قمة ثلاثية في القاهرة وسط فوضى عربية غير مسبوقة تجاه القضية الفلسطينية
الوقت- أول صدمة واجهها الشارع الفلسطيني لم تكن “صفقة القرن” ولا حتى “تطبيع بعض الدول العربية مع اسرائيل”، بل كانت الضربة القاصمة عندما أعاد رئيس السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع اسرائيل التي لا توفر يوماً واحداً لا تعتدي فيه على الفلسطينيين وتعتقلهم وتقودهم إلى السجن أو المستشفيات أو حتى المقابر، ومع ذلك قرر عباس عودة التنسيق واليوم يتجه نحو اعادة فتح صفحة جديدة مع أمريكا على أمل أن يخفف عنه الرئيس الأمريكي الجديد جود بايدن الخناق وفق ما وعد الاخير، وعلى هذا الأساس بدأ عباس جولة نحو الأردن ومصر عنوانها “مواجهة التطبيع مع إسرائيل وترميم العلاقات الإقليمية بالمنطقة”.
جولة عباس السابقة مهدت لجولة جديدة قام بها وزير الخارجية للسلطة الفلسطينية رياض المالكي برفقة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين بالمملكة الأردنية الهاشمية، ايمن الصفدي، حيث اتجها نحو مصر للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتناول اللقاء “مناقشة مستجدات جهود إعادة تنشيط عملية السلام والمسار التفاوضي للقضية الفلسطينية”.
تبع اللقاء مع السيسي قمة ثلاثية عقدها يوم السبت الماضي وزير الخارجية سامح شكري ونظيريه الأردني والفلسطيني، بهدف حلحة القضية الفلسطينية من حالة الجمود التي تسيطر عليها منذ 4 سنوات، واعادة توجيه الضوء نحو القضية الفلسطينية، ولكن لا نعلم لماذا الاتجاه نحو مصر وما الهدف الحقيقي من مثل هذا الاجتماع، وماذا يمكن أن قدم للفلسطينيين، ونحن نعلم جميعا ان الرئيس السيسي كان من أكثر المرحبين بتطبيع الدول العربية مع اسرائيل. ماذا يمكن ان يقدم السيسي للقضية الفلسطينية؟.
السيسي يشجع على التطبيع ويصفق له، اذا ماذا ينتظر عباس من السيسي. اذا كانت غايته احتواء التطبيع ونتائجه، فمصر لن تستطيع ايقاف هذا المد التطبيعي وخاصة انها لا تحاربه بل على العكس تقف في صفه.
بكل الاحوال بيان القمة الثلاثية للوزراء الثلاثة العرب تمحور حول نقطتين أساسيتين: الأولى هي دعم خيار حل الدولتين، والثانية البقاء في إطار خطة ثلاثية موحدة يفترض أن تصاغ في موقف ثلاثي يحاول الاستثمار في تراث الإدارة الأمريكي الجديدة برئاسة جو بايدن.
في الحقيقة جاء الاجتماع في الوقت الذي شهد فيه الفلسطينيون تصدعات في التضامن العربي التقليدي مع قضيتهم، حيث وافقت أربع دول عربية ذات أغلبية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. كان العالم العربي في السابق قد تمسك بموقف مفاده أنه لن يتم إقامة علاقات مع إسرائيل قبل التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لكن وسط حملة دبلوماسية مكثفة من قبل إدارة ترامب، شهدت الأشهر الأخيرة الإعلان عن العلاقات الكاملة بين الدولة اليهودية والإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أفاد التلفزيون الإسرائيلي أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أبلغ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أنه ينوي التوسط في محادثات سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وقال التقرير الذي لم يرد مصدره إن السيسي وعباس اتفقا خلال اجتماعهما في القاهرة على أن يدعيا الرئيس المصري وزيري خارجية إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى مصر بشكل منفصل لإجراء محادثات بشأن استئناف المفاوضات. وقالت إن المحادثات ستعقد تحت رعاية مصر والأردن وفرنسا وألمانيا. وورد أن عباس قال إنه بينما يدعم المبادرة المصرية، فإنه لا يزال ينوي الضغط من أجل مؤتمر دولي سيضم ما تسمى باللجنة الرباعية للشرق الأوسط (امريكا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا) وقد تواصل مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس في هذا الشأن.
التحركات الفلسطينية الجديدة نحو مصر برفقة الاردن تكشف عن نقاط عدة..
أولاً: السلطة الفلسطينية لا تريد حلاً فلسطينياً_فلسطينياً بمشاركة أبناء وطنها من غزة، فهي تريد حلاً شخصياً يحافظ على بقاء عباس في السلطة دون أن يزعجه احد حتى نهاية حياته، وبعد ذلك لا يهم ان حصل الاستقرار ام لا، والدليل انه اوقف ملف المصالحة ولم يعد يأتي على ذكره، وهمه الوحيد الحصول على المساعدات الدولية من هنا وهناك، ولا يهتم حتى بأنه لا يمكنه الخروج من ارض بلاده دون موافقة الاسرائيليين.
ثانياً: أين بقية المطبعين العرب، لماذا لم نرهم في الاجتماع، لطالما انهم يهللون لحماية الشعب الفلسطيني، لماذا لم يتجهوا نحو مصر ليثبتوا انهم يقفون الى جانب الفلسطينيي عوضا عن ارسالهم وفوداً الى اسرائيل.
الواضح ان هناك شرخاً كبيراً بدأ ينهش محور الاعتدال العربي، ويقسمه الى اعتدال واعتدال مفرط، وربما يتحول الجميع الى الافراط بالاعتدال، إذ لا يجب أن ننسى ان الاردن والسلطة ومصر هم أول المطبعين مع العدو الصهيوني، ولا نعلم ان كان هناك تحالفين للتطبيع بدأنا نتلمس انطلاقهما، إذ بدأت تظهر بأن العقبة الأهم أمام إنعاش محور الاعتدال العربي القديم المتمثل بأول المطبعين في مصر والأردن والسلطة ستصبح قريباً محور الإفراط بالاعتدال والتطبيع المجاني تحت العنوان الإبراهيمي، وبصيغة تبدو لافتة جداً للنظر.
بمعنى أخير، وفي الخلاصة، يصبح لقاء القاهرة الثلاثي محاولة لرفع الصوت بالعودة إلى الأصول. لكنها محاولة مع جملة تكتيكية منضبطة تحاول اليوم إقناع دول عربية، وليس فقط الأمريكيين والإسرائيليين، بضبط الإيقاع ولو قليلاً لمصلحة عملية تطبيع تؤدي إلى عملية سلام جديدة منصفة بالحد الأدنى، حيث لا مبرر – برأي أردنيين وفلسطينيين – لبروز معسكرين للسلام بين الدول العربية يتنافسان في الاعتدال المفرط لا بل في تقديم التنازلات أيضاً.
ثالثاً: غابت الدول المطبعة حديثاً عن اجتماع القاهرة، لانها لا تهتم بالقضية الفلسطينية بكل بساطة، ولا تبدي اي اهتمام لا بحل الدولتين ولا حتى بمبادرة السلام العربية أو بتمكين الفلسطينيين من دولة بصرف النظر عن ملامحها. وفي الكواليس برود ملموس يقلق الأردن على جبهة الإمارات والبحرين، حيث لا رغبة تتحول إلى خطوات من أي نوع في الغرف في تفاصيل الملف الفلسطيني، وحيث توجسات في رام الله من أن يصبح ما سمي بالسلام الإبراهيمي عنواناً عريضاً للضغط على السلطة الفلسطينية وفقاً لتعبيرات رددها في عمان عندما زارها الرئيس محمود عباس وهو يستمع للخبرة الأردنية التي تطالبه بالتهدئة قليلاً. يجدد الوزير السعودي المختص بالملف عادل الجبير، إرسال ملاحظاته عبر أصدقاء في عمان بصيغة تقول بأن على السلطة والأردن الاطمئنان؛ لأن الرياض ليست مستعجلة لإعلان تطبيع العلاقات مع الإسرائيليين، ولأن الرياض قررت التمهل وستستند، إذا قدر لها أن تتعرض للضغوط، إلى وثيقة المبادرة العربية.
في الختام؛ فوضى غير مسبوقة في العالم العربي، ولا اتفاق واضح ولا حتى رؤى مستقبلية حول مستقبل القضية الفلسطينية، ويبدو ان شرق اوسط جديد يلوح في الافق. يمكننا ان نحمل دولاً مثل الامارات والسعودية ومصر المسؤولية ولكن السلطة لها دور لا بأس به في عدم الاستقرار لأسباب آنفة الذكر.