إنتظار الاتفاق الأميركي ـ الإيراني سيطول!
لا يخلو خطاب أيّ من الجهات السياسية في لبنان من اتهام طرفٍ أو أطرافٍ ما، بتأخير تأليف الحكومة، في انتظار تبلور السياسة الأميركية الجديدة تجاه طهران أو الاتفاق الأميركي ـ الإيراني. وفيما الجميع يتهم الجميع، يبقى «حزب الله» المُتهَم الأبرز، في وقتٍ ينفي «الحزب» هذا الاتهام مؤكداً ضرورة الاتفاق الداخلي وتأليف الحكومة. لكن مَن ينتظرون الاتفاق الأميركي ـ الإيراني الجديد لتأليف الحكومة في لبنان، سينتظرون لفترة طويلة، فالمفاوضات بين واشنطن وطهران لن تبدأ قبل أشهر، وأي اتفاق نووي جديد إذا حصل، لن يُبصر النور قبل سنوات.
لا شك في أنّ وضع إيران يؤثّر في وضع لبنان، بحيث انّ هناك نفوذاً كبيراً لـ«حزب الله» المُرتبط بطهران في البلد، ويخضع «الحزب» لعقوبات لارتباطه بإيران وضلوعه في نزاعات المنطقة وحروبها وتصنيفه «منظمة إرهابية» من الولايات المتحدة الأميركية ودولٍ أخرى. فلبنان ليس في حد ذاته في صلب السياسات الأميركية، بمقدار ارتباطه بأوضاع المنطقة.
وعلى عكس الاعتقاد السائد أنّ الولايات المتحدة الأميركية بلد المؤسسات ولا تختلف سياساتها كثيراً بين إدارة وأخرى، إلّا أنّ السياسة الأميركية تختلف بين رئيس وآخر، بحسب ما يوضح السفير الأسبق في واشنطن رياض طبارة لـ«الجمهورية»، مشيراً الى أنّ الدليل على ذلك الفارق بين توجُّه كلّ من الرئيسين السابقين دونالد ترامب وباراك أوباما في السياسات نفسها، إذ إنّ الاتفاق النووي الذي أبرَمه أوباما مع طهران انسحب منه ترامب، وفي حين كان يتكّل أوباما على المؤسسات والمنظمات الدولية انسحب ترامب منها، مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة «الأونيسكو»، كذلك كان أوباما قائد اتفاق باريس للمناخ فيما انسحب ترامب منه.
ولجهة الاختلاف بين سياسة كلّ من ترامب والرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، ففي حين انسحب ترامب من الاتفاق النووي، فإنّ بايدن يريد إحياءه مع إدخال تغييرات فيه وتوسيعه، ويقول إنّ إيران اذا التزمت الاتفاق سيبدأ بتخفيف العقوبات عنها. ويوضح طبارة أنّ المُشترك بين ترامب وبايدن هو العمل على الاتفاق مع إيران، إنّما بحسب ترامب بـ«العضلات» ووفق بايدن بـ«المفاوضات».
ويشير طبارة الى أنّ بايدن يريد توسيع الاتفاق في 3 نواح، وهي:
– أن يكون الاتفاق أبديّاً، بحيث يُمنع على طهران أن تحصل على قنبلة نووية بنحوٍ دائم، وليس بعد عدد من السنوات.
– لدى إيران برنامج صاروخي يستطيع حمل رؤوس نووية يجب أن يتحجّم.
– علاقة إيران بدول الجوار وأذرع إيران في المنطقة، أي الحوثيين في اليمن و«الحشد الشعبي» في العراق و«حزب الله» في لبنان.
وفي حين ترغب إدارة بايدن في العودة الى الإتفاق النووي مع إيران الذي سبق أن أبرَمه أوباما وانسحب منه ترامب، إلّا أنّ بادين يريد عودة إيران الى التزام هذا الاتفاق أولاً، لكي يُصار بعدها الى تخفيف العقوبات عنها، ثمّ الدخول في مفاوضات جديدة لتوسيع هذه الإتفاق. في المقابل يتمسّك الإيرانيون بهذا الاتفاق كما هو، رافضين تعديل بنوده أو إضافة أيّ أطراف إليه. وتوجّه الرئيس الإيراني حسن روحاني، أخيراً الى الأميركيين، وقال: «هذا هو الاتفاق. اذا أرادوه، أهلاً وسهلاً، سيعود الجميع الى الالتزام. في حال لم يرغبوا، يُمكنهم أن يمضوا في حياتهم». ويوضح طبارة أنّ «الإيرانيين خائفون من فتح باب الصواريخ والعلاقات مع دول الجوار، أي الميليشيات المتعاونة مع طهران».
وإذ تتوالى التصريحات الأميركية والإيرانية في شأن هذا الاتفاق والدعوات والدعوات المضادة الى التزامه، لن تبدأ المفاوضات بين واشنطن وطهران فوراً، بل لا يزال الطرفان في مرحلة رفع السقوف وجَسّ النبض وترتيب أوضاعهما، تمهيداً لبدء المفاوضات، والآن يُمكن القول إنّ الحوار العام بين الجهتين بدأ ليحدّد كلّ طرف موقعه عند بداية المفاوضات. لذلك لن يتغير شيئاً على هذا المستوى سريعاً، وهذا قد يتطلّب بضعة أشهر، بحسب طبارة.
ويشير طبارة الى أنّ بايدن مهتم جداً بموضوع فيروس «كورونا»، المنتشر جداً في الولايات المتحدة الأميركية، وهو يعتبر أنّه إذا أنهى أزمة «كورونا» أو خفّف من وطأتها يُنعش الاقتصاد، وبعدها يهتم بالسياسة الخارجية، لكنه يعمل في الوقت نفسه على المستوى الخارجي ويحاول تعزيز علاقات واشنطن مع الدول الأوروبية، ويُعيد درس العلاقات والسياسات في الشرق الأوسط، وإذا كان سيُكمل سياسة الاتفاقات الثنائية أم لا. وبالتالي، إنّ الشرق الأوسط ليس أولوية لبايدن الآن، بل أولويته داخلية لجهة «كورونا» والاقتصاد، وخارجية لجهة إعادة العلاقات مع المجتمع الدولي، والعودة الى اتفاقيات باريس للمناخ و»الاتفاق النووي» ومنظمة الصحة العالمية.
ويلفت طبارة الى أنّ الفريق الذي اختاره بايدن ليعمل على قضايا الشرق الأوسط هو من فريق أوباما، ومن الذين عملوا على «الاتفاق النووي». وبالتالي، إنّ استقدام بايدن لأشخاص ذوي خبرة في هذا الاتفاق، يُظهر مدى الأهمية التي يوليها الرئيس الأميركي الجديد له، على رغم أنّه لم يوضَع حتى الآن على «نار حامية»، إذ هناك أولويات أميركية أخرى.
وبالنسبة الى السياسات الاميركية حيال الشرق الأوسط، يرى طبارة أنّه «لن يكون هناك تغيير كبير في هذه السياسات» مع بايدن، وستبقى اسرائيل «الولد المدلّل» لواشنطن، إنّما يُمكن أن يمنعها بايدن من بعض الأفعال، فيما ترامب فتح الباب كلياً لإسرائيل مقابل أن يربح دعم اللوبي الاسرائيلي. وفي هذا الإطار، أعلن البيت الأبيض، أمس الأوّل، أنّ أول مكالمة سيجريها بايدن مع قادة من الشرق الأوسط ستكون مع رئيس الوزراء الإسرائيلي. وانطلاقاً من هذا «التمييز» الأميركي للإسرائيلي، فإنّ أكثر ما يهمّ واشنطن في لبنان الآن هو ترسيم الحدود البحرية. وما عدا ذلك، سيكون الدور الأميركي بنحوٍ أساس مُسانِداً للدور الفرنسي، بحسب طبارة، ولا حلّ للبنان إلّا بالمبادرة الفرنسية.