يوم مع رفيق الحريري
أحمد عدنان -أساس ميديا
لا يتغير البرنامج اليومي للشهداء، يخطئ اللبنانيون إذا ظنوا أن دارة قريطم خاوية على عروشها، رفيق الحريري هناك في مكتبه أو في مجلسه يمارس نشاطه المعتاد، ما زال وسام الحسن يتعامل مع الاتصالات المهمة مستقبِلا أو مبادِرا، بينما يتعامل يحيى العرب (أبو طارق) مع كبار الزوار والضيوف، لا جديد إلا انضمام النقيبين وسام عيد وسامر حنا إلى الفريق الأمني الخاص واللصيق.
هناك فرق بين زائري قريطم قبل 14 شباط 2005 وبعده، أتيح لرفيق الحريري أخيرا أن يتعرف على جبران خليل جبران وبشارة الخوري، لم تنقطع اتصالاته بالعاهلين الكبيرين فهد ثم عبدالله، وحين يتكدر من نشرة الأخبار يجد الملاذ عند رياض بك الصلح، أما مصدر سعادته الدائم، فقضاء الوقت مع ابنه حسام.
لا يغادر رفيق الحريري دارته إلا في الشتاء تحت زخات المطر، يتجول مع رفاقه في شوارع بيروت، يمر أولا بوسط المدينة، ثم يستكمل جولاته في الطريق الجديدة والأشرفية، يقف مليا أمام صخرة الروشة، يتفقد تجار كورنيش المزرعة، لا يتذمر من زحام الحمرا، تبهجه حيوية فردان، وفي الشتاء وفي غير الشتاء لا ينقطع عن زيارة السرايا وبيت الوسط للاطمئنان والمؤازرة.
حين استشهد رفيق الحريري تجمهر الناس حول جثمانه بجوار جامع محمد الأمين، أما الرئيس الشهيد فلم يبرح موقع الانفجار في عين المريسة حتى انتهت إعادة إعماره.
بين حين وآخر يطل الرئيس الحريري على قتلته، يقف أمامهم بملامح باردة وينظر مباشرة إلى أعينهم متغلغلا في الدواخل، أحدهم اليوم عاجز عن حكم نفسه فضلا عن التصرف في مكتبه، والآخر يختبئ تحت الأرض كأطلال موحشة، الشماتة ليست من أخلاق الحريري بل الإيمان بالعدالة الإلهية.
يوم 14 شباط مناسبة متميزة عند الرئيس الشهيد، يستيقظ قبيل أذان الفجر، يقوم بإيقاظ يحيى ووسام وباسل فليحان ووليد عيدو ومحمد شطح، “اليوم رح يحكي سعد”، يتصل بإخوة الدم ليتأكد من حضورهم، في هذا اليوم فقط الأعذار موصدة سلفاً أمام سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وأنطوان غانم وبيار أمين الجميل.
رفيق الحريري هو أول الواصلين إلى موقع المهرجان وهو آخر المغادرين، حين يصل سعد الحريري يقف والده ويصفق بحرارة، يتحول وجهه كله إلى ابتسامة عريضة ومشعة، ينتهي سعد الحريري من كلمته فيسمع في أذنه دون غيره صوت والده هادئا وواثقا: “الله يحميك ويرضى عليك”.
يستقل رفيق الحريري سيارته إلى قريطم، يطمئن إلى تحضيرات العشاء السنوي الذي يقيمه في دارته على شرف شهداء لبنان الكبار، حفل مهيب عابر للطوائف وللعصور، ربما يجلس في نفس الطاولة فخر الدين المعني والرئيس رينيه معوض والمفتي حسن خالد والصحافي كامل مروة، وفي الطاولة المقابلة كمال جنبلاط والشيخ أحمد طبارة والمستشار محمد شقير والناشط رمزي عيراني، النقاشات الودية والجدية لا تتوقف بين الرئيس بشير الجميل والمفكر حسين مروة ونقيب الصحافة رياض طه والنائب ناظم القادري والمقاتلة لولا الياس عبود، سليم اللوزي كأنه يجري تحقيقا صحافيا مع داوود داوود وهاشم السلمان والمفكر مصطفى جحا، الصحافي نسيب المتني يتسامر مع فرانسوا الحاج وأدهم خنجر وبلال فحص وفوزي الراسي، يقوم رياض الصلح بتنبيه رفيق الحريري: “الشهادة تذيب الخلافات والاختلافات والحواجز”، يهز كبير الشهداء رأسه موافقا ومبتهجا.
يغادر الضيوف دارة قريطم، يختلي رفيق الحريري بنفسه، مَن قال “ما حدا أكبر من بلده” و “لا مكان للتطرف بيننا” وآمن بالدولة وباتفاق الطائف والدستور متمسك برهانه الدائم، لبنان سيبقى وينتصر، أما الأعداء والخونة فتنتظرهم محابس العدم والنسيان، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.