التعميم 151.. تسديد الديون وسياسة “المركزي” التحفيزية ساهما في تخفيضه إلى أدنى المستويات “الاحتياطي الإلزامي” يتناقص… والعبرة في المتوفّر منه نقداً
مع تعمّد تغييب الاصلاحات واستمرار “التناتش” على مقاعد الحكومة، من المفترض بها أن تكون جازمة في فرض الإصلاحات، تختفي الخطوط الحمراء المرسومة لعدم المس بالاحتياطي الالزامي. عندها، سيضطر المركزي، طوعاً أو إكراهاً، الى مواصلة الدعم. وهنا تختفي الفوارق بين دعم السلع، والدعم المباشر، الذي يقلل من وتيرة استنزاف الاحتياطي ولا يلغيها. ولكن السؤال الجوهري كم بقي فعلياً من أموال نقدية ممكن التصرف بها؟ وهل تدنى الاحتياطي النقدي المتوفر إلى أقل بكثير من 17 مليار دولار؟
الاحتياطي الإلزامي متحرك
على عكس ما يعتقده الكثيرون، فان قيمة الاحتياطي المحددة بـ15 في المئة من ودائع المصارف بالدولار ليست ثابتة. فهي ترتفع مع ازدياد الودائع وتنخفض بانخفاضها. وبحسبة سريعة، يتبين: أن مجمل الودائع في القطاع المصرفي نهاية العام 2020 بلغت 138 مليار دولار. وإذا اعتبرنا ان نسبة الدولرة هي 70 في المئة، فان مجمل الودائع بالدولار تصبح 96.6 ملياراً، يترتب عليها احتياطي بقيمة 14.4 مليار دولار. ومع هذا الرقم يسقط أول خط دفاع يرتكز على احتياطي يقدر بين 17 أو 17.5 مليار دولار.
خطوط الدفاع تتساقط
خط الدفاع الثاني الذي سقط مع “مرور الزمن” يقوم على ان “نسبة الاحتياطي يمكن تخفيضها بقرار من مصرف لبنان بعملية تسمى “Retro section”، يقول المستشار المالي د.غسان شماس. “حيث يعمد “المركزي”، بناء على أهداف معينة، إلى إرجاع نسبة من الاحتياطي للمصارف قد تكون 2، 4 أو حتى 10 في المئة، بشرط إظهار الأخيرة إقراضها المبالغ أو الاكتتاب بها، بما يتوافق مع سياسة مصرف لبنان وتعاميمه التنموية والتحفيزية”. وعلى سبيل المثال من الممكن أن يرجع مصرف لبنان 100 دولار من أصل 150 دولاراً مفروضة كإحتياطي على وديعة بقيمة 1000 دولار، في حال التزمت المصارف التوسع بالقروض البيئية أو بتمويل قروض الطاقة الشمسية وغيرها”. وعليه “يجري تمويل هذه القروض من احتياطي المصارف في “المركزي” وليس من أموال المصارف الخاصة”، بحسب شماس. “ذلك لان الاحتياطي الالزامي لا يجرّ منفعة مباشرة”. وبرأيه فان “مصرف لبنان طلب من المصارف الاقراض على بعض المشاريع التنموية أو الصديقة للبيئة أو التي تتعلق بالابتكار والابداع والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بـ صفر في المئة فائدة، مقابل حصول المصرف على الفوائد منه، إضافة إلى تعويض أموال القروض من الاحتياطي الالزامي”.
تعديل هذه النسبة المنوطة بمصرف لبنان تخفيضاً أو زيادة، تعتبر أداة من أدوات المركزي لتحفيز الاقتصاد. خصوصاً إنه لا يملك أموالاً خاصة ليوزع قروضاً مدعومة على الإسكان والبيئة والإبتكار. كما ان 80 في المئة من أرباح المركزي تذهب مباشرة إلى وزارة المالية. وعليه فان الحِزم التحفيزية التي اعطاها مصرف لبنان للاقتصاد على مدار السنوات الماضية عبر المصارف اللبنانية سيكون مصدرها، إما من الودائع التي تضعها المصارف لديه (CD’S)، أو من الاحتياطي الالزامي. واجمالاً هو يتصرف بالاحتياطي لانه حساب جارٍ سريع تتغير قيمته أسبوعياً، لارتباطه مباشرة بما سحب ووضع في البنوك من ودائع.
التناقص بالاحتياطي مستمر
هذه العملية التي تعود إلى القرار الاساسي رقم 7835 الصادر عن مصرف لبنان بتاريخ 2 حزيران 2001 لا تؤثر على نسبة الاحتياطي من وجهة نظر شماس، “إلا في حال خروج الأموال من النظام المصرفي. لكن طالما هذه القيم تخرج من مصرف X وتدخل في مصرف Y فان النسبة تبقى كما هي عليه”. ومن هنا فان الاحتياطي الالزامي تناقص برأيه لثلاثة أسباب رئيسية:
الأول، تسديد الديون من قبل العملاء. حيث يتوجب على “المركزي” إرجاع الاحتياطي الإلزامي بنسبة موازية لتسديد العملاء ديونهم إلى المصارف.
الثاني، شراء العقارات. وهنا ينخفض الاحتياطي بوتيرة أبطأ، خصوصاً إذا كانت عمليات الشراء والبيع تتم بتبادل الاموال عبر الشيكات أو الحوالات.
الثالث، تعميم مصرف لبنان “الشهير” رقم 151 الذي يحول تلقائياً الحسابات الموضوعة بالدولار إلى العملة الوطنية على سعر 3900 ليرة. حيث إن السحوبات بالدولار تتحول إلى الليرة وتذوب في الأسواق. ومن غير المنطقي ان يكون من يسحب ودائعه بحسب التعميم المذكور يحولها بالسوق السوداء إلى الدولار ويعود ويضعها في المصرف.
المتوفر النقدي هو الأساس
هذه العوامل الثلاثة أدت إلى تراجع كبير في ودائع الدولار في المصارف، وانعكست حتماً على قيمة الاحتياطي المتوفرة في مصرف لبنان. أمّا معرفة قيمة الاحتياطي المتوفرة نقداً فهي تحتاج إلى “مبصر مغربي”. خصوصاً مع عدم وجود تقارير محدثة للجنة الرقابة على المصارف تفيد بحجم الودائع في القطاع المصرفي، والاكتفاء بما يدليه الحاكم من تصاريح تحدد حجم الاحتياطي. ولكن مع تضارب التصاريح وسواد مناخ انعدام الثقة بكل أركان السلطة، فان كل الارقام مشكوك فيها. فمع بداية الازمة في العام 2020 قال الحاكم بأحد تصاريحه ان كل ما لديه من احتياطي لا يتجاوز 3 مليارات دولار، هذا من جهة. ومن الجهة الثانية، لا أحد باستثناء الحاكم يستطيع إحصاء المبالغ النقدية التي ما زالت موجودة. والأهم من هذا كله، هل هذه الاموال هي قيود ورقية مسجلة على ذمة المصارف أم أموال فعلية؟ وأين تتواجد هذه الاموال؟ وهل هي في خزائن مصرف لبنان أم في المصارف الخارجية، وتحديداً منها الاميركية؟ وهنا الفرق كبير جداً. فهذه الأموال قد تتعرض للحجز في حال فرض عقوبات على مصرف لبنان.
الأكيد أن مصرف لبنان يستعمل في عمليات الدعم “الدولارات الطازجة”. إلا ان المتبقي منها، هو الأساس الذي عليه يتحدد الزمن المتبقي قبل الدخول في المجهول. وذلك بغض النظر إن خفّض الحاكم هذه النسبة من 15 إلى 10 أو 7 في المئة، أو وَضَع التخفيض بمفعول رجعي ليوم، لشهر أو لسنة. إذ إنه لا دولارات جديدة دخلت المصارف منذ نهاية العام 2019.