تحقيقات - ملفات

هل قيمة الودائع مضمونة فعلاً؟


محمد وهبة – الأخبار

في مشروع موازنة 2021، اقترح وزير المال في الحكومة المستقيلة غازي وزني، رفع قيمة ضمانة الوديعة من 75 مليون ليرة إلى 300 مليون ليرة. اقتراح كهذا يثير أمرين: مدى كفاية الرسوم السنوية المترتبة على المصارف والدولة لتغطية قيمة الضمانات، توافر الأموال لتسديد قيمة الضمانات. لكن بالإضافة إلى ذلك هناك سؤال أساسي يتعلق بمدى كفاية إجراء كهذا في ضمان قيمة الوديعة.

بحسب المادة 15 من من القانون 28 الذي أنشأ المؤسسة الوطنية لضمان الودائع وحدّد مهامها وغاياتها، فإنه يترتب على المصارف المقيمة والعاملة في لبنان، أن تسدد رسوماً سنوياً بمعدل 1.5 بالألف، لكنه نصّ أيضاً على أن يحدّد معدل الرسم بمرسوم في مجلس الوزراء. قبل عام 1997 كان الرسم بمعدل 1.5 بالألف، لكن كل المراسيم اللاحقة حدّدت الرسم بمعدل نصف بالألف. كذلك، يترتب على الدولة أن تدفع مبلغاً سنوياً يعادل مجموع حصيلة الرسم السنوي المفروض على المصارف.
ولغاية نهاية 2018، كان لدى المؤسسة استثمارات في أوراق مالية بقيمة 3776 مليار ليرة، بالإضافة إلى مستحقات على الدولة بقيمة 1346 مليار ليرة. كذلك كانت لديها استثمارات عقارية مقدّرة في الموازنة بقيمة 13 مليار ليرة، ومساهمات في شركات تابعة وزميلة بقيمة 53 مليار ليرة.
في المقابل، يترتّب على المؤسّسة مطلوبات بقيمة 16 مليار ليرة هي عبارة عن ضمانات مستحقة غير مدفوعة، وحساب احتياط الضمان بقيمة 2984 مليار ليرة.
أما في حسابات رأس المال، فإن لدى المؤسّسة أرباحاً مدوّرة بقيمة 1979 مليار ليرة، علماً بأن أرباحها في تلك السنة بلغت 200 مليار ليرة. والمؤسّسة تحقّق هذه الأرباح بشكل أساسي من توظيفاتها في سندات الخزينة بالليرة اللبنانية. ففي عام 2018 بلغت قيمة إيرادات المؤسسة من فوائد الاستثمارات في السندات ما قيمته 226 مليار ليرة ونحو 1.5 مليار ليرة من إيرادات أخرى.
حصيلة ما تملكه المؤسّسة لغاية نهاية تشرين الثاني 2020 قد لا يكون كافياً إلا لتسديد مبلغ حدّه الأقصى 5700 مليار ليرة. لذا، تصل نسبة التغطية على مجمل الودائع إلى 38% في الوضع الحالي الذي تبلغ فيه قيمة الضمانة 75 مليون ليرة باعتبار أن مجمل قيمة الضمانات الإجمالية على الودائع تبلغ 15 ألف مليار ليرة، لكن تنخفض نسبة التغطية إلى 9.5% في حال رُفعت قيمة الضمانة إلى 300 مليون ليرة من دون رفع معدلات الرسم السنوي المترتبة على المصارف والدولة، لأن قيمة الضمانة الإجمالية سترتفع إلى 60 ألف مليار ليرة.
طبعاً هذا السيناريو هو الحدّ الأقصى الذي يشير إلى أن أكثر من مليونَي حساب في المصارف ستستفيد من الضمانة، علماً بأن نسب التغطية تختلف باختلاف العناصر التي تحفّز كل سيناريو ممكن. لكن المسألة الأساسية في كل السيناريوهات، هي أن تسديد هذه الضمانات لمستحقيها، سواء لحساب واحد أو لمليوني حساب، يتطلب ضخّ هذه الأموال في السوق عبر إصدارات نقد جديدة (طباعة النقود).

لذا، سيكون لهذه الإصدارات أثر نقدي في السوق يختلف باختلاف قيمة الإصدارات. كلما طبع مصرف لبنان المزيد من النقود وضخّها في السوق، رفع احتمالات الضغط على الليرة والطلب على الدولار. فإتاحة كميات كبيرة بالليرة في السوق، تسمح لحاملي الكميات بشراء الدولارات رغم أن عملية طباعة الليرة هي عملية مرتبطة أصلاً بتضخم الأسعار وبكميات النقد اللازمة لتغطية عمليات التبادل في السوق، لكنها من ناحية ثانية، وفي ظل استهلاك مبني أساساً على الاستيراد الذي يُسدّد ثمنه بالعملات الأجنبية، فإن كمية إضافية من الليرات في السوق تعني طلباً إضافياً على الدولار في السوق الحرّة (الموازية).
وبمعزل عن كيفية التمويل والأثر النقدي الذي سيخلقه، فإن قيمة التعويض المدفوع كضمانة على الوديعة باتت مرتبطة بتدهور قيمة العملة في السوق الحرّة. فعلى سبيل المثال، إن وديعة بقيمة 200 ألف دولار يكون تعويضها بقيمة 300 مليون ليرة في حال رفعت قيمة التعويض إلى المستوى الذي اقترحه وزير المال، لكن في الواقع، إن القيمة السوقية – الفعلية لهذا التعويض لا تتجاوز 33 ألف دولار.


◄ من هم المستفيدون؟
بحسب المادة 14 من القانون 28/67، فإن غاية المؤسسة أن تضمن لدى المصارف العاملة في لبنان الودائع بالعملة اللبنانية وبالعملات الأجنبية مهما كان نوع هذه الودائع أو أجلها. وتشمل الضمانة، رأسمال وفائدة مجموع حسابات الودائع العائدة لمودع واحد لدى أي مصرف (يُعتبر مركز المصرف وفروعه مؤسّسة واحدة).
وعندما يكون لأحد المودعين لدى مصرف متوقف عن الدفع حسابات مدينة أو غيرها من الموجبات تجاه المصرف المذكور، سواء كانت بالعملة اللبنانية أو بالعملات الاجنبية، تجري مقاصة بين مجموع حساباته الدائنة ومجموع حساباته المدينة وموجباته الأخرى ولا تشمل الضمانة سوى رصيده الدائن لدى المصرف.
ويُعتبر كل حساب مشترك، مهما تعدد أصحابه، بمثابة حساب واحد. ويُعتبر أيضاً بمثابة حساب واحد كل حساب تركة. وتستثنى من الضمانة الحسابات العائدة إلى رؤساء وأعضاء مجالس إدارة المصارف والمدراء ومراقبي الحسابات وزوجات الأشخاص المذكورين وأصولهم وفروعهم لدى المصرف الذي ينتمون إليه.

◄ ما هي معدلات الرسم السنوي لضمان الوديعة؟
بحسب المادة 15 من القانون 28/67، يتوجّب على المصارف المقيمة والعاملة في لبنان أن تدفع للمؤسسة الوطنية لضمان الودائع رسماً سنوياً لا يتجاوز في السنوات الثلاث الأولى 2 بالألف، وفي ما بعد 1.5 بالألف من مجموع حساباتها الدائنة أياً كان نوعها أو أجلها أو مصدرها مهما بلغت وذلك بتاريخ 31 كانون الأول من السنة السابقة. يستثنى من الرسم: الأموال الخاصة مهما كانت أنواعها، الشيكات وأوامر الدفع وتسهيلات التغطية البريدية، الحسابات القائمة بين المصارف المقيمة والعاملة في لبنان، حسابات التسوية الخاصة للمصارف.
ونصّت هذه المادة على أن تُحدّد معدلات الرسم في مطلع كل سنة بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية بعد استطلاع رأي المؤسسة الوطنية لضمان الودائع، على أن تُعرض الخلافات الناجمة عن تفسير هذه المادة وتطبيق أحكامها على المجلس المركزي لمصرف لبنان الذي يبتها بالشكل النهائي.
وبحسب المراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير المال ورأي المؤسسة الوطنية لضمان الودائع ومجلس شورى الدولة، فإنه منذ عام 1997 ولغاية 2019 حُدّد الرسم بـ0.5 بالألف بدلاً من 1.5 بالألف التي كانت سائدة سابقاً. علماً بأنه يتوجب على الدولة أن تدفع مبلغاً يعادل مجموع حصيلة الرسم السنوي المفروض على المصارف.

◄ لماذا خُفض الرسم إلى 0.5 بالألف؟
يقول رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية لضمان الودائع، خاطر بوحبيب، إن تحديد الرسم السنوي مرتبط بالمخاطر المتوقّعة في السوق والتي تؤدي إلى التعثّر المصرفي الذي يوجب على المؤسسة التدخّل لتسديد قيمة الضمانات. هذه المخاطر كانت في السنوات السابقة بحدّها الأدنى ولم نشهد خلال 27 سنة مضت أي إفلاس مصرفي، بل شهدنا تصفية ذاتية لعدد من المصارف، لذا كان الرسم في حدّه الأدنى، بينما اليوم يتوجب النظر في هذا الأمر انطلاقاً من حجم المخاطر المتوقّعة.

◄ أين تُوظّف أموال المؤسّسة الوطنية لضمان الودائع؟
بحسب المادة 17 من القانون 28/67، تودع جميع أموال المؤسسة لدى مصرف لبنان في حساب خاص لا ينتج فائدة، ويمكن للمؤسسة أن توظف قسماً من أموالها في سندات حكومية لبنانية أو مكفولة من الدولة أو في تملّك عقارات في لبنان.

◄ متى تُدفع الضمانة؟
بحسب المادة 18 من القانون 28/67، فإنه في حال توقف مصرف عن الدفع تدفع مؤسسة الضمان المبالغ المضمونة بموجب هذا القانون لأصحابها وتحل محلهم في حقوقهم كافة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى