لا فتح اللعبة ولا تغيير اللاعبين
لبنان محكوم بعقاب مزدوج: عقاب خارجي على ربط نفسه بمحور “الممانعة” الذي تقوده ايران في مواجهة العرب والغرب. وعقاب محلي بتسلط وكلاء تفليسة عليه، من حيث الحاجة الى فريق إنقاذ. أخطر ما في العقاب الخارجي أننا نغلق نافذة الفرصة المفتوحة أمامنا لرفعه. وأسوأ ما في العقاب الداخلي أن وكلاء التفليسة هم المسؤولون عن الإفلاس. وهم الذين يقولون لنا بدم بارد أن اللعبة مغلقة في تأليف حكومة “المهمة الإنقاذية”.
ولا مخرج من المأزق. فنحن في نظام مسخناه بالممارسة ليصبح وضعاً هجيناً: لا هو ديموقراطي، ولا هو سلطوي. اذ في الوضع الديموقراطي آليات دستورية وسياسية واعتبارات أخلاقية لفتح اللعبة المغلقة أو لتغيير اللاعبين. وفي الوضع السلطوي تبقى اللعبة في يد “الضابط الكل”. والباب في لبنان مغلق على تغيير اللاعبين. ولا أحد يستطيع أن يلعب دور “الضابط الكل”. ومهما تكن أسباب الخلافات على الحكومة أو سواها داخلية، فاننا نراها تقليدياً مفتوحة على الخارج أو نحاول تغطيتها باختراع أسباب خارجية وانتظار ما يحدث في أميركا وايران وحتى في جزر القمر.
والمشكلة الأخطر أن البلد متروك للإنهيار الكامل من دون خطة للإفادة من الإنهيار. فلا طرف يستطيع أن يمسك بلبنان ويتحمل مسؤوليته ويتمكن من إدارته حين يكتمل إنهياره. لا الذين يتصورون أنهم أقوياء، ولا من يفاخر بأنه يملك “فائض القوة”. ولا محور “الممانعة”، ولا محور “المصانعة” البراغماتي الذي انفرط عقده، ولا بالطبع محور “الثوار”. فأي قوي في بلد مفلس ومنهار؟ وأي مشروع إقليمي قابل للتحقيق من دون الاصطدام بقوى أكبر ومشاريع أوسع، أو قبل التوصل الى نظام للأمن الاقليمي برعاية أميركا والصين وروسيا؟
الواقع أن موقع الشرق الأوسط الإستراتيجي والجيوسياسي يتراجع في حسابات الكبار. والتطورات الأخيرة في المنطقة توحي أنها تتغير في اتجاه يترك لبنان وراءه، فيما نحن نتقاتل على الفتات وسط تراكم الأزمات. وحين انشغلنا بقول وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان “أن لبنان يغرق مثل التايتنيك بلا موسيقى” نسينا أن الرئيس ميشال عون سبقه بأشهر في تشبيه حالنا بالتايتنيك. ونسينا أننا في بلد يحتاج الى إنقاذ، لا في فيلم.
في أميركا نكتة تقول: ما الفارق بين الحزب الجمهوري والتايتنيك؟ التايتنيك لم تندفع هي الى صدم جبل الجليد. ونحن قادنا وكلاء التفليسة بالخيار وبعيون مفتوحة الى هاوية الأزمات. ولم نتعلم من جان مونيه “أن المحنة هي أم الحكمة” بل كنا الأحمق الذي ينطبق عليه المثل القائل: “عندما يدل الحكيم على القمر ينظر الأحمق الى الإصبع”.