كيف تتعامل القوى السياسية مع دعوة بكركي للحياد والمؤتمر الدولي؟
محمد بلوط- الديار
لا اجماع ولا توافق في الداخل.. والخارج منغمس بمرحلة الصراع المعقدة
ارتاحت بكركي وقالت كلمتها امام جمهور غفير من المسيحيين ملون بعينات من المسلمين قدّره عدّادها بخمسة عشر الفا، لكن مفاعيل خطاب سيدها لم تكن على قدر توقعاتها في الداخل والخارج، خصوصا بالنسبة للدعوة الى مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية الامم المتحدة.
صحيح ان البطريرك الراعي حرص بالمستطاع ان يظهر او ان يكون حياديا، لكن كل من سمعه وشاهده يصفق ويلوح للجمهور الذي غلب عليه الطابع «القواتي» المحتشد في باحة بكركي لاحظ من دون عناء انه وجّه رسائل عديدة منها ما يحظى بتأييد جامع او شبه جامع، ومنها ما يشكل مادة خلافية بين اللبنانيين. وكان في كل الاحوال على الصعيد المسيحي اقرب الى طروحات فريق دون الآخر.
انتهى يوم بكركي الى زيادة التساؤلات والاسئلة حول تداعيات خطابها في هذه المرحلة بالذات وحول العديد من القضايا الحساسة والمصيرية التي اثارتها وطرحتها. وبدا واضحا انها استحضرت قضايا اشكالية تفتح الابواب اما م مزيد من الانقسام بدلا من ان تساهم في خلق مناخات تساعد على ولوج ابواب الحلول وتعزيز القواسم المشتركة بين اللبنايين للخروج من الازمة الراهنة.
لكن العنصر الايجابي الذي يمكن البناء عليه هو ما تشكله صرختها من عامل ضغط ايجابي في موضوع الحكومة ووجوب تسريع تشكيلها.
اما بالنسبة للوضع العام فقد اراد الراعي ان يدق جرس الانذار لكنه قرع كل الاجراس دفعة واحدة، وفتح باب النقاش حول قضايا اساسية ومفصلية في لبنان يحتاج حسمها الى فترة طويلة والى حوارات ونقاشات معمقة ومناخات مناسبة، بدلا من ان يركز على مفاتيح الحلول للازمة الراهنة.
وتقول مصادر سياسية ان سيد بكركي تكلم باسم اللبنانيين جميعا عندما حمل الجهات المعنية مسؤولية استمرار الازمة الحكومية، وعندما شدد على عدم السكوت عن الفساد ونهب الاموال والغلاء وضرورة الاصلاح. واصاب ايضا عندما دعا الى تطبيق الطائف بكل بنوده، وهذا المطلب مرهون تحقيقه بارادة اللبنانيين طوائف وقوى سياسية واحزاب وليس بالتوجه نحو الخارج لان وثيقة ناجزة ومكرس مضمونها بالدستور.
لكن الراعي، حسب المصادر، لم يكن موفقا في تناوله موضوع الحياد ورجوعه الى حقبة الاستقلال واغفاله ما تعرض له لبنان من اعتداءات وحروب اسرائيلية واحتلاله عاصمته بيروت، وكيف بقي «مكسر عصا» للعدو الاسرائيلي عندما كان يطبق مقولة» قوة لبنان في ضعفه» ثم عندما انتظر سنوات وسنوات لتطبيق القرارات الدولية دون جدوى. ولم تتحرر ارضه الا بفعل المقاومة التي تقرها القوانين والاعراف الدولية وقبل ذلك حق الشعوب في صيانة سيادتها والدفاع عن ارضها.
وتضيف المصادر ان الحياد الذي دعا ويدعو اليه البطريرك الراعي يتجاهل حقيقة وواقع المنطقة ووجود العدو الاسرائيلي الذي ما يزال يحتل اراضي لبنانية ويمارس عدوانه على لبنان باشكال مختلفة ويوسع اطماعه التي تمتد اليوم الى بحرنا ومياهنا وثروتنا النفطية. لكنه بات يحسب في الوقت نفسه الف حساب لاي مغامرة او حرب قد يقدم عليها بوجود المقاومة المتكاملة مع الجيش اللبناني، وهي العبارة التي وردت امس في بيان المكتب السياسي لحركة امل دون ان تتطرق مباشرة الى ما جرى في بكركي او الى خطاب البطريرك الماروني.
اما الدعوة الى مؤتمر دولي فهي غير قابلة للتنفيذ في ظل المعطيات الداخلية والخارجية القائمة، وهي اصلا تعتمد اولا على حسم مسألة الحياد التي لا تحظى باجماع او باتفاق اللبنانيين عليها، والتي تغيب عن بال المجتمع الدولي ولا تحظى باهتمامه في هذه المرحلة المعقدة من الصراعات الاقليمية والدولية.
وفي قراءة عامة للمواقف من دعوة بكركي لعقد هذا المؤتمر المقرون بمطلب الحياد يبدو جليا ان هناك شريحة كبيرة من اللبنانيين لاتؤيدها ولا تحبذ طرحها.
– التيار الوطني الحر الذي يمثل شريحة واسعة من المسيحيين وفريقا سياسيا فاعلا ومؤثرا ينأى بنفسه عن دعم المؤتمر ويرى ان مثل هذا الموضوع يحتاج الى نقاش بين اللبنانيين اولا مع تاكيده بان حل الازمة الراهنة لا سيما الحكومية هو حل لبناني. كما ان مطلب الحياد الذي يقول انه لا يختلف مع البطريرك عليه يربطه ايضا بتوافق اللبنانيين لانه من دون هذا التوافق لا سبيل الى تحقيقه وتطبيقه.
– ويرفض الثنائي الشيعي المؤتمر الدولي كما انه لا يؤيد الحياد حيث يرى حزب الله انه يشكل خطرا وجوديا على لبنان كما عبر النائب حسن فضل الله اول امس. ولا ترى حركة امل ان الحياد يمكن ان يكون بوجود العدو الاسرائيلي الذي يحتل ارضا لبنانية ويهدد لبنان بعدوانه واطماعه.
– ويؤيد المستقبل مواقف بكركي ودعوتها للحياد وفق اعلان بعبدا كما عبرت كتلته النيابية بعد زيارتها بكركي امس، مشددة على تحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات الخارجية حرصا على وحدة البلد وسلمه الاهلي ما عدا القضية الفلسطينية وقضايا الاجماع العربي. لكنه يتجنب الكلام او التعليق على الدعوة الى المؤتمر الدولي وان كان لا يتحمس لها او يرى انها عملية او قابلة للترجمة في المرحلة الراهنة.
– ويبدي الحزب التقدمي الاشتراكي حماسا ظاهرا وعلنيا لمواقف بكركي لكنه مقتنع ضمنا ان مسألة حياد لبنان غير قابلة للتنفيذ في ظل موازين القوى الداخلية والخارجية مكتفيا بتطبيق اعلان بعبدا. كما انه لا يتحمس لفكرة المؤتمر الدولي لادراكه انها غير قابلة للصرف.
– ويؤيد دعوة بكركي للحياد والمؤتمر الدولي بحماس وحيوية حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب والمجموعات المتشددة من بقايا ١٤ آذار والمتطرفين للغرب والفلسفة الاميركية للثورة الجديدة من مجموعات المجتمع المدني.
ويعتقد هؤلاء ان فشل تشكيل الحكومة وتردي الاوضاع والانهيار الحاصل عوامل مهمة لرفع شعار الحياد والتدويل في هذه المرحلة، وان موقف بكركي يشكل غطاء جيدا لهذا التوجه وعاملا مؤثرا للسير به.