باسيل.. طلع لا من ستي بخير ولا من سيدي بخير!…
غسان ريفي-سفير الشمال
في الوقت الذي يلف فيه الغموض مسار تشكيل الحكومة، حيث لا معلومات مؤكدة عن تقدم أو تراجع، بل مجرد تكهنات وإجتهادات وتحليلات ترافق لقاءات الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري والتي تحاط بسرية مطلقة، فإن العقوبات الأميركية التي فُرضت على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل قد تصدرت المشهد السياسي بفعل إرتباطها الوثيق بعملية التأليف، وما إذا كانت عاملا مساعدا للتسهيل من أجل تحصين البلد وحفظ الساحة الداخلية، أو عاملا معطلا نتيجة تشدد باسيل حيال الصيغ المقترحة.
مع الاعلان عن العقوبات بحق باسيل، ظن كثيرون أن رئيس التيار قد إستدرجها أو طلبها لتحسين واقعه السياسي وحضوره الشعبي في شارعه وضمن بيئة المقاومة، بإظهار نفسه ضحية بالدرجة الأولى، وبأنه يدفع ثمن وفائه لحزب الله ورفضه التخلي عن التحالف معه بالدرجة الثانية.
وجاء المؤتمر الصحافي لباسيل ليعزز هذا الظن، حيث بدا وكأنه “يمنّن” حزب الله بهذه العقوبات ويحمله مسؤوليتها ويطالب بالثمن السياسي وبالتدخل في تشكيل الحكومة، وينسج البطولات أمام أنصاره الذين تغنوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي برئيس تيارهم الذي “يقارع أميركا بمقاومة سياسية”.
هذه الأجواء التي أشيعت بعد المؤتمر الصحافي، بددتها أمس السفيرة الأميركية في لبنان دورثي شيا التي كشفت أن باسيل أعرب عن “الاستعداد للانفصال عن حزب الله بشروط معينة، كما أعرب عن امتنانه لأن الولايات المتحدة جعلته يرى كيف أن العلاقة هي غير مؤاتية للتيار” وكشفت أيضا أن “مستشارين رئيسيين لباسيل أبلغوها أنهم شجعوه على اتخاذ هذا القرار التاريخي”.
ترى مصادر سياسية أن باسيل طلع “لا من ستي بخير ولا من سيدي بخير” فهو “خسر الأميركيين بفرض العقوبات عليه ومن ثم مواجهته بأن ما ساقه في مؤتمره الصحافي مجاف للحقيقة وأنه بحسب مصادر أميركية طلب مهلة شهر لفك تحالفه نهائيا مع حزب الله درءا للعقوبات لكن الأميركيين لم يعطوه هذه الفرصة”، كما أدى الموقف الأميركي المستجد الى تشويه صورة باسيل، وطرح علامات إستفهام في شارعه وضمن بيئة المقاومة حول حقيقة الأمر، ما دفع مكتب باسيل الاعلامي الى إصدار بيان رد فيه على السفيرة الأميركية لكن البيان بحسب مطلعين لم يرتق الى مستوى الصدمة التي أحدثتها شيا والى حجم الارباك الذي أثارته.
لا يختلف إثنان على أن باسيل تلقى ضربة موجعة سيكون لها تأثيرا كبيرا على مستقبله السياسي وربما على مشروعه الرئاسي، خصوصا أنها الثانية بعد الضربة الشعبية التي نتجت عن ثورة 17 تشرين التي أدخلت “الهيلا هو” الى مفردات الخطاب السياسي وصولا الى إتهامات باسيل بأن هناك من يعمل على ترجمتها الى الانكليزية.
أمام هذا الواقع، يسأل متابعون: كيف سيكون تأثير ما كشفته السفيرة الأميركية على علاقة باسيل بحزب الله؟، وهل سيكون مناسبة لشد أواصر التحالف إنطلاقا من تكذيب السفيرة؟، أو يكون سببا في زعزعة الثقة وبالتالي مراجعة التفاهم والتحالف؟، أم يسعى باسيل الى الاستفادة من العقوبات وتداعياتها بأن يضع نفسه في خندق واحد مع حزب الله لتحقيق مكاسب سياسية، ومن ثم الرهان على تحسّن العلاقة الأميركية ـ الايرانية في عهد جو بايدن؟.
في كل الأحوال، فإن ما قالته السفيرة الأميركية عن باسيل أدى الى تعزيز الانقسام اللبناني حول هذه العقوبات وتداعياتها، فطبعا، هناك أكثرية ساحقة سارعت الى تصديق دورثي شيا وتكذيب باسيل، وهناك “برتقاليون” صدقوا باسيل وكذبوا شيا، وهناك من ساورهم الشك في كل ما حصل، وهناك من لم يصدق باسيل ولم يصدق سفيرة أميركا!..