جولة الصباح الاخبارية: قائد الجيش يخطف الأنظار من اجتماع بعبدا… والتحركات المطلبية مستمرة
أعاد مشهد قطع الطرقات أمس في جميع المناطق اللبنانية، مشهدية 17 تشرين الأول الى الواجهة، على الرغم من الاعداد القليلة التي كانت موجودة في عدد من المناطق، الا أن هذا التحرك السريع الصباحي، تمكن من ايصال رسالته وبقوة الى مسامع المسؤولين، حيث تداعوا الى اجتماع سريع وطارئ أمني اقتصادي مالي في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون. الاّ أن المفاجأة كانت في البيان الذي صدر عن المجتمعين، والذي وصفته مصادر عديدة بأنها لم يكن على مستوى الحدث القائم.
وفي حين اعتبرت “النهار” أن اللبنانيين لم يجدوا بعد تفسيراً واضحاً لما صدر عن هذا الاجتماع من مواقف وقرارات ما دامت تندرج في اطار لزوم ما لا يلزم او غسل الايدي من تبعات الانهيار الذي أعاد الناس الى الشارع، وصفت وصفت مصادر سياسية عبر “نداء الوطن” الاجتماع بـ”الفوفاش” الذي يعبّر خير تعبير عن “تفليسة الطبقة الحاكمة وعقم الرهان عليها في أي عمل إصلاحي إنقاذي”، وعلمت اللواء أنه في خلال الاجتماع كان هناك كلام نوعي بكل المعايير وقد رسخ في أذهان القيادات الأمنية.
الاّ أن ما كان يجب أن يقال في اجتماع بعبدا، ولم يقل، قاله قائد الجيش العماد جويف عون من اليرزة وبالفم الملآن، حيث أتت الكلمة “على قدر معاناة اللبنانيين بعدما حاكى في مضامينه وجع العسكر والناس على حد سواء تحت وطأة انعدام المسؤولية لدى الطبقة الحاكمة”، واعتبرت “نداء الوطن” أن “الرسائل” التي أطلقها قائد الجيش في كلمته استطاعت بجدارة أن “تعرّي المسؤولين وتفضح تواطؤهم وتآمرهم على المؤسسة العسكرية” خصوصاً حين توجه إليهم بالسؤال: “أتريدون جيشاً أم لا؟ أتريدون مؤسسة قوية صامدة أم لا؟”. وعكس هذا التناقض الصارخ بين موقف السلطة السياسية الحاكمة والقيادة العسكرية التي بدت اقرب ما تكون الى صف اللبنانيين المعترضين والمحتجين صورة لعلها الأكثر إفصاحا منذ سنتين عن محاصرة الازمات المصيرية لدولة فشلت في مواجهة انهيارات البلاد وعاندت سلطتها السياسية في لعبة المصالح بمنع تشكيل حكومة انقاذية الى ان بدأت الان الارتدادات الخطيرة ترتد عليها بأوخم العواقب.
لماذا خرج عون عن صمته؟
ليس تفصيلا صغيرا كلام قائد الجيش العلني الذي سبق واسمعه لكل القيادات السياسية بعيدا عن الاعلام، كما تقول اوساط بارزة لـ”الديار”، لكنه اضطر لذلك بعدما لمس شعورا بانعدام المسؤولية على الرغم من كل التقارير الامنية المقلقة الموجودة على “طاولة” الجميع، ولهذا كان لا بد من وضعهم امام مسؤولياتهم وامام اللبنانيين الذين يجري استغلال بعضهم في “لعبة” اكبر منهم، ويخشى الجيش ان يتورط البعض في مواجهة مع المؤسسة العسكرية، او افتعال اشكالات امنية لغايات سياسية، ولهذا اراد اخراج الجيش من اتون هذه التجاذبات محذرا الجميع من هذه اللعبة الخطرة التي ستؤدي الى انفجار يصعب السيطرة عليه، خصوصا ان خلفيات التحركات المعيشية تبدو جذابة، ولطالما اكد قائد الجيش للمسؤولين ان الجيش مستعد لمنع اي محاولة للاخلال بالامن والاستقرار، ولكنه سيكون عاجزا عن مواجهة اي حركة احتجاج دوافعها جوع الناس وفقرهم.
“المؤامرة”
وطغت نظرية المؤامرة على القراءات الرئاسية لتحليق سعر الدولار وارتفاع الاسعار وتحرك الشارع. وعرضت تقارير امنية عما يجري على الارض، ووحدهما قائد الجيش العماد عون والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم التزما الصمت، حتى عندما طلب من الجيش والقوى الامنية منع اقفال الطرق .
وتركزت مداخلات الحاضرين على ان الاحتجاجات في الشارع شق منها مطلبي معيشي محق، وشق منها مسيّس ومنظم بدخول احزاب واطراف تعمل على الاستثمار السياسي فيه. وعلم انه طلب من حاكم مصرف لبنان التدخل للجم ارتفاع سعر الدولار، وهو اعتذر عن عدم القدرة على التدخل بسبب الشح والجفاف في السيولة. وكان اجماع من الرئيس دياب والوزراء والامنيين الذين تحدثوا عن ان لا حل جذرياً للازمة المتفاقمة الا بتشكيل حكومة جديدة.
ونقل عن الرئيس عون قوله “أنا ميشال عون ما حدا يجربني. في العام 1990 رفضت ان اتنازل تحت ضغط المدفع والآن لن اتنازل تحت ضغط الدولار”.
وفي السياق عينه، ترددت معلومات موثوق بها تفيد بأنّ اجتماع بعبدا الموسّع أمس لم يخلُ من “أجواء متوترة” على خلفية الضغط السياسي الكبير على الجيش لدفعه نحو فرض “حلول عسكرية” على الأرض في مواجهة الحراك الشعبي، الأمر الذي لم يتوانَ قائد الجيش عن رفضه بصورة مطلقة، انطلاقاً من قناعته بأنّ الحلول يجب أن تكون إصلاحية بالدرجة الأولى وهي تقع على عاتق السياسيين، أما واجب حفظ الأمن فهو يقع على عاتق كافة الأجهزة الأمنية وليس من المعقول ولا من المقبول الاستمرار في تكليف الجيش وحده بمهمات لوجستية تتعامل مع الوحدات العسكرية وكأنها “شرطي مرور” مكلف فتح منافذ لخطوط السير في هذا الاتجاه أو ذاك.