رأس السنة للعام الثالث على التوالي في السراي… بلا “دولة رئيس” فعلي
باتت أزمة لبنان أبعد من تأليف حكومة أو إنتخاب مجلس نواب جديد أو رئيس جمهورية، بل تخطت كل تلك العوامل لتصل إلى أزمة نظام.
كان “اتفاق الطائف” الحدّ الفاصل بين الحرب الأهلية ومرحلة السلم، وقد طوى صفحة التقاتل الداخلي وحروب الغرباء على لبنان وأرضه، ورسّخ نظاماً جديداً يهتز حالياً تحت ضربات الزحف الشيعي. ليس من قبيل الصدفة أن يعيّد لبنان رأس السنة هذه المرّة أيضاً من دون وجود رئيس حكومة فعلي وليس رئيس حكومة تصريف الأعمال، فالأمر يوحي بأمور كثيرة منها ان إستيلاد الحكومات بات يحتاج إلى توافق إقليمي ودولي مثل انتخاب رئيس الجمهورية.
لا يوجد أي لبناني يبدي أسفه على رحيل عام 2020، فهذا العام كان مُزنّراً بالكوارث المالية والإقتصادية والأمنية والصحيّة ليأتي إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب ليدمّر الآمال في إمكانية قيام البلد من تحت الأنقاض.
في 6 أيار من العام 2018 جرت الإنتخابات النيابية وفاز “حزب الله” وحلفاؤه بالأكثرية النيابية، لكن التسوية الرئاسية كانت مفاعيلها مستمرة، فسمّى النواب الرئيس سعد الحريري لتأليف الحكومة، لكن هذه التسمية كانت مشروطة، إذ وضعت العراقيل بدربه ومنها عدم سماح “التيار الوطني الحرّ” بتمثيل “القوات” بحجمها النيابي، واصطناع عقدة تمثيل رئيس الحزب “الديموقراطي” النائب طلال إرسلان من ثمّ عرقلة التأليف بابتداع عقدة تمثيل سنة “8 آذار”، لذلك حلّ رأس السنة حينها واستقبل لبنان عام 2019 من دون وجود رئيس حكومة فعلي نال ثقة البرلمان ويقوم بنشاطه الطبيعي.
كان عام 2019 بداية التحوّل الكبير في البلد، وسجّل تاريخ 17 تشرين الأول إنتفاضة شعب على السلطة الحاكمة فأعلن الحريري استقالته في 29 تشرين الأول، ورفض إعادة تكليفه مجدداً إلا إذا سُمح له بتأليف حكومة إختصاصيين مستقلة مثلما ينادي الشارع وتحولت حكومته إلى تصريف الأعمال.
وبما أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قرّر التريث في الدعوة لإستشارات نيابية ملزمة على قاعدة الإتفاق على التأليف قبل التكليف، فان الإستشارات النيابية حصلت في 19 كانون الأول 2019 وأسفرت عن تكليف حسان دياب لتأليف الحكومة، وتأخر التأليف ومرّ رأس السنة على السراي بلا رئيس حكومة فعلي، واستقبل عام 2020 من دون حكومة.
دارت الايام دورتها وحصل زلزال المرفأ، فاضطر دياب إلى الإستقالة، وبعد مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتكليف السفير مصطفى أديب التأليف، فشلت مهمة أديب فاستقال ورشّح الحريري نفسه وكُلف في 22 تشرين الأول الماضي تأليف الحكومة، وعلى رغم تقديمه تنازلات للثنائي الشيعي إلا أن مهمته إصطدمت بتصلب عون ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، وبذلك سيستقبل لبنان عام 2021 بلا رئيس حكومة فعلي في السراي.
ما يحصل حسب كثر يدل على أن موازين القوى الداخلية تغيّرت، فلم يعد المكوّن السني اللاعب الأقوى في تأليف الحكومات، بل إن سلاح “حزب الله” بات العامل الأقوى ويستطيع فرض ما يشاء وعرقلة كل ما يحصل.
وتوضح مصادر معارضة أن البعض يحاول رمي المسؤولية باتجاه عون وباسيل وحدهما، لكن لبّ المشكلة هو “حزب الله”، ولو لم يكن عون وباسيل موجودين لكان أوجد “الحزب” في مراكز الدولة وعلى الساحة السياسية من يشبههما، والدليل أن العرقلة بدأت بالحصول منذ العام 2006 والمطالبة بالثلث المعطّل، وبالتالي فان أي رئيس جمهورية أو حكومة أو من يملك الختم سيأخذ حالة “حزب الله” بالإعتبار وإلا فان تهديده باستعمال سلاحه سيبقى قائماً.
وبات واضحاً ان الزحف الشيعي لن يقف عند حدّ المطالبة بوزارة المال لضمان التوقيع الثالث حسب رأيهم، بل إن كل السعي إلى مؤتمر تأسيسي يثبت تفوقهم العسكري والديموغرافي وذلك على حساب المكونين المسيحي والسني، لكن هل يحصل ذلك في العام 2021 أو أن الرفض الوطني لتصرفات الثنائي الشيعي والتغيرات الإقليمية ستؤدي إلى تراجعه والعودة إلى “الطائف” أو صيغة قريبة منه؟