عقب لقاء العسكر في السودان.. هل تصل أزمة سد النهضة إلى الحرب؟
الوقت- لمحاولة كسر الجمود الدبلوماسيّ الذي يلف قضية سد النهضة الإثيوبيّ على النيل الأزرق، بدأ الرئيس المصريّ، عبد الفتاح السيسي، السبت المنصرم، زيارته الأولى للسودان، حيث أشار رئيس ما يسمى “مجلس السيادة الانتقاليّ” في السودان، عبد الفتاح البرهان، إلى أنّ زيارة السيسي للخرطوم تأتي في وقت تمر فيه البلاد بمرحلة انتقاليّة وتواجه الكثير من المصاعب، معتبراً أنّ زيارته تسند الثورة السودانيّة وتعزز العلاقات بين القاهرة والخرطوم، في إطار الحراك الدبلوماسيّ والعسكريّ الكبير بينهما، بعدما وقع الطرفان اتفاقيات عسكريّة خلال زيارة قام بها رئيس الأركان المصريّ إلى السودان، وتمّ توقيع الاتفاقية في العاصمة السودانيّة، بحضور قائدي جيشي البلدين في 2 آذار الجاري، وأكدا أنّ البلدين يواجهان تهديدات مشتركة.
رؤية موحدة
وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السودانيّة “سونا”، نقلاً عن رئيس مجلس السيادة الانتقاليّ في السودان، عبد الفتاح البرهان، فإنّ السودان ومصر توصلا إلى رؤية موحدة تخدم تقدم وتطور ونماء شعبي البلدين وتساهم في استقرار الدولتين، وأوضح البرهان أنّ زيارة الرئيس المصريّ للبلاد تشكل سنداً لثورة الشعب السودانيّ، وتسهم في تقوية وتعزيز ما أسماها “روابط الأخوّة بين الدولتين”، بما ينعكس على مجريات الانتقال بالبلاد، وذلك خلال مؤتمر صحافيّ عقب جلسة المباحثات السودانيّة – المصريّة المشتركة.
وتتحدث الأنباء أنّ البلدين ناقشا كل الملفات التي من شأنها دعم التعاون المشترك بينهما، واعتبر رئيس مجلس السيادة الانتقاليّ في السودان أنّ مواقف القاهرة مشرفة وداعمة للخرطوم، لافتاً إلى مساندتها للحكومة الانتقاليّة في سبيل تأسيس وتوطيد ما أسماها “دعائم الحكم الديمقراطيّ” الذي يسعى السودان للوصول إليه في فترة انتقاليّة سليمة.
في المقابل، نوه الرئيس المصري بأنّ هناك ارتباطاً وثيقاً للأمن القوميّ بين مصر والسودان، اللتين اتفقتا على رفض أيّ إجراءات أحاديّة تؤثر على نهر النيل، وشدد السيسي دعم القاهرة للمقترح السودانيّ لتشكيل رباعيّة دوليّة، تشمل رئاسة الاتحاد الإفريقيّ والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة للتوسط في ملف سد النهضة، بعد تعثر المحادثات الدبلوماسيّة حول هذا المشروع مراراً وعلى مدى سنوات، وفشل المفاوضات الثلاثيّة بين الخرطوم والقاهرة وأديس أبابا حول إمكانية التوصل إلى اتفاق عادل وملزم ودائم بشأن ملء سد النهضة وتشغيله والاطمئنان لمستوى الأمان فيه، وسط خلافات عميقة حول كمية المياه المتدفقة من السد سنوياً، ولاسيما خلال فترات الجفاف، إضافة إلى آلية ملء خزانه وتنسيق إثيوبيا مع مصر والسودان.
وفي هذا الخصوص، بحث السيسي مع البرهان تطورات الأوضاع بملف سد النهضة الإثيوبيّ، وفق بيان الرئاسة المصريّة التي ذكرت أنّ الجانبين أكّدا على ضرورة التنسيق بأعلى درجاته بين مصر والسودان بجانب التشديد على رفض أيّ إجراءات أحاديّة تهدف لفرض الأمر الواقع والاستئثار بموارد النيل الأزرق، مضيفة أنّه من المتوقع أن يناقش الرئيس المصريّ خلال زيارته للخرطوم أمن البحر الأحمر، والتطورات على الحدود السودانيّة – الإثيوبيّة.
وكانت وزارة الخارجية الإثيوبيّة في وقت سابق، اتّهمت السودان في 19 شباط المنصرم بالسعي إلى إشعال حرب بين البلدين بسبب الخلافات الحدوديّة، بحسب تعبيرها، واستدعت وزارة الخارجية السودانيّة سفير الخرطوم لدى أديس أبابا للتشاور بشأن تطورات الأزمة الحدوديّة المتصاعدة بينهما، حيث ودفع صراع إقليم “تيغراي” عشرات الآلاف من اللاجئين الإثيوبيين إلى عبور الأراضي السودانيّة، إذ يشترك البلدان في حدود يبلغ طولها حوالي 1600 كيلومتر.
ومن الجدير بالذكر أنّ إثيوبيا أعلنت سابقاً أنّها ستبدأ المرحلة الثانيّة من ملء سد النهضة في تموز القادم، بعد أن بدأت في ملء الخزان الواقع خلف السد بعد هطول أمطار الصيف العام المنصرم، على الرغم من مطالب القاهرة والخرطوم بضرورة التوصل أولاً إلى اتفاق ملزم بشأن ملء الخزان وتشغيل السد.
وفي وقت سابق، أكّد وزير الخارجية المصريّ، سامح شكري، ضرورة إطلاق عملية تفاوضية جادة وفعالة، بشأن سد النهضة، قبل الجولة الثانية من ملء السد والمتوقعة الصي المقبل، وذلك في اتصال هاتفيّ مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قبل أيام.
تهديد قوميّ
عقب قرار الحكومة الإثيوبيّة المفاجئ بملء خزان السد على النيل الأزرق قبل أشهر، اعتبرت الحكومة السودانيّة أنّ القرار الإثيوبيّ الفردي يعد تهديداً لأمنها القوميّ، وحينها دعا وزير الري والموارد المائيّة السودانيّ، ياسر عباس، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقيّ إلى التوسط في النزاع بين الدول الثلاث بشأن هذه القضية.
واستمراراً للنزاع المستمر بين العواصم الثلاث حول سد النهضة الواقع على النيل الأزرق، حذر السودان من أن مضي أثيوبيا قدماً في ملء خزان السد في تموز المقبل، سيهدد حياة نصف سكان وسط السودان، فضلاً عن المساس بالزارعة وتوليد الكهرباء، عقب وصول المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا عدة مرات إلى طريق مسدود، وكان وزير الري السودانيّ، ياسر عباس، قبل مدة، أكّد أنّه لا يمكن للسودان أن يستمر في هذه الدورة المفرغة من المباحثات الدائريّة إلى ما لا نهاية، فيما اتفقت مصر وإثيوبيا على أنّ اعتراضات السودان على إطار المحادثات كانت سبباً في المأزق الذي شهدته المحادثات حينها.
يشار إلى أنّ أديس أبابا بدأت مرحلة ملء خزان السد العام الماضي، على الرغم من مطالبة القاهرة والخرطوم بأن يتم الاتفاق بين الأطراف الثلاثة أولاً، ودخلت العواصم الثلاث في محادثات فاشلة بدأت العمل فيه عام 2011، في الوقت الذي ترى فيه إثيوبيا أنّ السد يشكل عاملاً رئيسيّاً في خططها لتصبح أكبر مصدّر للطاقة في إفريقيا، بحيث يوفر الكهرباء لـ65 مليون إثيوبيّ محرومين منها، في حين تخشى مصر التي تحصل على أكثر من 90 % من مياهها العذبة الشحيحة من نهر النيل، أن يؤدي السد إلى تدمير اقتصادها، ويشعر السودان بالقلق لما يمثله سد النهضة من تهديد مباشر لخزان مدينة “الروصيرص” الواقع في ولاية النيل الأزرق بالسودان على الضفة الشرقيّة لنهر النيل، إذا تم الملء والتشغيل دون اتفاق وتبادل يومي للبيانات.
وقبل مدة، أشارت أديس أبابا في بيان لوزارة خارجيتها، إلى أنّه على الرغم من إصرار الخرطوم في السابق على عقد اجتماعات مع خبراء الاتحاد الإفريقيّ، فقد اعترض على اختصاصاتهم ورفض إشراكهم في الاجتماع، ما أدى إلى وقف المحادثات فعلياً، وقد استمر الخلاف الذي طال أمده بين الدول الثلاث حتى بعد بدء ملء الخزان خلف السد، الذي تبلغ تكلفة إنشائه 4 مليارات دولار، في تموز المنصرم.
وتقول مصر إنّ السودان تمسك بضرورة تكليف الخبراء المُعينين من قبل مفوضية الاتحاد الإفريقيّ بطرح حلول للقضايا الخلافية، وهو الطرح الذي تحفظت عليه كل من مصر وإثيوبيا، بينما ذكر السودان أنّه اعترض على خطاب من إثيوبيا إلى الاتحاد الإفريقيّ، يوم 8 كانون الثاني الماضي، والذي أكّد عزم أديس أبابا على الاستمرار في الملء للعام الثاني في يوليو القادم بمقدار 13.5 مليار متر مكعب بغض النظر عن التوصل لاتفاق أو عدمه، وفقاً لوكالة الأنباء السودانيّة الرسميّة.
احتجاج كبير
أثارت التصريحات الإثيوبيّة حفيظة السودان بشكل كبير، وفي وقت سابق بيّن وزير الري السودانيّ، ياسر عباس، أنّ الخرطوم تقدمت باحتجاج شديد اللهجة لإثيوبيا والاتحاد الإفريقيّ، بعد إعلان أثيوبيا عزمها بدء الملء الثاني لخزان سد النهضة بغض النظر عن التوصل الى اتفاق أم لا، وأكّد الوزير السودانيّ أنّ أديس أبابا باعترافها غير ملزمة بتبادل المعلومات والبيانات والخطوات المتعلقة بملء الخزان وتشغيل السد.
وفي ظل الرفض السودانيّ لهذا الأمر، لفت وزير الري السودانيّ إلى أنّ بلاده لن تتفاوض إلى ما لا نهاية وخاصة أنّ حياة ملايين الأشخاص والمنشآت معرضة للخطر إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، حيث يحرص السودان على الاستخدام العادل والمنصف لسد النهضة الإثيوبيّ، ويؤكّد دائماً أنّه ليس وسيطاً بل شريكاً أساسيّاً في مفاوضات سد النهضة، وأشار إلى أنّه لا حل إلا في التشاور واستمرار المفاوضات، مع ظل ما تسميه الخرطوم “الحرص الواضح” من الدول الثلاثة للوصول إلى اتفاق بشأن النقاط العالقة في تلك المفاوضات، التي تشكل الناحية القانونيّة حوالي70 أو 80 % منها في حال سيكون الاتفاق ملزماً، وفق النظرة السودانيّة.
وكان السودان قد عاد لمفاوضات سد النهضة على أمل أن يكون هناك دور أكبر لخبراء الاتحاد الإفريقيّ عملاَ بشعار الحلول الإفريقيّة لمشاكل القارة وأن يساعد الاتحاد بشكل أكبر في إيجاد شروط لعمل الخبراء ومهامهم فيما يلي سد النهضة، فيما قدم السودان اشتراطات لدولة جنوب إفريقيا باعتبار أنّها كانت رئيس الاتحاد الإفريقيّ الذي استلمته الآن دولة الكونغو الديمقراطيّة، للعودة لمفاوضات ذات جدوى، وأوضح السودان أنّه سيقوم بعمل دؤوب لإيضاح رؤيته آملاَ بأن تحقق الخرطوم ما تصبو إليه وإلا سيكون لها خيارات فيما يلي هذا الملف.
وما ينبغي ذكره، أنّ المساعي الأمريكيّة بين الدول الثلاث قد فشلت العام الفائت بعد أن اتهمت إثيوبيا واشنطن بمحاباة القاهرة، بعد أن أوضح الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، أنّ الوضع بعد سد النهضة خطير للغاية لأنّ مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة، وسينتهي الأمر بالمصريين في تفجير السد، وبعد هذا التصريح مباشرة اتهمت أديس أبابا ترامب بالتحريض على الحرب بين البلدين.
وفي أيلول الماضي، أعلنت الإدارة الأمريكيّة تعليق جزء من مساعدتها المالية لأديس أبابا، مشيرة إلى عدم إحراز تقدم في المحادثات التي توسطت فيها، وأنّ قرار إثيوبيا ببدء ملء خزان السد أحادي الجانب، في ظل الخشيّة السودانيّة والمصريّة من أن يجفف السد الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق أصبح منذ 2011 مواردهما المائيّة، ليبقى موقف الإدارة الأمريكيّة الجديدة تجاه هذا الموضوع غامضاً نسبيّاً.
كذلك، تحدث الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، سابقاً أنّ بلاده تقاتل في التفاوض من أجل حماية حقوق المصريين، واعتبر أنّ التحلي بالصبر سيأتي بالنتائج المرجوة بحسب تعبيره، معبراً عن ثقته بقدرة الاتحاد الإفريقي، برئاسة الكونغولي تشيسيكيدي، في المساهمة بدفع المساعي الرامية للتوصل إلى اتفاق قانونيّ ملزم في هذا الإطار، قبل تنفيذ المرحلة الثانية من عملية ملء السد، وبما يراعي مصالح الدول الثلاث، مشدداً على ضرورة حل المسألة عبر المفاوضات الجادة بما يعزز الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة، في ظل العلاقات الجيدة بين مصر والكونغو والتي تتصف بالتعاون الواسع، وقد أجرى الرئيس الكونغولي قبل أشهر، زيارة للقاهرة في مستهلّ رئاسته للاتحاد الإفريقيّ، تعهد خلالها بالعمل على الاستئناف الفوريّ لمفاوضات سد النهضة معبراً عن ثقته بأنّ الحوار السلميّ سيُفضي إلى نتيجة تُرضي العواصم الثلاث.
تدخل دوليّ
اعتبرت العديد من التحليلات أنّ الضغوط المصريّة المتصاعدة تراهن على إيجاد وجود وساطة دوليّة لحل الأزمة، من خلال خلق تحالف مصريّ – سودانيّ لدفع الأطراف الدوليّة والإقليميّة للتدخل في قضية سد النهضة حتى لا تصل الأمور إلى صراع وحرب بين الأطراف، فالقوى الدوليّة كما يقول خبراء، ليس من مصلحتها أن تشهد منطقة الشرق الأفريقيّ حرباً متعددة الأطراف، لأنّ تداعياتها ستكون كبيرة في مسائل الهجرة والهشاشة الأمنيّة وانهيار السلطة والأنظمة في المنطقة، وبالتالي ربما تقوم الضغوط الدولية بالتدخل وإيجاد اتفاق ترضى عنه الأطراف الثلاثة.
وبخصوص فكرة تشكيل رباعيّ دوليّ، لحلحلة أزمة ملف سد النهضة، يشير البعض إلى أنّ حدوث ذلك ممكن جداً في حال شعرت الدول الكبرى بخطورة المشهد أو في حال اقتراب حدوث حرب، وبعدها ربما تؤثر الضغوط الدوليّة على الدول الثلاث للوصول إلى حل يرضي الجميع، لأنّ خلاف ذلك سيكون خيار التصعيد وبالأخص على الحدود السودانيّة الإثيوبيّة.
وباعتبار أنّ القاهرة حريصة على تحسين علاقتها مع السودان ودعمه في أيّ صراع محتمل بذريعة المشاكل الحدوديّة، ويُعتقد أن مصر تملك سلسلة خيارات أخرى كدعم متمردي “التيغراي” في مواجهة حكومة أديس أبابا، ودعم الطوائف العرقيّة التي لها خلافات مع الحكومة الإثيوبيّة وأمهرة (مجموعة عرقية تعيش في وسط مرتفعات إثيوبيا) التي تسيطر حالياً، بالإضافة إلى خيار دعم الخرطوم عسكرياً في حال حدوث صدام مع الجارة الإثيوبيّة في الفترة المقبلة.
تحسن مفاجئ
تعزو الكثير من التقارير الإعلاميّة، التحسن المفاجئ بين مصر والسودان مؤخراً إلى وجود “تهديد مشترك” في ظل التعنت الإثيوبيّ في أزمة سد النهضة، ناهيك عن تغير الإدارة السودانيّة وتولي الجيش الحكم، وهذه النقطة تجمع البلدين بقوة حيث إنّ السيسي والبرهان يمثلان القوات المسلحة في بلديهما، وهما أقرب لبعضهما في كثير من النواحي وبالأخص التحديات المشتركة التي يواجهانها.
ومن المتوقع في الفترة المقبلة، أن تشهد العلاقات مزيداً من التصعيد الإعلاميّ والتلويح بتحشيدات عسكرية على الحدود بين السودان وأثيوبيا، بالإضافة إلى مطالبة أطراف خارجية بالتدخل لحل الأزمة المتصاعدة، ليبقى خيار شن “حرب شاملة” أو قيام القاهرة بعملية عسكريّة مباشرة ضد أديس أبابا هو أمر مستبعد قليلاً خاصة وأنّ الأخيرة قطعت شوطاً كبيراً في بناء السد.