غضب الجياع.. هذا ما جنته السلطة على نفسها
اندريه قصاص-لبنان24
لم يعد لدينا أدنى شكّ، وهو قاسم مشترك بين جميع اللبنانيين، من أن غالبية الذين إجتمعوا بالأمس في قصر بعبدا، برئاسة رئيس الجمهورية، تحت عنوان “إجتماع اقتصادي ومالي وأمني وقضائي”، يعيشون على غير كوكب أو أنهم لا يدركون ما يحصل في الشارع ومدى الأزمة الخانقة التي يعيشها المواطنون، الذين يخافون من الآتي، وهو أعظم.
وباتت مواقع التواصل الإجتماعي منبرًا لـ”فشة خلق” الناس الموجوعين، مع تواصل التحركات في شوارع كل مدينة وقرية، من شمال لبنان إلى جنوبه، ومن سهله إلى ساحله، مرورًا بقرى جبل لبنان، التي تحوّلت كتلة غضب واحدة في وجه سلطة فاسدة وغير مهتمة بمصير الوطن والمواطنين.
ما صدر عن إجتماع “الكوكب الآخر “بالأمس أظهر بما لا يقبل الشك والجدل أن السلطة مأزومة وأنها تحاول بشتى الطرق التفتيش عن خلاص، وهي لا تدرك أن تصرفاتهم غير المسؤولة هي التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه من حالة فقر مدقع وجوع كافر. فلو كان لدى هذه السلطة القليل من الوعي والحسّ بالمسؤولية لكانت أبدت بعض التجاوب مع مطالب حراك 17 تشرين الأول، وهي كانت مطالب من السهل تحقيقها من خلال بعض الإجراءات العملانية ووقف الهدر وزجّ ناهبي مال الشعب في السجون، والضرب بيد من حديد على يد كل من يحاول التلاعب بسعر صرف الدولار على حساب الليرة اللبنانية، التي أصبحت في الأرض بعدما تخطّى سعر صرف الدولار عتبة العشرة الآف ليرة، وهو مكمّل في تصاعده الجنوني، لأن الدولة غائبة، وإن حضرت “تبلّ” يدها بمن لا غطاء سياسيا له، وتترك كبار المتلاعبين بالمصائر، وهم محميون، يسرحون ويمرحون من دون أن تطالهم يد العدالة.
إجتماع “الكوكب الاخر” إلى الطلب من الاجهزة الامنية والعسكرية، وكأن عناصر هذه الأجهزة هم من غير الطبقة الفقيرة التي تعاني، عدم السماح بإقفال الطرقات مع الاخذ في الاعتبار المحافظة على سلامة المواطنين والمتظاهرين وعلى الممتلكات العامة والخاصة.
الردّ على هذا المطلب جاء سريعًا من قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي قال “إن الوضع السياسي المأزوم انعكس على جميع الصعد، بالأخص اقتصاديا ما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والجوع، كما أن أموال المودعين محجوزة في المصارف، وفقدت الرواتب قيمتها الشرائية، وبالتالي فإن راتب العسكري فقد قيمته”.
وأضاف: “العسكريون يعانون ويجوعون مثل الشعب”، متوجها إلى المسؤولين بالسؤال:” إلى أين نحن ذاهبون، ماذا تنوون أن تفعلوا، لقد حذرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع وإمكان انفجاره”.
هذا الكلام، إذا كنا نريد أن نضعه في خانته السياسية، فإنه يعني أننا واصلون في الأيام القليلة المقبلة، إلى مشكلة اساسية، وهي أن أفراد الجيش، وهم جزء من الشعب، سيجدون أنفسهم مضطّرين إلى الوقوف إلى جانب ناسهم في التعبير عن وجعهم، على رغم أن ثمة قرارًا من القيادة العسكرية بعدم السماح بأن تفلت الأمور على غاربها، وأن يؤدي ذلك إلى إهتزاز الإستقرار العام.
هذا الكلام يعرفه جيدًا ويفهم ابعاده جميع الذين نزلوا إلى الشارع دفاعًا عن لقمة العيش، وهم لم يقطعوا الطرقات حبًّا بقطع الطرقات بل لإسماع صوتهم وإختراق ضمائر المسؤولين النائمين على حرير، وهم يعرفون أيضًا أن ثمة جهات من داخل أهل السلطة، والذين يخافون على مصالحهم وكراسيهم ونفوذهم، سيعمدون إلى دفع بعض الجماعات غير المنضبطة إلى التغلغل وسط المتظاهرين والتخريب بهدف أولي وهو ضرب الحراك من الداخل وإعطاء الأجهزة الأمنية المبرر للتدخل تحت عنوان “الحفاظ على السلم الأهلي”.
أما الهدف الثاني فهو إظهار الحراك على غير حقيقته وتشويه صورته أمام الرأي العام، وتظهير موقف مغاير للذي من اجله نزل الذين نزلوا إلى الشوارع، بعدما أصبحت ظروف الحياة غير محمولة وبعدما دقّ شبح الجوع أبواب الجميع من دون إستثناء.
بعض قيادات الحراك الشعبي تدرك خطورة ما تخطط له السلطة، وهي لهذا أطلقت أكثر من تحذير، وذلك تخوفًا من لعبة الدّم، وإستدراكًا لما يمكن أن تقدم عليه تلك السلطة المأزومة، والتي تحاول بشتى الطرق، ولو عن طريق الترهيب، الإستمرار في لعبة الهروب إلى الأمام، والإستمرار في التكابر والمعاندة، حتى ولو سالت الدماء على الطرقات.
إنه الغضب الآتي، غضب الجياع الذي لا ولن يرحم أحدًا ممن كانوا سببًا في إفقارهم وتجويعهم.