” بيكيت” يوثّق الوضع في العالم العربي
الكاتب – أسعد العزّوني
عندما درسنا مسرحية ب”إنتظار غودو”للكاتب الإيرلندي الساخر صموئيل بيكيت ،الذي حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1969،نظرنا إليها من منظار الواجب الدراسي،بمعنى أننا إهتممنا بها من ناحية الإبداع الذي أتقنه بيكيت ،حين وظف قرية كاملة لفكرته العبثية ،وصاغ لها حوارات مميزة ومتقنة تعبر عن الحال المعاش آنذاك،وكان هدفنا الحصول على العلامة المرتفعة لزوم النجاح.
أبدع الكاتب الإيرلندي بيكيت في صياغة العبث بكامل مواصفاته في تلك المسرحية ،ويقيني أن العرب لو فهموا مغزاه لما قرروها منهاجا في جامعاتهم ،ولا أدخلوها إلى مزارعهم أصلا،لأنها في نهاية المطاف تثير الأحاسيس وتشحذ الهمم والعواطف ،وتعلق الجرس.
كان إختيار بيكيت لموضوعه موفقا ،كما إن كافة توظيفاته كانت رفيعة المستوى،من حيث الحوار المتقن والمدروس بعناية،مع إنه كان على ألسنة قرويين معدمين ولكنهم كانوا أقوياء في حواراتهم وطريقة تعبير اجسادهم ،ومارسوا العبث على أصوله حسب ما رسمه لهم بيكيت نفسه،إذ نجح في تمكينهم من إضاعة الوقت ظنا منهم أنهم يفعلون شيئا ،وهذا برأيي ينطبق على الواقع العربي المر المعاش الذي يتخبط في تداعيات سياسات حكامه المرتبطين حتى النخاع بالإستدمار الأجنبي .
قضى أبطال بيكيت القرويين المعدمين جل وقتهم في إنتظار المجهول القادم الذي لم ولن يأت أبدا ،وكان حوارهم مقطوعا مبهما رمزيا لا هوية له ولا مبتدأ أو خبر فيه ،كما إنه منطقي لم يتضمن فعلا أو فاعلا أو مفعولا به لزوم الجملة الخبرية الصحيحة ،ولهذا أسموه عبثا،وهذا ما مارسه الحكام العرب منذ أكثر من قرن ،إذ كانوا يمطرون شعوبهم عند إلقاء البلاغ الأول بأنهم سيحررون فلسطين،لكنه تبين أن الحكام السابقين واللاحقين هم من باع فلسطين، وإرتبطوا بعلاقات وثيقة مع الإستدمار والمستدمرين الذين وظفتهم الصهيونية لتحقيق أهدافها،فكما كان أبطال بيكيت يتحدثون لتمضية الوقت ،كان الحكام العرب ينثرون الوعود هكذا في الهواء ،ولم يقوموا بخطوة ملموسة على أرض الواقع ،تدل على نواياهم بتحرير فلسطين.
بعد إنخراطنا في المجال السياسي العربي الوسخ ،قرأنا مسرحية بيكيت ب”إنتظار غودو”من منظار آخر ،ولم نعد مقيدين بنوايا ورغبات من درسونا إياها مع أن من درستني إياها في جامعة المستنصرية في بغداد عام 1973،أكاديمية عظيمة قومية محترمة هي د.صافيناز كاظم ،وكنت متميزا عندها .
أصبحنا نقرأ هذه المسرحية العبثية من خلال فهمنا للسياسة العربية ،وعقدنا المقارنات بين تصريحات الحكام العرب وحوار أبطال بيكيت العبثية التي كانت لإضاعة الوقت ،وتخلو من أي منطق أو توجه واقعي،وكان الحذاء هو سيد الموقف .
أنصح صناع القرار العرب وحفظا لماء وجوههم المتخيل إن تبقت منه قطرة واحدة، أن يسحبوا مسرحية بيكيت في”إنتظار غودو” من الجامعات ،وعليهم أن يمنعوا عرضها في المسارح العربية ،لأنها تعريهم ،أما نحن فقد كشفنا واقعهم ولا حاجة لنا لمثل هذه المسرحية،فقد بان المستخبي وأظهرت صفقة القرن كل النوايا المبيتة.