«طَرَبُ العظمة» طربٌ لبناني أصيل!
} السيد سامي خضرا-البناء
«طَرَبُ العظمة» نوع من الطرب من خارج المألوف له تركيبته الخاصة التي يُحبّ بعض اللبنانيين أن يُشَنِّفوا آذانهم به خاصةً عند الأحداث والمُلمَّات.
وهو في الحقيقة «طربٌ» لا نُنكر وجوده عند بعض الشعوب الأخرى ولكنه في الحالة اللبنانية يُعتبرُ طرباً أصيلاً يُصوِّر لمُحبِّيه أنّ العالم لا ينام كلّ يوم ولا يخلد إلى الراحة قبل أن يطمئن على البلد المُدلل لبنان!
من أجل ذلك نسمع دائماً عن الاهتمام الفرنسي والأوروبي والأميركي والمجتمع الدولي والمنظمات العالمية والمندوبين الساميين والمبعوثين الأمميين والبنك الدولي.. كيف تعتني وتهتمّ وتناقش في الشأن اللبناني نتيجة حُبٍ مُتَيَّم يسكن رؤوسهم!
لكن كلّ ذلك لا يُطعم خُبزاً ولا يردع عدواً ولا يُعاقب فاسداً ولا يردُّ بقرةً ولا دجاجةً لطفل بريء!
فها هم بالأمس تكلموا وأرهقوا أسماعنا بعاطفة «ماكرون» الجياشة وبأنه لم يَعد له شغلٌ ولا بال إلا بلبنان.
واليوم يتعاملون ويظنّون على أساس أنَّ «بايدن» لن يشرب قهوته الصباحية ولن يضع رأسه على وسادته مساء اليوم إلا عندما
يطمئن إلى أنّ مصالح بلاد الأرز أخذت مسارها للعُلى!
وكيف لا يفعل وها هي سفيرته في بيروت تحرص على توزيع الكمامات في شوارع بيروت حرصاً على شعب لبنان!
وكأنّ الرجل ليس لديه اتفاقية المناخ، ولا المشكِلة المُتعاظمة مع الصين، ولا المشاكل الصواعد النوازل مع الأوروبيين ولا الملف الكوري ولا حديقته المُقلقة في خاصرته في أميركا الجنوبية…
كلّ هذا فضلاً عن وضعه الداخلي والمستجدات غير المسبوقة.
فعلى الرغم من ذلك ترى بعض اللبنانيين ومنهم تلك المراسلة التلفزيونية التي تُتْحفنا كلّ ليلة وبِلا انقطاع برسالة لها من منزلها في باريس في النشرة المسائية لتخبرنا عن «مصادر» قصر الإيليزيه بحيثُ تُصوِّر لنا أنّ تلك التي تُسمّى «المصادر» لا تُقفل راجعةً إلى المنزل مساء ولا تُشرق عليها الشمس صباحاً من دون أن تطمئن على صحة الجسم اللبناني.
والحقّ أنها أوهامٌ بأوهام ولا يكفي أن يُصدِّقها البعض فقط لأنه تعلَّمها من كتابٍ مَدرسي أو مقال صحافي أو تقرير مُضلِّل، فتسارُع الأحداث لا يسمح لمثل هذه الإعتقادات التي تجاوزها الزمن ولبنان اليوم لم يعد هو الوظيفة التي أُنشئ بسببها ولم يعد كفترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي كملاذٍ ودورٍ يلعبه في المحيط العربي على صعيد التعليم والبنوك والاستشفاء والترانزيت ومراكز اللهو وأن يكون مِرآةً للغرب ومركزاً للإرساليات وبلداً تَسمع فيه مَن يرطن باللغات الأجنبية وأنه حقلٌ مُريح للمخابرات العالمية والدسائس التي تُحاك للمنطقة والعالم العربي ومرتعاً لكلّ طامع أجنبي يُريد أن يلعب دوراً في المنطقة.
ولم يعد لبنان يمضي على إيقاع يريده البريطانيون والفرنسيون وورثتهم الأميركيون، ولم يعد مركز «شملان» ولا «الكلية السورية التبشيرية» وربيبتها «اليسوعية» أيتاماً في المنطقة بل هناك من يلعب هذا الدور وبِبَطرٍ أكبر.
لبنان تبدَّل بعد أن انتهى دوره بالمصرف والمرفأ والتعليم وأن يكون ممراً ومقراً لأصحاب الأموال اللائذين به من فلسطين وسورية والعراق والأردن وغيرهم والذين وإلى يومنا هذا يمتلكون أكبر بنوكه وشركاته الهندسية والإقتصادية والغذائية والتجارية.
ولم يعد لبنان قِبلة السياحة والطقس الفريد كما أوهموا الأجيال بعد أن تعرَّف اللبنانيون أنفسهم على ما لا يُحصى من مراكز السياحة العالمية وبعضها حولنا في تركيا ومصر والأردن وتونس وعُمان واليونان وماليزيا…
فعلى العقلاء أن يعرفوا أحجامهم الطبيعية وأن يتواضعوا ولا يبنوا قصوراً في الخيال.