سوريا مجدّداً في لبنان؟
أحمد الأيوبي
ظهرت في الآونة الأخيرة موجة ترويج ودفق تحليلات عن احتمال عودة النظام السوري إلى حكم لبنان تحت عنوان ما يصدر من دراسات في مراكز أبحاث عالمية، أو نتيجة ما تركته الحركة الإقليمية والاتصالات الجارية بين المملكة العربية السعودية وإيران، أو في ضوء ما قيل إنّه زيارات لمسؤولين سعوديّين لدمشق، وحصول لقاءات مع رأس النظام أو مع مسؤوليه الأمنيّين. لتخلص هذه الأصوات إلى التصوير بأنّ بشّار الأسد استعاد زمام المبادرة، وأنّه قاب قوسين أو أدنى من العودة إلى التحكّم بلبنان، وأنّ على خصوم الممانعة تحسّس رقابهم.
هذا ما عبّر عنه الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله عندما تحدّث عن “تطوّر في المشهد الإقليمي”، يمثّل تراجعاً في الموقف السعودي، و”يصبّ في مصلحة محور المقاومة”، ويُقلق من سمّاهم “المرتزقين”.
نظام بشار الأسد غير قادر عملياً وعسكرياً وأمنيّاً وسياسياً واقتصادياً أن يحكم لبنان، لا بل هو يستفيد من أموال اللبنانيين المصروفة على السلع المدعومة، التي يُهرِّبها حلفاؤه
في تسويق النظام السوري، يعتبر البعض أنّ وجود مليون ونصف مليون لاجئ سوري في لبنان، معظمهم من مؤيّدي النظام، إنّما هو عنصر قوّة، من دون أن نعلم كيف يمكن أن يكونوا كذلك؟ فهل يتحرّكون في لبنان بشكل منظّم وبأوامر النظام ضدّ خصومه، أي أنّهم جيش غير معلن؟ وإذا كانوا سيحتشدون مجدّداً لإعلان ولائهم لبشّار، فلماذا لا يرجعون إلى بلدهم ليمارسوا “طقوس الديموقراطية” على أصولها؟
أمين سرّ “تكتّل الجمهورية القوية” (القوات اللبنانية) النائب السابق فادي كرم رأى، في حديث إلى “أساس”، أنّ “أصحاب هذا التحليل أو الاستنتاج هم الذين كانوا حاكمين خلال فترة الاحتلال السوري للبنان، وهم يتوقون إلى العودة إلى ذلك الزمن الذي أذلّوا وظلموا فيه غيرهم من اللبنانيّين، وما كانت ثورة الأرز لتنفجر لولا ظلمهم وإجرامهم بحقّ الشعب اللبناني”.
وعن حظوظ هذه العودة، التي يُروَّج لها مناصرو الأسد، قال كرم إنّ “الاستناد إلى ما يجري من مفاوضات بين السعودية وإيران أو اتّصالات بين السعودية والنظام السوري، للقول إنّها تؤسِّس لعودة نظام الأسد، هو استنتاج ساذج وسخيف، ولا يمتّ للحقيقة بصلة، لأنّ المفاوضات الجارية بين الدول الإقليمية، وخصوصاً بين الرياض ودمشق، ليست لإعادة تأهيل النظام السوري خارجيّاً ليكون نظاماً إقليميّاً فاعلاً. والتعويم الوحيد، الذي حصل عليه، هو أنّ هناك من جلس معه، فأصبح معترَفاً بأنّه لم يسقط”.
وربط كرم الانفتاح العربي النسبي على نظام الأسد “بوسائل مواجهة توسّع المشروع الإيراني في المنطقة، ومحاولة الدول العربية، والخليجية منها خصوصاً، إعادة سوريا إلى النطاق العربي، وعدم بقاء الشعب والدولة السوريّيْن رهينيْن بيد النظام الإيراني”، تاركاً للزمن أن يكشف نجاح أو فشل هذه المحاولات، جازماً أنّه لن تكون عودة للـ”سين سين”، وأنّه لا تحصل مفاوضات لبيع لبنان إلى النظام السوري.
أدّت الصراعات الإقليمية والدولية إلى بقاء هذا النظام، الساقط أمام شعبه، والساقط كدولة، إلى بقائه كنظام يحكم بعض المناطق السورية، بإرشادات من دول كبرى موجودة على أراضي السوريين
ولفت كرم إلى أنّ “بعض الأطراف قد تستعمل هذا العنوان من باب التمنّي والتهويل على اللبنانيّين أنّه إن لم يرضخوا لحزب السلاح (“حزب الله”) وشروطه، فإنّهم سيعودون إلى تحت نير حكم النظام السوري. تماماً كما كان يُستخدَم اسم “داعش” لتخويفنا وليدّعوا أنّهم يحموا اللبنانيين من الإرهاب، لنسكت عن سلاح الحزب. فاليوم يقولون لنا: اتّفقوا معنا كيلا يعود نظام الأسد. لكن لا هذه ستدوم، ولا تلك ستعود”.
ودعا كرم إلى ملاحظة “فوارق كبرى بين فترة الاحتلال السوري للبنان، والوضع الراهن. فقد كان النظام مفتاحاً أساسياً في المنطقة بحكم وجود حافظ الأسد على رأسه، وكان يحظى بوكالة من دول كبرى لضبط الساحات من حوله، وكان يستطيع أن يؤدّي هذا الدور. أمّا اليوم فالنظام السوري الحالي بالكاد يستطيع القيام بنفسه في بعض الدوائر في سوريا، وليس على كامل الأراضي السورية، وهو تحت وصاية وإرشادات دول كبرى، تحكمه وتحافظ عليه، ولولا وجودها لكان سقط تحت قبضات الشعب السوري”.
ويخلص كرم إلى أنّ “نظام بشار الأسد غير قادر عملياً وعسكرياً وأمنيّاً وسياسياً واقتصادياً أن يحكم لبنان، لا بل هو يستفيد من أموال اللبنانيين المصروفة على السلع المدعومة، التي يُهرِّبها حلفاؤه. ويمكن القول إنّه يتنفّس من الرئة اللبنانية، وهذا يجعل المقاربة حول عودة النظام إلى البلد غير مستقيمة، فالوضع اليوم يختلف جذرياً عن فترة السبعينيّات، في سوريا وفي لبنان”.
يضع كرم عنصر المناعة الرئيس في وجه الاحتمالات السيّئة، فيؤكّد أنّ “عدم اقتتال اللبنانيين، مهما كانت الاختلافات في ما بينهم كبيرة، لا يسهّل فرضيات كهذه”، منبّهاً من أنّ “ما يجري هو هدفه فرض بعض الشروط أو ودة بعض الشخصيّات التي اختفت منذ الخروج السوري عام 2005 حتى الآن، بعدما أقصتهم ثورة الأرز ويرفض الشعب اللبناني عودتهم من خلال الانتخابات الديموقراطية. واليوم تجري محاولات لفتح ثغرات تسمح بعودة هذه النوعيّة من الأشخاص إلى العمل السياسي”.
أما عن الصورة المتوقّعة لتدفّق آلاف السوريين إلى صناديق الاقتراع لصالح بشّار الأسد في السفارة السورية بلبنان، فقلّل كرم من أهميّتها معتبراً أنّ “هذا واحد من المشاهد المعتادة في الدول الديكتاتورية التي انتهى زمنها منذ القرن الماضي في العالم، وبقيت بعض الدول عالقة في شرنقته، ومنها سوريا. وللأسف، فقد أدّت الصراعات الإقليمية والدولية إلى بقاء هذا النظام، الساقط أمام شعبه، والساقط كدولة، إلى بقائه كنظام يحكم بعض المناطق السورية، بإرشادات من دول كبرى موجودة على أراضي السوريين”.
وختم كرم حديثه بدعوة “المجتمع الدولي إلى إعادة السوريين من لبنان إلى بلدهم، بحيث يدخل المؤيّدون، أو الذين لا مشاكل أمنيّة تحول دون عودتهم، إلى مناطق سيطرة النظام، بالتوازي مع إيجاد ملاذاتٍ آمنة لمعارضيه داخل الأراضي السورية لتوفير العودة الآمنة لجميع السوريين، ومنع اضطهادهم من النظام. وهذا قرار تستطيع الدول الكبرى اتّخاذه وتنفيذه. وهذا يتيح عودة الجميع من مؤيّدين ومعارضين على حدٍّ سواء، ويدفعنا إلى التحذير من مخاطر التقصير الدولي لأنّه يطول مصير الشعب السوري، الذي بات رهيناً، كما الشعب العراقيّ واليمنيّ واللبنانيّ، بالمشروع التوسّعي الإيراني الذي تحقّق على حساب الشعوب”.