خريطة طريق من جعجع الى الحريري
يحتلّ عنوان «حقوق المسيحيين» صدارة السجال القائم بين رئاسة الجمهورية وفريق الرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري، في ظلّ تمسُّك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالشراكة في التأليف وبالتمثيل الميثاقي وأحقية تسمية الوزراء المسيحيين في الحكومة العتيدة، ما يعتبر الحريري أنّه سعي الى الحصول على الثلث المعطٍّل في هذه الحكومة، الأمر الذي يرفضه. وفي ذروة هذا السجال، يغيب حزب «القوات اللبنانية» عن المشهد الحكومي، ولم يصدر موقف مباشر من رئيسه سمير جعجع، مدافعاً عن «حقوق المسيحيين» والموقع المسيحي – الماروني الأوّل في الدولة، أو موقف معاكس داعم لحليفه رئيس تيار «المستقبل».
لأخذ موقف، بالنسبة الى «القوات»، يجب تحديد عنوان الخلاف أولاً لتحديد الموقف منه وطبيعة هذا الموقف وخلفيته. وفي حين أنّ عنوان الخلاف بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف هو نظرة كلّ منهما الى الحكومة، فبالنسبة الى «القوات» هي «غير معنية بمسألة الحكومة».
وفي هذه المسألة، لا تلوم «القوات» الحريري ولا تحمّله المسؤولية. فالحريري كُلّف في 22 تشرين الأول 2020، فيما رفضت «القوات» قبل ذلك تكليف السفير مصطفى أديب، على رغم طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً من جعجع تسمية أديب في الاستشارات النيابية الملزمة، كذلك لم تُسمِّ «القوات» الرئيس حسان دياب، لأنّها منذ اللحظة الأولى اعتبرت أنّ المشكلة مع الفريق الحاكم وليس مع رؤساء الحكومات الذين كُلّفوا وألّفوا أو لم يؤلٍّفوا.
وفي حال نجح الحريري في تأليف حكومة مهمّة حقيقية، ترى «القوات» أنّه لن يتمكّن من القيام بورشة الإصلاحات مع الفريق الحاكم، والدليل على ذلك ما يحصل الآن، وهو «بروفا» لما سيحصل على طاولة مجلس الوزراء وعند مناقشة جدول أعمال أي جلسة بين عون والحريري. وبالتالي، تعتبر «القوات»، أنّ الحكومة إذا تألفت، سيتمّ إفشالها من قِبل هذا الفريق الذي لا يريد تحقيق الإصلاحات لأنّها تتناقض مع علّة وجوده ووضعيته كلّها.
وانطلاقاً من موقف «القوات» الواضح بتحميلها المسؤولية للفريق الحاكم وليس للحريري، ولأنّها تعتبر أنّ الحكومة لن تقدّم ولن تؤخّر، ولا يجوز البقاء في الدوامة نفسها، وطالما هناك مسعى الى تفشيل مهمة الحريري بتأليف حكومة إختصاصيين مستقلين، بدليل مضي نحو 4 أشهر على تكليفه من دون أي تقدُّم في عملية التأليف، ومرَّ على حكومة دياب عام من دون أن تحقق أي شيء، إنّ جعجع مع اختصار معاناة اللبنانيين، وهذا يكون بالذهاب الى فصل آخر أو كتاب جديد، فالمكتوب يُقرأ من عنوانه. وإذ تسأل «القوات» الحريري: «ما الفائدة من مواصلة المحاولة مع فريق لا يُمكن الوصول معه الى أي مكان؟»، تنصح الرئيس المكلّف الذي يسعى الى تأليف حكومة مهمّة للإنقاذ، بأنّ «الإنقاذ مع هذا الفريق غير ممكن، وبالتفكير بأساليب وطرق أخرى لهذا الإنقاذ، فلا يجوز أن نبقى نحاول في الملف نفسه ونراوح في المساحة نفسها».
وتدعو «القوات» الحريري الى التفكير بعدم إطالة أمد الأزمة والمعاناة ودوامة الفشل والاستمرار في هذا النزف القائم، بالتفكير بطريقة مختلفة، وهي أن «نجتمع ونتعاضد ونفكر بالعناوين المطلوبة». وبالنسبة الى «القوات» إنّ خريطة الطريق هذه واضحة، وذلك عبر صدمات إيجابية متتالية، هي:
الأولى، اعتذار الحريري عن التأليف.
الثانية، استقالة «القوات» و»المستقبل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» الثلاثية المشتركة المدوية من مجلس النواب.
الثالثة، أن تلتئم وتجتمع هذه القوى الثلاث مع قوى أخرى على طاولة واحدة وتضع خريطة طريق للإنقاذ.
الرابعة، العناوين المُفترض رفعها في المرحلة المقبلة.
وبالتالي، يجب بالنسبة الى «القوات» وضع برنامج بهدف الوصول الى التغيير، بعد أن سُدّت أبواب الخارج ومحاولة الخروج من المأزق خارجياً، وسُدّت أيضاً إمكانية الوساطات داخلياً. وأمام هذه البيانات المضادة بين القصر الجمهوري و»بيت الوسط»، وغياب أزمة الثقة بين عون والحريري وأي إمكانية للوصول الى أي مكان مع هذا الفريق، يجب التفكير، وفق «القوات»، بحلول أخرى لبنانية، وخريطة طريق يضعها اللبنانيون وليس أي طرف آخر، بأدوات لبنانية وتفكير لبناني، للوصول الى التغيير، وإلّا سنبقى في مستنقع الفراغ والفشل وسيصل لبنان الى الأسوأ.
في المقابل، يتمسّك الحريري حى الآن بالتأليف رافضاً الإعتذار، ويرفض كلّ من «المستقبل» و»الاشتراكي» الاستقالة من مجلس النواب أو خوض انتخابات نيابية مبكرة وفق القانون الحالي، بحسب ما تطرح «القوات». وتردّ «القوات» على حليفيها، بالقول: «إذا كان لديهما بديل آخر ليطرحاه، ونحن مستعدون لمناقشته، فالمطلوب إختصار معاناة اللبنانيين، ولا يجوز أن نقف مكتوفي الأيدي أمام احتمال واحد فقط، يظهر لجميع اللبنانيين أنّه فاشل، وهو الرهان على الفريق الحاكم والتعاون معه».
وفي هذا الإطار، كانت أطلقت «القوات» آلية تواصل مع القوى السياسية والمرجعيات الروحية، لتشكيل قوة ضغط تدفع الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة «المدخل الأساس للتغيير وطريق الخلاص»، ولم تظهر أي نتيجة عملية لهذه الاتصالات حتى الآن، لكنها قائمة وراء الكواليس من دون إعلانها، وستتواصل، خصوصاً أنّ الإقفال العام أخّر بعض اللقاءات. وتكمن أهميتها بالنسبة الى «القوات» في أنّها فتحت نقاشاً وحواراً سياسياً أبعد من حصول الانتخابات المبكرة أو عدمه. فلا خيارات أخرى بالنسبة الى «القوات» غير طرح الأفكار، بهدف توحيد القوى السياسية المعارضة وصولاً الى الإنقاذ المطلوب.
أمّا لجهة عنوان «حقوق المسيحيين»، فإنّ «المسألة الآن ليست قضية حقوق مسيحيين بالنسبة الى «القوات»، فاللحظة الوطنية الحالية هي أن يبقى لبنان أو ألّا يبقى، ويجب تعليق كلّ شيء والبحث عن إنقاذ المواطن اللبناني. والمسألة الآن هي طريقة منع لبنان من الانفجار وانزلاقه الى الأسوأ ومنع المجاعة عن اللبنانيين، وليست مسألة حقوق وحصص وصلاحيات، فنحن في وضع استثنائي جداً لم يمرّ على لبنان في عزّ الحرب الأهلية». وتعتبر «القوات» أنّ «كلّ كلام عن حقوق وصلاحيات هو خارج النقاش، وحرف للهدف الأساس وتحجُّج بخلفيات سلطوية وفئوية، بينما المطلوب حلول وطنية لجميع اللبنانيين والإنقاذ بعيداً من المصالح والزواريب الضيقة». وترى أنّ «التحجج بأي شيء هو للهروب من الخطة الإصلاحية المطلوبة ومن إعادة إنتاج السلطة، وللذهاب الى شدّ عصب مذهبي، بينما شدّ العصب الوحيد المطلوب الآن هو وطني، لإسقاط هذه السلطة والفريق الحاكم».