللقاء الأول على الإطلاق بين بابا الكنيسة الكاثوليكية والمرجعية العظمى للشيعة في العراق، توقّفت المصادر عند التواضع الذي أظهره الرجلان خلاله. فالبابا فرنسيس معروف بتواضعه، ولكن تبيّن للعالم مدى تواضع المرجع السيستاني الذي بدا إنساناً ناسكاً أي الأقرب الى الله والإنسان، وهو قدّيس. علماً بأنّ اللقاء بينهما تمحور حول التحديات الكبيرة التي تواجه شعوب المنطقة في عصرنا هذا، وحول دور الإمام بالدعوة للإلتزام بالقيم الأخلاقية والروحية الذي سيكون له مفعول كبير في حاضرها ومستقبلها. وقداسة البابا في هذا اللقاء توجّه الى السيستاني وشكره لأنّه كان مُدافعاً عن الضعفاء والفئات الأكثر عرضة للخطر والإضطهاد في ظلّ العنف والصعوبات التي يعيشها العراق في تاريخه الحديث.