عودة داعش أو إعادة داعش… هل تصبح أفغانستان أكثر انعدامًا للأمن؟
الوقت- بالتزامن مع محادثات السلام الأفغانية الجارية بين الحكومة وطالبان، بدأت تطورات أخرى تتبلور في هذا البلد الذي مزقته الحرب.
وفي هذا الصدد، صرح رئيس هيئة الأركان المشتركة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي الروسية “أناتولي سيدوروف” في بيان له مؤخراً، بأن فرع تنظيم “داعش” الإرهابي يعزز موقعه في أفغانستان، وهذا يشكل تهديداً کبيراً لأمن آسيا الوسطى.
وقال هذا الجنرال الروسي: “إن تعزيز موقع فرع “ولاية خراسان” التابع لداعش في أفغانستان، والذي يقدر عدده بنحو 4000 شخص، يهدد أمن المنطقة”. وذكر أن أعضاء هذه المجموعة الإرهابية يعملون في المقاطعات الشرقية والشمالية لأفغانستان، للسيطرة على المناطق الحدودية مع طاجيكستان وباكستان من أجل إقامة قواعد هناك، والتمكن من تهديد دول آسيا الوسطى في المستقبل.
في أي مناطق أفغانستان يتركز داعش؟
كما ذكرنا، إن التركيز الأساسي لتنظيم داعش هو المناطق الشمالية والشرقية من أفغانستان. ووفقاً للتقارير، أصبحت المدن الحدودية في مقاطعة بدخشان في شمال شرق أفغانستان، المتاخمة لطاجيكستان، مكاناً جديداً لتجمع الإرهابيين الأجانب، بما في ذلك من طاجيكستان وأوزبكستان والشيشان وتركستان الشرقية، الأمر الذي أثار مخاوف روسيا أيضاً.
كما كتبت وكالة “نشانه” في كابول في تقرير حديث، أن بدخشان أصبحت قاعدةً ونقطة عبور للإرهابيين الأجانب إلی آسيا الوسطى.
وذكر التقرير أن حوالي 600 مقاتل أجنبي من الصين وطاجيكستان وأوزبكستان والشيشان والقوقاز يقاتلون إلى جانب مقاتلي طالبان ضد قوات الأمن الأفغانية في هذا الإقليم، وهم يحاولون توسيع جغرافية حربهم إلى دول آسيا الوسطى وحتى روسيا والصين.
ووفق هذا التقرير، فإن هؤلاء المقاتلين يقومون أيضًا بالتنقيب في منجم الذهب بمنطقة راغستان في مدينتي “جرم” و”وردوج”، وعدد آخر في مدن “نسي” و”مايمي” و”راغستان”، إضافة إلى قتال القوات الأفغانية.
ويضيف التقرير إن أربع مجموعات إرهابية، من بينها جماعة أنصار الله، والحركة الإسلامية لتركستان الشرقية، والحركة الإسلامية لأوزبكستان، وإمارة القوقاز الإسلامية، المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، تعمل إلى جانب مقاتلي طالبان في بدخشان.
ووفق هذا التقرير، فإن جماعة أنصار الله مدرجة على قائمة الجماعات الإرهابية في طاجيكستان، ويزعم المسؤولون الطاجيكيون أن للجماعة علاقات وثيقة مع القاعدة وداعش.
وذكرت “نشانه” أن الغرض من نقل الإرهابيين الأجانب في بدخشان يتجاوز نطاق أفغانستان، وهذه الجماعات ومن أجل تحقيق أهدافها، مثل استعادة الأراضي المحتلة والاستعمارية، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وتوسيع الخلافة الإسلامية، عازمة على فتح ممرات لأجزاء أخرى من العالم من شمال أفغانستان وخاصةً بدخشان إلى آسيا الوسطى والصين وروسيا.
تم تسجيل وانتشار شريط صوتي من قبل جماعة أنصار الله الطاجيكية في بدخشان بأفغانستان، يقال إنه يحتوي على رسائل دعائية لأعضاء الجماعة في بدخشان للتعريف بجماعة أنصار الله، ما يشير إلى أهداف توسيع جغرافية أنصار الله الحربية إلى دول آسيا الوسطى.
يذكر هذا الشريط الصوتي، الذي نشره أعضاء جماعة أنصار الله في 10 آب 2020، أن جماعة أنصار الله مكونة من شباب طاجيكيين مسلمين، الذين يقاتلون لإنقاذ طاجيكستان من الاحتلال الروسي وتطبيق الشريعة الإسلامية وإحياء الخلافة الإسلامية في جميع أنحاء العالم.
من ناحية أخرى، تشير الأدلة إلى أن تنظيم داعش التكفيري في أفغانستان يحاول توحيد كل هذه الجماعات تحت علمه، وتجنيد مجندين من بين هذه الجماعات بسهولة.
کما أفاد تقرير آخر لوكالة أسوشيتد برس، بأن أعضاء تنظيم داعش الإرهابي قد تجمعوا في الجبال الوعرة في شمال شرق أفغانستان، ويقومون بتوسيع نطاق سيطرتهم وتجنيد القوات.
وفي هذا الصدد، قال “أجمل عمر” عضو مجلس مقاطعة ننجرهار، إن تنظيم داعش لم ينته بعد، وأنه مع عمليات تجنيده مؤخرًا، يحاول الدخول إلی مناطق أخرى في أفغانستان.
وأضافت وكالة أسوشيتد برس أن تنظيم داعش الإرهابي يقاتل في عدد من مديريات ننجرهار وكونار؛ في “حرب تركت مئات العائلات بلا مأوى”.
ينشط تنظيم داعش الإرهابي منذ عدة سنوات في إقليم ننجرهار وبعض المحافظات الشمالية والجنوبية من أفغانستان. کما كانت ننجرهار أيضًا أحد مراكز نشاط التنظيم الرئيسة في السنوات الأخيرة، ما دفع قوات الأمن الحكومية إلى القيام بعمليات في ننجرهار.
وعلی الرغم من تراجع عمليات تنظيم داعش في شرق أفغانستان نتيجةً لعمليات قوات الأمن، لكنها لم تختف. تنظيم داعش الإرهابي اختار ولاية ننجرهار كعاصمة لفرعهم في خراسان منذ البداية، وأقام معاقل في هذه المحافظة، ولا يزالون يعملون في ننجرهار.
لماذا عاد داعش إلى أفغانستان؟
تعود بداية هجمات تنظيم داعش في أفغانستان إلى عام 2014، بعد احتجاز 31 راكباً من الهزارة على طريق زابل كرهائن.
يتزامن احتجاز الرهائن هذا مع بدء عمليات داعش الأولى في أفغانستان، ولكن على مدى السنوات القليلة الماضية على الأقل، تمكنت القوات الحكومية من القمع والسيطرة على مناطق مهمة تعرف باسم معاقل داعش.
في الواقع، القتال ضد داعش في أفغانستان أقل صعوبةً مما هو عليه في البلدان الأخرى، لأنه من ناحية فإن مجموعات داعش في أفغانستان مبعثرة ومختلفة للغاية، وعلى عكس العراق أو سوريا لا نواجه مجموعةً متماسكةً ومحددةً تسمى داعش، بل يضم داعش في أفغانستان مجموعات عرقية مختلفة لم تتمكن حتى الآن من العمل تحت مظلة واحدة.
في أفغانستان، من ناحية أخرى، وبسبب الهيكل الفسيفسائي العرقي، لم يتمكن داعش من تقديم زعيم واحد يمكن أن تتفق عليه جميع المجموعات، والجماعات المختلفة المنسوبة إلى داعش تعمل بشكل متقطع ومنفصل.
وعليه، وبسبب تشتت بنية داعش في أفغانستان وعدم ترابط هذه المجموعة الإرهابية بسبب التركيبة الفسيفسائية والعرقية لأفغانستان، يمكن مواصلة القتال ضد هذه المجموعة في هذا البلد بصعوبة أقل.
وعلی هذا الأساس، فإن الحكومة المركزية الأفغانية، وخلافاً للمعركة الصعبة التي تخوضها ضد طالبان وتبادل السيطرة علی مناطق مختلفة بين الحكومة وطالبان حتى الآن، إلا أن الجيش الحكومي كان أكثر نجاحًا في محاربة داعش، وقد أدى هذا النجاح في قمع داعش إلى أن يكون لهذا التنظيم الإرهابي نشاط محدود في أفغانستان خلال السنوات القليلة الماضية.
لكن عودة داعش وظهوره المتجدد دقا ناقوس الخطر في أفغانستان، لأنه من ناحية يبدو أن القوات الغربية الموجودة في أفغانستان ليس لديها الإرادة الجادة لمواجهة نمو إرهاب داعش، وقد تزامنت عودة داعش إلى أفغانستان مع الوجود الكبير للقوات الأمريكية والغربية.
من ناحية أخرى، يری بعض الخبراء أن عودة داعش إلى أفغانستان تأتي بناءً على خارطة الطريق الأمريكية الغربية في أفغانستان، ويعتقدون أن عودة داعش إلى أفغانستان ستبرر من ناحية وجود القوات الأجنبية والأمريكية، وستحقق من ناحية أخرى بعض الأهداف الاستراتيجية للغرب في أفغانستان.
بالنسبة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فإن الوجود في أفغانستان سيؤدي إلى السيطرة علی ثلاث دول مهمة، بما في ذلك إيران وروسيا والصين، والغرب ليس مستعدًا بأي حال من الأحوال لمغادرة أفغانستان.
کما أن تعزيز داعش في أفغانستان يمكن أن يؤدي أيضًا إلى توفير التهديدات المدعومة من الغرب لآسيا الوسطى باعتبارها الفناء الخلفي لروسيا، ومن هذا المنظور فإن وجود داعش في أفغانستان هو فرصة استراتيجية لواشنطن أيضًا.
ولذلك، قد يكون من المعقول تقييم عودة داعش وتعزيزه في أفغانستان بما يتماشى مع أهداف ومصالح القوات الغربية والأمريكية، وفي ظل هذه الظروف من المنطقي أن نشهد أيضًا عودة تنظيم داعش الإرهابي إلی أفغانستان على الرغم من وجود القوات الأمريكية فيها. وبحسب أحد الخبراء الإقليميين، فإن داعش لم يعد إلى أفغانستان، بل جرت إعادته إلی هذا البلد.
وفي ظل هذه الظروف، ليس من المستغرب أنه مع زيادة أنشطة داعش في أفغانستان، سيشهد هذا البلد أيامًا أكثر انعدامًا للأمن، وهذا الوضع غير الآمن هو الوضع الملائم الذي تحتاجه قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لمواصلة تواجدها في هذا البلد.