تحقيقات - ملفات

آخر المُطبعين يدعو إلى نظام عربي ملكيّ.. ما علاقة الشعوب العربيّة والصحراء الغربيّة؟

الوقت- لم يمضِ بضعة أشهر على الخيانة التي ارتكبتها المغرب بحق فلسطين وشعبها من خلال التطبيع مع الكيان الصهيونيّ الغاصب للأراضي العربيّة، ليطل علينا المغرب ويدعو إلى بناء ما أسماه “نظاماً عربيّاً جديداً” تصبح معه الأجندة العربيّة ملكاً للعرب، وسط رؤية واضحة تنطلق نواتها من تقوية الشراكة بين المملكتين الأردنية والمغربية إضافة إلى ممالك الخليج، في كل المجالات ويحذر من التدخلات الخارجيّة التي تهدد أمن واستقرار المنطقة العربيّة، فيما لقيت تلك التصريحات سخرية كبيرة وخاصة أنّها صدرت عن البلد الذي لم يترك خنجراً إلا وطعنه في صدر العرب بدءاً من فلسطين التي ترزح تحت حكم الصهاينة، وليس انتهاء عند الإقليم الصحراويّ الذي تحاول الرباط السيطرة عليه من خلال لغة الأمر الواقع بدعم من أكثر الدول والكيانات إجراماً بحق العرب.

نظام عربيّ جديد

لمواجهة التحديات التي تستهدف استقرار الوطن العربيّ، تسعى الرباط إلى بناء نظام عربيّ جديد، في ظل وجود نقاط التقاء عديدة بين المغرب والأردن من جهة، ودول مجلس التعاون الخليجيّ من جهة ثانية، ربما تُشكل نواة لبناء نظام عربّي لخدمة مصالح شعوب تلك الدول، وفق المزاعم المغربيّة.

ورغم أنّ العرب جميعاً يعلمون أنّ المغرب والأردن اللتين باعتا فلسطين بثمن بَخس آخر من يحق له الحديث عن العرب ووحدتهم، أشار وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أنّ العالم العربيّ اليوم، يعيش تدخلات خارجية وتحديات مباشرة تهدد أمنه واستقراره، إضافة إلى تحدياته الداخلية، مُشدّداً على أنّ الوضع في المنطقة يستدعي بناء ذلك النظام الجديد، على ما أسماها “قيماً ومصالحاً ورؤية مشتركة”.

والمضحك المبكي، أنّ المُقترح المغربيّ يستند على أن تكون نواته الدول الخليجيّة المُطبعة بشكل علنيّ وسريّ مع الكيان الصهيونيّ المجرم، إضافة إلى المغرب والأردن المطبعتين أيضاً، لخدمة مصالح المنطقة ومصالح الشعوب العربية، ولو أنّ أحداً من أولئك الرؤساء قرر أن يسمع وجهة نظر الشعوب العربيّة، لسمع الشتائم واتهامات الخيانة التي تصدر عنهم في مختلف الدول، بسبب ما ذاقته الشعوب العربيّة من مرارة عيش بسبب السياسات الإجراميّة لأغلب الدول التي ذكرتها الرباط، ويكفي أن نرى المرحلة التي وصل إليها الليبيون والسوريون واللبنانيون والعراقيون واليمنيون وغيرهم، لنعرف مدى حرص تلك العواصم التي تعيش في رغد كبير على “مصالح العرب” والمنطقة التي دمرتها التنظيمات الإرهابيّة المدعومة من تلك الدول.

ولم يكن غريباً أن تكون نواة النظام العربي الجديد الذي تتحدث عنه الدولتان المطبعتين مع تل أبيب (المغرب والأردن)، هي الشراكة مع الدول الخليجية النفطيّة والتي لا يوجد حرب دمويّة في العالم العربيّ إلا بدعمها وتخطيطها وتدريب إرهابييها، أما عن موضوع الأجندة العربية التي يجب أن يتملكها العرب من خلال خلق نظام عربي جديد يقوم على “القيم والمصالح والرؤية المشتركة”، فقد رأينا ماذا فعلت تلك الدول بالشعب السوريّ وبلاده “قلب العروبة النابض” لأنّها استماتت في الدفاع عن العرب ومصالحهم وبالأخص القضية الفلسطينيّة، وقد شاهدنا بأُم أعيننا كيف أسهمت قيم عواصم النفط والتطبيع في تدمير اليمن وقتل شعبه وتجويعه.

بيت القصيد

إنّ بيت القصيد مما ذكره المسؤول الحكوميّ المغربيّ، هو أنّ افتتاح الأردن لقنصلية عامة لها في الصحراء الغربيّة المتنازع عليها، والتي اعترفت واشنطن بسيادة الرباط على الأراضي التي تحتلها فيها مقابل التطبيع المغربيّ مع العدو الصهيونيّ، يكرس التضامن الراسخ والتاريخيّ بين البلدين في كل الخطوات التي يقوم بها دفاعاً عن مصالحه وقضاياه المصيريّة.

وعقب الفرحة المغربيّة بافتتاح سفارة جديدة في الأراضي التي تحتلها في الإقليم الصحراويّ، ثمن بوريطة عالياً المواقف الأردنية التي وصفها بـ “الثابتة”، مستشهداً بمشاركة وفد أردنيّ رفيع يمثل مختلف الأطياف السياسة والاجتماعية، في المسيرة الخضراء سنة 1975 للتضامن مع المغرب، وهي المشاركة التي تشكل تعبيراً عن تضامن الشعب الأردنيّ، وفق تعبيره.

وهنا لابد من الإشارة أنّ السواد الأعظم من المسؤولين العرب اعتادوا على التحدث باستغباء مع شعوبهم، ربما لأنّهم يدركون أنّ لا أحد يصغي لحديثم أبداً، أو لأنّهم على قناعة بأنّ الشعوب العربيّة تعلم جيداً أنّ تصريحاتهم عبارة عن “جعجعة بلا طحين”، وحتى اللحظة لم ينس العرب ما جاء على لسان وزير الخارجية المغربيّ، ناصر بوريطة، قبل أشهر، عندما زعم بأنّ قرار استئناف العلاقات مع العدو لن يكون على حساب القضيّة الفلسطينيّة وإنما في مصلحة حل الدولتين.

واستمراراً في نهج الكذب والخداع، اعتبر بوريطة الذي عبر سابقاً عن رغبته بزيارة تل أبيب، وأشار إلى أن المغرب بخطوة التطبيع، اتخذت قراراً سيادياً مرتبطاً بسياقه الخاص وطبيعة العلاقة المغربيّة مع اليهود بصفة عامة والكيان الصهيونيّ بصفة خاصة، أنّ العالم العربي يواجه اليوم تحديات التدخلات الخارجية، مطالبا بأن تصبح الأجندة العربية ملكا للعرب، وسط رؤية واضحة ومشتركة بين الجميع، مدعياً أنّ فكرة إنشاء “نظام عربي جديد”، استلهمتها الرباط من العلاقة المتميزة التي تجمعها مع عمّان مع كل الدول الخليجية، والمبنية على ما أسماه “التضامن المطلق ودعم الاستقرار”، والتضامن ضد كل ما يمس وحدتها ويمس طمأنينة سكانها، وفق مواقع إخباريّة.

وما ينبغي ذكره، أنّ وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، ونظيره الأردني، أيمن الصفدي، افتتحا الخميس المنصرم، مقر القنصلية العامة للأردن في مدينة العيون كبرى مدن الإقليم الصحراويّ الذي تسيطر المغرب على أغلب أراضيه، وذلك بعد أشهر على اتصال هاتفيّ، بين الملك عبد الله الثاني والملك محمد السادس، أبلغه خلاله برغبة بلاده في تدشين قنصلية عامة لها في الصحراء الغربيّة.

وكانت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، في بيان سابق لها، أكّدت وقوفها الكامل مع الرباط في كل ما تتخذه من خطوات لحماية “مصالحها الوطنية ووحدة أراضيها وأمنها”، وتأييدها للخطوات التي أمر بها الملك المغربيّ لإعادة الأمن بمنفذ “الكركرات” في منطقة الصحراء الغربية على بعد 11 كم من الحدود مع موريتانيا وعلى بعد 5 كم من المحيط الأطلسيّ، ويخضع لسيطرة المغرب.

في المقابل، جاءت التصريحات المغربيّة عقب إطلاق رئيس البرلمان التونسيّ، راشد الغنوشي، دعوة لبناء “مغرب عربيّ جديد” نواته تونس وليبيا والجزائر، مستبعداً المغرب، الشيء الذي أغضب الرباط على ما يبدو ودفعها لإطلاق تلك التصريحات عبر وزير خارجيتها، وحينها أوضح القيادي في الامانة العامة لحزب العدالة والتنمية المغربيّ، عبد العزيز أفتاتي، أنّ دعوة الغنوشي لاتحاد “مغرب عربي مصغر” جاءت تحت ضغط العديد من المشاكل التي تعانيها بعض الأقطار المغاربيّة والتي تعيش ظروفاً صعبة في إشارة إلى الجزائر.

الصحراء الغربيّة

تصنف منطقة “الصحراء الغربية” على أنّها منطقة مُتنازع عليها، تقع في شمال إفريقيا، ويُسيطر المغرب على الجزء الأكبر منها، فيما تَعتبرها دول أخرى منطقة مُستعمَرة تسعى الأمم المتحدة لإيجادِ حلٍ لها، يحدها المغرب من الشمال والجزائر من الشرق، وموريتانيا من الجنوب، والمحيط الأطلسي من الغرب، وتبلغ مساحتها حوالي 266,000 كيلومتر مربع، وتعد واحدة من المناطق ذات الكثافة سكانية القليلة.

وقد ظلت الصحراء الغربية تحت الاحتلال الإسبانيّ حتى أواخر القرن العشرين، وهي اليوم ضمن قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المحكومة ذاتياً، وفي عام 1975، تخلت إسبانيا عن “الرقابة الإدارية” للمنطقة ومنحت الرقابة لإدارة مشتركة من قبل المغرب وموريتانيا، لكن المغرب ادعى فيما بعد أن الإقليم تابع له بشكل رسميّ.

فيما اندلعت حرب بين البلدان حول ملكية المنطقة، فتأسست حركة قومية صحراوية عُرفت بجبهة “البوليساريو” والتي أعلنت في وقت لاحق عن تأسيسها “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطيّة” وشكلت حكومتها في “تندوف” بالجزائر.

وكانت موريتانيا قد انسحبت من الصحراء الغربية عام 1979، ليُسيطر المغرب فعلياً على معظم مساحتها، إلا أن الأمم المتحدة تعتبر جبهة “البوليساريو “الممثل الشرعيّ الوحيد للشعب الصحراويّ، وتطالب الأمم المتحدة السلطات المغربية بضرورة ترك حق تقرير المصير للصحراويين أنفسهم.

يذكر أنّ الاتحاد الأوروبيّ عام 2016، أعلن أن “الصحراء الغربيّة” ليست من الأراضي المغربيّة وفي آذار 2016 طرد المغرب حوالي 70 عاملاً في منظمة الأمم المتحدة بعد أن صرح “بان كي مون” أن ضم المغرب للصحراء الغربية يعد احتلالاً لدولة ذات سيادة.

وبذلك تنضم الأردن إلى 16 دولة لديها قنصليات بالإقليم الصحراويّ أبرزها الولايات المتحدة والإمارات والبحرين، في ظل إجماع أمميّ في الأمم المتحدة على عدم الاعتراف الرسميّ بسيادة المغرب على كل أجزاء الصحراء الغربية منذ العام 2017، وقد تعرض المغرب لانتقادات لاذعة من منظمات حقوق الإنسان الدولية بسبب أعمال العنف هناك.

وبالنسبة للجزائر، فإن ملف الصحراء الغربية أممي بامتياز، حيث تنطلق سياسة الجزائر من مبادئها الراسخة في مساندة الشعوب المناهضة للاستعمار، ويؤكد مسؤولوها على ضرورة أن تتحمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن مسؤولياتهما الكاملة بما يخص هذا الموضوع، وخاصة أن المغرب يتناسى عدم اعتراف هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي بسيادة الرباط على الصحراء الغربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى