المعركة لا تزال مستمرّة!
د. محمد سيّد أحمد-البناء
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي نتحدث فيها عن معركتنا التاريخيّة مع العدو الصهيوني، لقد بدأت معركتنا مع هذا العدو منذ اللحظة التي فكّر فيها الصهاينة في البحث عن وطن لهم يجمع شتاتهم من حول العالم، واتفاقهم مع القوى الاستعمارية العالمية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين والمتمثلة في ذلك الوقت في بريطانيا العظمى التي كانت تفرض سيطرتها وهيمنتها بالقوة على أجزاء كبيرة من وطننا العربي، واستقرّ الرأي بين المتآمرين على اغتصاب الأرض العربية في فلسطين، وتمّ الإعلان عن المؤامرة عبر ما عُرف بـ «وعد بلفور» وهو الاسم الشائع المطلق على الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطانية بتاريخ 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانيّة إنشاء «وطن قومي» لليهود في فلسطين.
وقد جاء هذا الوعد ممن لا يملك لمن لا يستحق، فالحكومة البريطانية لا تملك الأرض العربية الفلسطينية، وإنْ سيطرت عليها بقوة السلاح واحتلتها، واليهود الصهاينة الذين تمّ جمعهم من كلّ بقاع المعمورة لا يستحقون أرض فلسطين، وحظي وعد بلفور على مباركة العديد من الدول الاستعماريّة حيث وافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسمياً في عام 1918، ووافق الرئيس الأميركي وولسون على محتواه قبل نشره عام 1919، ووافقت عليه اليابان في عام 1920، ووافق المجلس الأعلى لدول الحلفاء في مؤتمر سان ريمو شريطة قيام بريطانيا بالانتداب على فلسطين في عام 1920، وأخيراً لقي الوعد موافقة عصبة الأمم المتحدة والتي وافقت كذلك على الانتداب البريطاني على فلسطين في عام 1922.
ولقي الوعد المزعوم رفضاً فلسطينياً قوياً، فاندلعت مجموعة من الثورات، جسّدت كفاح الشعب الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني، لكن القوى الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا وأميركا استمرّتا في دعم الانتشار اليهودي الصهيوني داخل الأرض الفلسطينية وفى 29 نوفمبر (تشرين الثاني) صدر قرار هيئة الأمم رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: واحدة يهودية وأخرى عربية، ما أدّى إلى إعلان قيام الدولة اليهودية الصهيونية كدولة مستقلة على أرض فلسطين العربية في 15 مايو (أيار) 1948، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الصراع العربي – الصهيوني بحرب فلسطين 1948، ثم حرب يونيو (حزيران) 1967، ثم حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973.
وفي أعقاب حرب أكتوبر 1973 بدأ العدو الصهيوني يطوّر من أدوات المواجهة مع الأمة العربية في محاولة أن تكون تلك الحرب هي الأخيرة مع الجيوش العربية، فبدأت نغمة السلام المزعوم التي استجاب لها أولاً أنور السادات والتي انتهت بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد في 17 سبتمبر (أيلول) 1978، وبذلك خرجت مصر من دائرة الصراع مع العدو الصهيوني، وفي 13 سبتمبر (أيلول) 1993 وقع ياسر عرفات اتفاقية إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي وهو اتفاق سلام بين العدو الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية عُرف باسم اتفاقية أوسلو، وبذلك خرجت المنظمة الكيان الفلسطيني الأكبر في مواجهة العدو الصهيوني من دائرة الصراع، وفى 26 أكتوبر (تشرين الأول) 1994 وقع العاهل الأردني الحسين بن طلال اتفاقية وادى عربة وهي معاهدة سلام بين العدو الصهيوني والأردن، ولم تأتِ المعاهدة بجديد فتاريخ الأردن يؤكد أنها لم تكن يوماً معادية لهذا الكيان المغتصب للأرض العربية.
وبعد ما يزيد عن ربع قرن وفي 13 أغسطس (آب) 2020 صحوْنا على مفاجأة من العيار الثقيل حيث أعلن عن اتفاق سلام مزعوم بين الإمارات والعدو الصهيوني لا مبرّر له على الإطلاق، فالإمارات دولة عربية صغيرة وليست من دول المواجهة مع العدو، فلماذا توقع على مثل هذا الاتفاق؟! وبعدها مباشرة وفي 11 سبتمبر (أيلول) 2020 أعلنت البحرين عن توقيع اتفاق سلام مزعوم جديد مع العدو الصهيوني وما ينطبق على الإمارات ينطبق حتماً على البحرين، وفي إطار الدائرة ذاتها أعلن عن اتفاق سلام مزعوم جديد بين المغرب والعدو الصهيوني في 10 ديسمبر (كانون الأول) 2020 بعد أن وعده ترامب باعتراف الولايات المتحدة الأميركية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وعلى غرار المغرب وقع السودان اتفاق سلام مزعوماً مع العدو الصهيوني في 6 يناير (كانون الثاني) 2021 على أمل شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كما وعده ترامب.
وبعد كل هذه التنازلات الجديدة جاء بايدن ليتنصل من وعود ترامب التي منحت للدول المطبِّعة والتي وقعت اتفاقيات سلام مزعومة مع العدو الصهيوني، وهنا يأتي السؤال المحوري هل انتهت معركتنا مع العدو الصهيوني بعد توقيع كل هذه الاتفاقيات المزعومة؟ والإجابة القاطعة تقول لا وألف لا. فالمعركة لا زالت مستمرة ولن تتوقف لحظة واحدة ما دام نبض المقاومة ينبض داخل عروق الشرفاء في هذه الأمة.
وهنا يمكن أن نستحضر كلمات الرئيس جمال عبد الناصر «من يقاتلون يحق لهم أن يأملوا بالنصر، أما الذين لا يقاتلون فلا ينتظروا إلا القتل»، وكلماته الحاسمة في مواجهة العدو الصهيوني «لا صلح لا تفاوض لا اعتراف» و»أنّ ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة»، هذا هو الموقف السليم من العدو الصهيوني، أما الحكام العرب الذين ينظرون إلى العدو الصهيوني على أنه صديق يمكن التعايش معه فعليهم أن يخضعوا لدروس «محو أمية وطنية وقومية» ليتعلّموا أنّ العدو الصهيوني هو عدوّنا الأول ومعركتنا معه معركة وجود لن تنتهى إلا باقتلاعه وتحرير كامل التراب العربي المحتل والمغتصب، وبمناسبة ذكرى الوحدة المصرية – السورية الـ 63 التي تمرّ علينا هذا الأسبوع لا بدّ أن نعي جيداً أن قوتنا في وحدتنا، اللهم بلغت اللهم فاشهد.