أكبر من تشكيل حكومة… إنّها لعبة المؤتمر التأسيسيّ
خيرالله خيرالله – أساس ميديا
زاد ميشال عون عناداً مع مرور السنوات. زاد فكره السياسي ذو الطابع التبسيطيّ غير الملمّ بالتوازنات الإقليميّة والدوليّة اقتراباً من السطحيّة. هذا الفكر الريفيّ جعله في 1988 و1989 و1990، يراهن على صدّام حسين.
العناد بالنسبة إليه سياسة أو فنّ السياسة. زادت أيضاً أنانيّته وابتعاده عن كلّ ما يمكن أن يصبّ في مصلحة لبنان وأبنائه. الفارق الوحيد بين 1990 و2021 أنّ ميشال عون كان ينتظر، قبل 31 عاماً، مَن يأتي ليسرّ له في أذنه أنّه سيكون رئيساً للجمهوريّة. في 2021، يبدو مطلوباً وجود مَن يأتي إليه بضمانات فحواها أنّ صهره جبران باسيل، الذي عليه عقوبات أميركيّة، سيخلفه في قصر بعبدا. عليه ردّ الجميل إلى جبران الذي أقنعه بالرهان على “حزب الله” من أجل الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وذلك بدءاً بتوقيع وثيقة مار مخايل مع حسن نصرالله في شباط 2006.
كان إيصال ميشال عون إلى قصر بعبدا “الوعد الصادق” الوحيد الذي التزمه “حزب الله”، واستطاع تحقيقه. نجح الحزب بالفعل في تحقيق عدد لا يُحصى من المكاسب والانتصارات على لبنان واللبنانيين… بفضل ميشال عون. وفّر رئيس الجمهوريّة كلّ الأغطية المطلوب توفيرها منذ اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وصولاً إلى الحملة المنظّمة والممنهجة الهادفة إلى تغيير طبيعة لبنان وإفقاره وتهجير أهله، خصوصاً المسيحيين، بغية تسهيل وضع إيران يدها عليه. بفضل ميشال عون و”عهده القويّ”، غيَّر “حزب الله” طبيعة لبنان كلّه على غرار تغييره طبيعة الطائفة الشيعية فيه، وهو مشروع عمل عليه طوال ما يزيد على 35 عاما.
يشكّل نجيب ميقاتي حكومة أو لا يشكّل مثل هذه الحكومة ليست تلك المسألة. المسألة هل تريد إيران حكومةً في لبنان؟ ليس ما يدعو إلى إغلاق الأبواب نهائياً في وجه تشكيل حكومة، خصوصاً أنّ لدى إيران حسابات خاصّة بها، وتعتبر لبنان كلّه مجرّد ورقة في إطار هذه الحسابات. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ على اللبنانيين التلهّي بتشكيل حكومة وتجاهل ما حلّ ببلدهم. يُفترض بهم الابتعاد عن أيّ إدراك لحجم الكارثة التي حلّت بلبنان بفضل الحلف القائم منذ سنوات عدّة بين السلاح والفساد. كان انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة جزءاً لا يتجزّأ من هذه الكارثة التي تصبّ في مكان واحد. هذا المكان هو إقامة نظام جديد في لبنان يأخذ في الاعتبار أنّ لبنان الذي عرفناه لم تعُد له علاقة بلبنان الحالي. فوق ذلك، لم يعُد لبنان موضع اهتمام إقليمي أو دولي، إلّا من زاويتين وحيدتين هما أمن إسرائيل والنفط والغاز قبالة شاطئه.
لا يوجد حالياً مَن يريد لملمة ما بقي من لبنان، علماً أنّ حكومة شبه معقولة ذات مواصفات معيّنة قد تستطيع، في أفضل الأحوال، توفير حدّ أدنى من الشروط التي توقف الانهيار المستمرّ. ستكون مثل هذه الحكومة مجرّد مسكِّن ينتهي مفعوله في غضون أسابيع قليلة في غياب معالجة لجذور المشكلة، أي سلاح “حزب الله” الذي يحمي الفساد من جهة، والهيمنة الإيرانيّة من جهة أخرى.
على اللبنانيين التلهّي بتشكيل حكومة يرفض ميشال عون وجبران باسيل أن ترى النور، وذلك كي يتفاديا طرح السؤال الأساسي المتعلّق بتغيير طبيعة لبنان وتركيبته ومستقبل أبنائه. يعود التلهّي المطلوب إلى سبب وجيه. يتمثّل هذا السبب في أنّ أيّ حكومة جديدة ستعني إجراء انتخابات نيابيّة في السنة المقبلة. سيعجز “العونيون” عن تحقيق أيّ نتائج جيّدة في مثل هذه الانتخابات، حتى لو أجريت في ظلّ القانون المسخ الذي أُجريت على أساسه انتخابات 2018، وهو قانون “حزب الله”.
من هذا المنطلق، يفضّل الثنائي عون – باسيل تفادي تشكيل حكومة، أي تفادي الانتخابات. يفضّلان استمرار الفراغ ومتابعة التهشيم لموقع رئيس مجلس الوزراء في ضوء الكره والحقد اللذين يكنّانهما لأهل السُنّة. عمليّاً يريدان أخذ البلد إلى مؤتمر تأسيسي. هنا، يلتقي السلاح والفساد مجدّداً.
في هذه الظروف، يعيش لبنان من دون حكومة بما يخدم حلف السلاح والفساد.
يريد حزب السلاح أخذ البلد إلى مؤتمر تأسيسي. هذا أمر تحدّث عنه حسن نصرالله منذ سنوات طويلة. ثمّة فرصة لا بدّ من استغلالها في ضوء الانهيار الحاصل، وفي ضوء كلّ التغييرات التي حدثت في لبنان على غير صعيد. النظام المصرفي انهار. مرفأ بيروت صار من الماضي. أحياء مسيحية دُمّرت بكاملها، ومعظم سكّانها من الطبقة الفقيرة. بيروت نفسها صارت مثل ضاحية فقيرة من ضواحي طهران. لا تعليم ولا مستشفيات ولا دواء ولا كهرباء ولا فنادق ولا ملاهي ولا خدمات من أيّ نوع… ولا إعلام إلّا بحدود ما تقدّمه بعض الفضائيات والمواقع التي لا تزال تمتلك ما يكفي من الشجاعة لقول كلمة حقّ في وجه كلّ هذا الظلم والظلام والظلاميّة…
لا يوجد ما يناسب “حزب الله” أكثر من الثنائي الرئاسي الذي يسعى بدوره إلى الفراغ. إنّها أكبر من لعبة تعطيل تشكيل حكومة. إنّها لعبة “إلى المؤتمر التأسيسي درْ”… إلّا إذا وجدت إيران أنّ لديها ما يدعو إلى السماح بتشكيل حكومة تعمل فرنسا بكلّ ما لديها من إمكانات متواضعة لجعلها تبصر النور.