محاكمة تاريخية لعملاء إيرانيين في بلجيكا بتهمة التخطيط لعمل إرهابي في فرنسا الادعاء: العقل المدبر «دبلوماسي» بسفارة طهران في فيينا رفض الحضور
اسمه أسد الله أسدي وعمره 48 عاماً. هو الشخصية المركزية التي تدور حولها المحاكمة التي انطلقت صباح أمس في مدينة أنفرس (أنتويرب) الواقعة شمال بلجيكا.
رسمياً، وظيفة أسدي أنه السكرتير الثالث بالسفارة الإيرانية في فيينا. ولكن المخابرات الغربية في فرنسا وألمانيا وبلجيكا تعتبر أن هذه الوظيفة لا تتعدى كونها «غطاء لمهامه الحقيقية» التي هي مراقبة المعارضة الإيرانية في أوروبا. وهذا الرجل موقوف منذ صيف عام 2018 بتهمة التخطيط لعمل إرهابي ضد تجمع المعارضة الإيرانية الذي يلتئم سنوياً في محلة فيلبانت، الواقعة شمال باريس. وقبل عامين، نجح «المجلس الثوري للمعارضة الإيرانية»، أي «مجاهدي خلق»، في حشد عدد كبير من الشخصيات الأميركية والفرنسية والبريطانية في مهرجانه يوم 30 يونيو (حزيران)، وهو اليوم الذي اختاره العميل الإيراني من أجل عملية لو نجحت لكانت أوقعت عدداً لا يحصى من الضحايا. إلا أنها فضحت وألقي القبض على أسدي في ألمانيا (مقاطعة بافاريا)، وهو يقود سيارة مستأجرة، وحجته أنه كان يقوم بسياحة. وجاء في تقرير للمخابرات الداخلية البلجيكية أن «خطة الهجوم تم تدبيرها باسم إيران، وبدفع من سلطاتها، وليست مبادرة فردية من أسد الله أسدي». وحسب خلاصات التقرير، فإن الجهة المحركة هي وزارة المخابرات والأمن الإيرانية. وهذه الخلاصة هي نفسها التي توصل إليها التحقيق الفرنسي، إذ إن باريس اتهمت رسمياً في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 الوزارة نفسها بالوقوف وراء خطة الهجوم الفاشل، وعمدت إلى فرض جملة عقوبات على شخصيات فاعلة في الوزارة المعنية. لكن طهران نفت بشدة أن تكون لها أي علاقة بالحادثة. وأشار مصدر دبلوماسي فرنسي إلى أنه «تم التعرف بدقة» على الدبلوماسي أسد الله أسدي، الذي يواجه حكماً بالسجن مدى الحياة. بيد أن الأخير ينفي التهم الموجهة إليه بأنه «عميل للاستخبارات»، ويؤكد أنه دبلوماسي، ومن حقه التمتع بالحصانة الدبلوماسية، لا بل إنه شكك بشرعية محاكمته ورفض أمس المثول أمام المحكمة، حيث قام محاميه بتمثيله.
ونقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية قوله إن «موكلي طلب مني أن أمثله اليوم. إنه يحترم هذه المحكمة، لكن بما أنه يرى أنه يتمتع بالحصانة، فإن المحكمة غير مخولة بمقاضاته». وأضاف: «من حقه أن يمثله محاميه، وهذا ما سأفعله».
بالطبع، كان رد إيران التي كان رئيسها حسن روحاني، في الفترة عينها، يقوم بزيارة إلى أوروبا، النفي القاطع، وقد انتقدت لاحقاً «انتهاك الحصانة الدبلوماسية» لأسدي، وأكدت أن اعتقاله «غير قانوني». وكرر محاميه البلجيكي ديمتري دي بيكو، الجمعة، هذه الحجة لتبرير غيابه. والرد البلجيكي أن الحصانة الدبلوماسية لا تنطبق على أسدي إلا في المهمات الدبلوماسية وفي البلد الذي انتدب فيه. والحال أنه اعتقل في ألمانيا التي سارعت إلى تسليمه لبلجيكا. وفي الفترة عينها قامت باريس باعتقال ثلاثة أشخاص لم يبق من بينهم سوى موقوف واحد ورجل يعتقد أنه شريك له هو مهرداد عارفاني (57 عاماً). والأخير قبض عليه في مرآب للسيارات قريباً من مكان التجمع في فيلبانت، وعثر معه على سترة واقية من الرصاص ومسجل صوتي صغير الحجم مجهز بميكروفون يعلق على ربطة العنق. ويواجه الأربعة تهم «محاولات اغتيال إرهابية»، و«المشاركة في أنشطة مجموعة إرهابية»، وعقوباتها السجن مدى الحياة.
إذا كان أسدي هو العقل المخطط الغائب، فإن المتهمين بالتنفيذ ثلاثة، وجميعهم كانوا داخل قاعة المحكة أمس: أمير سعدوني (38 عاماً) إيراني الأصل ويحمل الجنسية البلجيكية وزوجته نسيمة نعامي (33 عاماً). وهذا الزوجي قبض عليه الساعة 11 صبيحة 30 يونيو (حزيران) على طريق سريع مستخدماً سيارة مرسيدس، يؤدي إلى باريس، وعثر في حقيبة الزوجة الشخصية على قنبلة مخبأة يبلغ وزنها 500 غرام. ولم يكن توقيفهما مجرد صدفة، إذ إن المخابرات البلجيكية كانت تراقبهما، وكانت حاضرة قبل يومين في مدينة أنفرس، حيث يظن أنهما تسلما القنبلة من أسدي في مطعم «بيتزا هوت» في ضاحية أنف رس. وتفيد تسريبات أمنية بأن المخابرات البلجيكية حصلت على «معلومات من جهاز استخباري صديق» ما سمح لها بأن تتعرف على الزوجين، وتلقي القبض عليه. وحسب الشرطة البلجيكية، فإن القنبلة ليست من النوع بدائي الصنع، إذ إنها تفجر عن بعد وجهاز التفجير جهز بطابعة ثلاثية الأبعاد ما يتطلب احترافية متقدمة في تصنيع المتفجرات والأجهزة ما يعني أنها من صنع أجهزة مخابرات.
وبين تفحص جهاز الهاتف الخليوي لأسدي أنه كان على تواصل مع الثلاثة الآخرين عبر عدة أرقام للهاتف، كما أن الشرطة الألمانية التي ألقت القبض عليه عثرت معه على دفتر يتضمن العديد من المؤشرات حول موقع التفجير والفنادق المحيطة، حيث من المفترض أن تنزل فيها الشخصيات الرئيسية.
ثمة اعتقاد أن العملية من تدبير رسمي إيراني، وهو ما تسعى المحاكمة لتبيانه عبر شخصية المتهم الرئيسي أسد الله أسدي. وحسب المحامي جورج هنري بوتيه، الذي يمثل الادعاء المدني، فإن تفجير 500 غرام من مادة بيروكسيد الأسيتون شديدة الانفجار المعروفة بـ«تي آي تي بي» كان سيوقع الكثير من الضحايا أولاً بسبب الانفجار نفسه، ثانياً بسبب الهلع الذي كان سيتسبب به، وما كان سينتج عنه من تدافع. وخلاصة المحامي المذكور أن ما خطط له يعد «إرهاب دولة». وقال المحامي وليام بوردون، وهو أيضاً أحد وكلاء الادعاء المدني «إنها محاكمة تاريخية»، مضيفاً: «هذه هي المرة الأولى التي يقف في قفص الاتهام نظام الملالي نفسه، ويُحكم عليه من خلال دبلوماسييه المزعومين».
والمحاكمة التي تجرى في مدينة أنفرس تحفل بجهات الادعاء المدني التي يصل عددها إلى 25 جهة مدنية، وكلها ممثلة في المحكمة.
منذ البداية، كان موقف السلطات الإيرانية النفي القاطع لأي مسؤولية، لا بل إنها تحدثت عن «مؤامرة» دبرتها «بعض الدوائر» للإضرار بها في الملف النووي. والسؤال المطروح اليوم يتناول ما تنوي طهران القيام به إزاء بلجيكا، وما إذا كانت تحضر لعملية «تبادل» ما كما درجت على ذلك منذ سنوات، وكما حصل حديثاً حيث أطلقت طهران سراح باحثة أسترالية بريطانية كانت مسجونة في إيران بتهمة التجسس لحساب إسرائيل، في مقابل إطلاق سراح ثلاثة إيرانيين مرتبطين بهجوم إرهابي فاشل في بانكوك. ومن المقرر أن تستمر المحاكمة يومي الجمعة والخميس المقبلين، على أن يصدر الحكم مطلع 2021.