في ظل التحذيرات الدوليّة.. هل تعود لجين الهذلول إلى السجن مُجدداً؟
الوقت_ بعد أن أطلقت السلطات السعودية مؤخراً سراح الناشطة السعوديّة المعروفة، لجين الهذلول، عقب سنتين ونصف السنة من الاعتقال، وما أثاره هذا القرار من علامات استفهام كبيرة حول قرارات الاعتقال والإفراج وتأثير الإدارة الأمريكيّة على هذا الملف، حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان، من إعادة ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان اعتقال الناشطتين لجين الهذلول ونوف عبدالعزيز اللتين أفرج عنهما، مضيفة إنّ الأخيرتين تواجهان خطر العودة إلى السجن إذا جهرتا بآرائهما، ما أعاد قضية حقوق الإنسان في المملكة إلى المربع الأول.
قضيّة لم تنتهِ
لا يبدو أنّ قضيّة الناشطة السعوديّة لجين الهذلول قد انتهت بعد وفقاً لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” التي عودتنا على الحزم في تعاطيها مع السعودية، وقد أشارت مؤخراً إلى أنّ العديد من الناشطات والناشطين الحقوقيين لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفيّ، موضحة أنّ الإفراج عن الهذلول جاء بعد 1001 يوم من الاعتقال بسجون النظام السعوديّ في ظل حملة دؤوبة من قبل عائلتها ونشطاء حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، منذ اعتقال الهذلول في أيار عام 2018.
ووفق بيان المنظمة، فإنّ الأهميّة الأكبر تتركز على أنّ عملها لم ينته بعد، فالهذلول لا تزال ممنوعة من السفر، وحُكم عليها بالسجن لمدة 3 سنوات مع وقف التنفيذ تقريباً، بتهم تعرّف نشاطها في مجال حقوق المرأة على أنها جرائم بموجب ما تُسمى “أنظمة الإرهاب” في المملكة، وهذا يعني أنّ السلطات السعودية تستطيع إعادتها إلى السجن في أيّ وقت إذا قررت التحدث أو استئناف نشاطها.
يشار إلى أنّ سلطات بن سلمان اعتقلت الناشطة الهذلول البالغة 31 عاماً مع أكثر من 12 ناشطة أخرى في مجال حقوق المرأة، وجاء اعتقالها في حملة قمع شديدة شنّتها الرياض بأوامر من محمد بن سلمان، وأضاءت المنظمة الدوليّة على روايات التعذيب التي تعرضت لها الهذلول أثناء الاحتجاز مع 3 نساء أخريات على الأقل وفق تأكيد أفراد أسرتها.
وفي الوقت الذي أفرجت فيه السلطات السعودية عن الهذلول والناشطة الحقوقيّة نوف عبد العزيز الأربعاء المنصرم، لفتت “رايتس ووتش” في بيانها إلى أنّ عبد العزيز اعتقلت قبل أكثر من عامين ونصف العام، بعد أن أعربت عن تضامنها مع النشطاء وسط حملات القمع السعودية، وقد شاب شعرها في الزنازين وبدت أكبر، وتطرقت صحيفة “ذا تايمز” البريطانيّة إلى صورة الهذلول عقب الإفراج عنها من سجون النظام السعوديّ، وكتبت أنّ لجين بدت وقد شاب قسمٌ من شعرها وبدا عُمرها أكبر في الصور التي نشرتها عائلتها، في دليل دامغ على الاستبداد والوحشيّة التي تعرضت لها في الاعتقال.
وما ينبغي ذكره، أنّ عائلة الهذلول أفادت بتعرض ابنتهم للتعذيب والتحرش الجنسيّ أثناء الاعتقال، وكانت النائب الأمريكية ذات الأصول الصوماليّة، إلهان عمر، هاجمت السعودية بشدة ودعتها لوقف انتهاكاتها بحق مواطنيها والإفراج عن المعتقلين عقب إطلاق سراح الهذلول، وفي تغريدة عبرت فيها عن فرحتها بالإفراج عن الناشطة لجين، أعادت النائب الأمريكية نشر تغريدة صورة لجين الهذلول التي نشرتها أختها لينا وكتبت: “هذه أخبار رائعة.. كنا ندفع نحو هذا منذ وقت طويل، يجب على السعودية السماح لها بمغادرة البلاد، وإطلاق سراح الناشطات الحقوقيات اللاتي ما زلن في السجن”، وفي تغريدة أخرى، دعت الرياض لأن تتوقف عن قتل وتقطيع المنشقين، وحصار وتجويع وذبح الآلاف من المدنيين اليمنيين والتوقف عن تغذية أزمة المناخ والتمييز ضد الأقليات الدينيّة.
رموز المعتقلين
تركزت مطالبات النشطاء السعوديين والعرب على إطلاق سراح عدد من الرموز المعتقلين الذين يتمتعون بشعبيّة واسعة على مستوى العالم العربيّ والخليجيّ، عقب إطلاق سراح الناشطة البارزة في مجال حقوق النساء، لجين الهذلول، بعد اعتقال دام نحو 3 سنوات، بتهمة تتعلق بالأمن القوميّ، وفق زعم السلطات السعودية وقتها.
وكان الرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، قد رحب بإطلاق سراح الهذلول متحدثاً أنّها كانت مدافعاً قويّاً عن حقوق المرأة، وأنّ إخلاء سبيلها إجراء صحيح، فيما تصدرت لجين اهتمام النشطاء العرب على شبكات التواصل الاجتماعيّ، حيث تباينت المواقف بين من منتقد للقرار العربيّ الراضخ للإدارة الأمريكيّة، وبين مسارع إلى المطالبة بإطلاق باقي المعتقلين في الزنازين المنتشرة في السعودية.
وفي وقت سابق، أطلق النشطاء العرب هاشتاغ #لجين_حرة على موقع تويتر، والذي سرعان ما تصدر قوائم الوسوم الأعلى تداولاً على تويتر وفيسبوك وشبكات التواصل المختلفة في العديد من الدول العربية، وكتب حساب “معتقلي الرأي” الذي يعد من أهم الحسابات الناشطة في هذا المجال ويتابع منذ سنوات أخبار المعتقلين في السعودية، “لجين حرة ولكن قيدها الآن هو المنع التعسفيّ من السفر”، مطالباً السلطات برفع هذا الحظر والعمل على محاسبة جميع من قام بتعذيبها وبالإشراف على عليه، الذي أنكره القضاء السعوديّ غير المستقل، وأضافت الصفحة الحقوقيّة إنّ المدة الطويلة التي قضتها الناشطة السعوديّة في المعتقلات، قد تبدو سهلة بالنسبة للقارئ، لكنها كانت قاسية بشدة على من قضاها خلف القضبان.
ومن الجدير بالذكر، أنّ سلطات المملكة شنت العديد من حملات الاعتقال منذ تولي الانقلابيّ، محمد بن سلمان منصب ولاية العهد، وأوضحت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكيّة، أنّ محمد بن سلمان يحاول تخفيف الضغوطات على السعودية من جانب الولايات المتحدة، لذلك فقد أمر بإصدار حكم على الناشطة السعوديّة المعروفة، لجين الهذلول، والذي يتضمن سجنها لفترة طويلة، لكن يسمح بخروجها، وصدر هذا القرار مع دخول الرئيس الأمريكيّ الجديد إلى البيت الأبيض، والذي تعهّد في السابق بفتح ملف حقوق الإنسان في المملكة، لكن السلطات السعودية رغم إفراجها عن الهذلول ستُبقِي على لجين بعُهدتها، ولن تسمح لها بالسفر إلى الخارج، في الوقت الذي تتحدث فيه الناشطة السعوديّة وفق ما ينقل أشقاؤها، عن تعذيب، وتحرّش، وتهديد، طالها وهي تقبع خلف الزنازين.
وليس بغريب بالنسبة للسعوديين أنّ محمد بن سلمان يتحكم ببلاد الحرمين، لذلك غير مدة عقوبة الناشطة لجين الهذلول، حيث أمرت محكمة في الرياض، قبل مدة، بسجن الهذلول 5 سنوات و8 أشهر بعد اتهامها بالتحريض على تغيير النظام السعوديّ وخدمة أطراف خارجية، وأرفقت الحكم بوقف تنفيذه لمدة سنتين و10 أشهر.
إضافة إلى ذلك، كشف شقيق الناشطة السعودية المعتقلة في السجون السعودية، وليد الهذلول، عن 7 مطالب للناشطة الحقوقيّة، قبل موعد الإفراج عنها، وذكر في تغريدات على حسابه في “تويتر”، أنّ طلبات الناشطة الأساسيّة، تتركز على فتح تحقيق مستقل حول من أمر وخطط ونفذ اختطافها من أبوظبي إلى الرياض، إضافة إلى فتح تحقيق مستقل بحق من أمر وخطط ونفذ اختطافها من سجن ذهبان إلى سجن سريّ بمدينة جدة، وفتح تحقيق مع القاضي إبراهيم اللحيدان، لحذفه فقرات من صحيفة الادعاء (قائمة الشهود)عندما أرسل كامل ملفها إلى المحكمة الجزائيّة المختصة، وتلبية طلب لجين الهذلول باستدعاء الشهود المذكورين في صحيفة الادعاء الأساسيّة، ومحاكمة جميع الصحف السعودية التي شوهت سمعتها، وإلغاء حظر السفر عن جميع أفراد عائلتها.
وفي هذا الخصوص، طالبت منظمة الأمم المتحدة، ووزارة الخارجيّة الفرنسية الرياض بالإفراج السريع عن لجين الهذلول، فيما انتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عجلة السلطات في إدانة الهذلول بالتجسس، في محاكمة لم تطبق الإجراءات القانونيّة، ناهيك عن المطالبات التي وُجّهت للسعودية من قبل شخصيات سياسيّة أوروبيّة وأمريكيّة مختلفة، بعد أن اعتقلت السلطات السعودية الناشطة السعودية المعروفة، وهي واحدة من أبرز الناشطات السعوديّات، اللواتي طالبن بمنح المرأة حُقوقاً في قيادة السيارة، وعلى صعيد حُقوق السفر، والزواج، وهي حُقوق جرى منح المرأة السعوديّة بعضها، لكن الهذلول كانت وراء القضبان.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ الإفراج عن لجين الهذلول ومنعها من السفر لا يُعتبر حُريّة، ولم تُعلّق الرياض أبداً على تحذيرات شقيقة لجين، وتحميل السلطات مسؤوليّة تعريض حياتها للخطر، في ظل وجود بايدن في البيت الأبيض، الذي يُحتّم التعامل مع حياة الهذلول بقدر أكبر من المسؤوليّة، وخاصة أنّ الإدارة الأمريكيّة بدأت بفتح ملفّات السعوديّة، واتخذت قراراً بتجميد بيع السلاح للرياض، بغض النظر عن ملف تقطيع الصحافيّ السعوديّ المعروف، جمال خاشقجي، الذي تم تقطيعه في قنصليّة بلاده في إسطنبول قبل بضعة سنوات.
ولم تكشف السعودية عن أيّ دليل لإثبات اتهاماتها للهذلول، فيما تقول عائلتها أنّ الدليل الوحيد المقدم ضد لجين في المحكمة، كان تغريدات عن قيادة المرأة للسيارة ومقاطع فيديو لها تناقش وصاية الرجل على المرأة والذي ألغي بعد وقت لائق من اعتقالها، كما اتهمت شقيقة الناشطة، لينا الهذلول المقيمة في بروكسل، السلطات السعودية بتعذيب لجين بالصعق الكهربائيّ والجلد، إضافة إلى التحرش الجنسيّ، وهذا ما نفته الرياض.
غياهب النسيان
من المعروف أنّ السلطات السعودية قد اعتقلت الناشطة الهذلول وحاكمتها بموجب ما يسمى نظام “مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله”، وبدت الهذلول التي ظلت إلى حد كبير في الحبس الانفراديّ وأضربت عن الطعام لمدة أسبوعين في تشرين الثاني، احتجاجاً على ظروف سجنها، ضعيفة جسدياً في المحكمة، وكان جسدها يرتجف ويصاب بإغماء.
وبناء على كل ذلك، أصبحت قضية الناشطة لجين الهذلول تشغل الرأيّ العام العالميّ لأسباب مختلفة بعضها سياسيّ لا أكثر، ليبقى السؤال الأهم ماذا عن السعوديين الذين يقبعون في سجون المملكة المنتشرة في البلاد؟، لأسباب تنافي المنطق والقانون، فإما أن تصفق لمحمد بن سلمان أو أن تقبع في سجونه للأبد، ومن ينسى المواطن السعوديّ، حزام الأحمري، الموظف في ميناء جدة البحري، الذي اعتقلته السلطات قبل أشهر على خلفية بثه مقطع فيديو أبدى فيه رفضه وجود ملهى ليليّ قرب منزله في جدة، وأصدرت حكماً بسجنه لمدة 4 أعوام وغرامة بقيمة 80 ألف ريال سعوديّ.
ورغم أنّ المملكة رضخت بشكل جزئيّ للضغوط الدوليّة في قضية الهذلول لإرضاء واشنطن والتخفيف من انتقاد حكامها، لكنها لم تأبه لردود الأفعال المحليّة والدوليّة قبل تسلم بايدن، من اتخاذ مثل هكذا قرارات تعسفيّة، في الوقت الذي تواجه فيه مشاكل دوليّة كبيرة ومعقدة بينها جريمة تقطيع الصحافيّ السعوديّ الشهير، جمال خاشقجي، وملف سجناء الرأيّ والمدافعات عن حقوق الإنسان في السعودية، ناهيك عن حرب اليمن التي أماطت اللثام عن وجوه حكام آل سعود.
ومراراً وتكراراً، طالبت الكثير من التقارير الإعلاميّة والحقوقيّة أن تتحرك المنظمات الدوليّة والحقوقيّة للإفراج عن بقية السجناء القابعين داخل السجون في غياهب النسيان، معللة رضوخ محمد بن سلمان في هذه القضية، بالتعتيم على انعدام الحقوق المدنيّة والسياسيّة منذ توليه ولاية العهد وانقلابه على ابن عمه، حيث عمدت سلطاته على تنفيذ حملات كبيرة من الاعتقالات التعسفيّة بحق المعارضين، والناشطين، والمثقفين، إضافة إلى المنافسين من العائلة الحاكمة.