تحقيقات - ملفات

فوز بايدن: تراجع مكانة نتنياهو وتراجع الاهتمام بإسرائيل؟

ديفيد هالبفينغر David M. Halbfinger، (نيويورك تايمز)  

ترجمة هشام عليوان – أساس ميديا

بهزيمة الرئيس ترامب، تلقّت إسرائيل ورئيس وزرائها منذ أمد بعيد بنيامين نتنياهو، إشعاراً بانخفاض مفاجئ في مكانتها. فبين عشية وضحاها، خفض فوز الرئيس المنتخب جوزيف بايدن الابن من ترتيب إسرائيل على قائمة أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأضعف هذا الفوز مكانة نتنياهو على الساحة العالمية، كما أضعف حجّة رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الناخبين المضطربين، باعتبار أنه لا يزال زعيمهم الذي لا غنى عنه.

فبعد أربع سنوات من علاقة عشق مع ترامب، وقد أغدق على إسرائيل جوائز دبلوماسية، وأغرق نتنياهو بدعم جيوسياسي، يتراجع الاعتماد على فيلم “الصديق الحميم” الذي روّج له إلى ما لا نهاية عند الجمهور الإسرائيلي.

يقول أنشيل بفيفر Anshel Pfeffer، كاتب سيرة نتنياهو، إنّ الأخير “انتقل من موقع مساعد ترامب إلى الرجل الذي يلمّع مظلّة طائرة الأف-16”.

ويهدّد هذا الهبوط الصارخ بإضعاف نتنياهو أكثر مما هو عليه الآن، في وقت يعاني من معدّلات سيئة من التأييد الشعبي له، ويكافح من أجل تجنّب موجة ثالثة من الفيروس التاجي، ومن أجل إعادة الإسرائيليين إلى العمل. ويستعد نتنياهو للمحاكمة في أوائل العام المقبل بتهم الفساد الجنائي، ويتنازع مع معارضة واثقة بنفسها، وحلفاء غاضبين تحدّثوا علناً عن توحيد قواهم للإطاحة به.

لقد بدا نتنياهو منزعجاً بشكل غير عادي من فوز بايدن: فقد استغرق الأمر منه 12 ساعة بعد ظهور النتائج لتقديم التهاني التافهة على تويتر، دون تسمية المنصب الذي فاز به بايدن، وسرعان ما أعقب ذلك عبارة امتنان لترامب. كانت هناك تكهّنات عبر الطيف السياسي الإسرائيلي بأنّ نتنياهو يخشى انتقام ترامب إذا ما أثنى أكثر على بايدن.

وقالت شيمريت مائير Shimrit Meir، المحلّلة الإسرائيلية التي تحظى بمصادر جيدة في دائرة نتنياهو، إنّ رئيس الوزراء وحلفاءه في حالة “إنكار عميق”.

وقالت إنّ “القفزة النفسية والعقلية التى سيتعيّن على الناس القيام بها هائلة… كما أنّهم يحضّرون أنفسهم. قبل أسبوعين، كتبت مقالاً عن كيفية استعراض أعضاء الحكومة الإسرائيلية بالتفصيل جميع الطرق التي سيفوز بها ترامب، ولماذا كان [مؤسس موقع 538 لاستطلاعات الرأي] نيت سيلفر Nate Silver أحمق”.

وعلى الفور، قال محلّلون ومسؤولون إنّ إسرائيل ستشعر حين الانتقال إلى إدارة بايدن بتحوّل في التركيز بعيداً عن الصراع مع الفلسطينيين. ومع الوباء المتفشّي، والاقتصاد المتضرّر، والشروخ المجتمعية العميقة التي تتطلّب اهتمامه، فمن المتوقّع أن يركّز بايدن أكثر، بحسب ما يتراءى في الخارج، على التوترات مع الصين وروسيا، وتغيّر المناخ، والعمل على إصلاح التحالف المتوتر عبر الأطلسي.

ومع ذلك، هناك تساؤلات حول إيران تلوح في الأفق. وقد تحدّث بايدن عن إظهار “طريق العودة إلى الدبلوماسية” لطهران، وعرض إعادة الاندراج في الاتفاق النووي المنعقد أثناء ولاية إدارة أوباما إذا ما عادت إيران إلى الامتثال الصارم به. لقد شنّ نتنياهو حملة ضدّ الاتفاق، ورحّب بانسحاب ترامب منه.

وعلى النقيض من محاباة ترامب لإسرائيل، وعد بايدن بالعودة إلى نهج أكثر توازناً في التعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وقد يعني ذلك، كما أشار محلّلون ومسؤولون سابقون، أنه إذا أعربت دول عربية مثل المغرب أو عُمان أو المملكة العربية السعودية عن استعدادها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإنّ إدارة بايدن قد تشجّعها على الإصرار على تقديم تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين في المقابل.

ومع ذلك، لا يزال بايدن واقعاً تحت تأثير أوهام قليلة، كما يقول مستشاروه، وتتمثّل بأن التسوية يمكن تحقيقها مع استمرار نتنياهو ومحمود عباس، الرئيس الفلسطيني منذ مدّة طويلة، في منصبيهما.

وبدلاً من ذلك، من المتوقّع أن تمارس الإدارة الجديدة نفوذاً مهدّئاً. وقد يعني ذلك إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، التي أقفلها ترامب، بوصفها شبه سفارة أميركية لدى الفلسطينيين، وإعادة فتح البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن، واستئناف التمويل الأميركي لمستشفيات القدس الشرقية، ومشاريع المساعدات في الضفة الغربية، واللاجئين الفلسطينيين.

يقول مسؤولون إسرائيليون إنّهم يتوقّعون أيضاً أن يعمل بايدن من أجل الحفاظ على إمكانية إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة مستقبلاً، وهو ما يتعارض مع تحرّكات نتنياهو لتوسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية أو حتى ضمّها.

ومع ذلك، فإن هذه الخطوات غير معقّدة، ويمكن لأيّ منها أن يُحدث احتكاكاً مع حكومة نتنياهو اليمينية وحلفائها في الكونغرس.

وفيما رحّب الفلسطينيون بهزيمة ترامب، الذي يعتبرونه عدواً فريداً، أعربوا عن ارتياحهم أكثر من الفرح.

وقالت حنان عشراوي، وهى مسؤولة كبيرة في منظمة التحرير الفلسطينية، إنها ما زالت تتوقّع أن تميل سياسة الولايات المتحدة بشدّة إلى جانب إسرائيل: “لا أعتقد أننا ساذجون إلى حدّ أن نرى في بايدن منقذنا”.

وقال إسرائيليون ذوو ميول يسارية إنهم يتوقّعون من إدارة بايدن أن تسعى للحصول على تنازلات فلسطينية مقابل التراجع عن الخطوات الدبلوماسية العقابية لترامب، مثل التوقّف عن تعويض الفلسطينيين الذين يقضون بعض الوقت في السجون الإسرائيلية، ومنهم الذين ارتكبوا الهجمات العنيفة – وهي الفوائد المالية التي تُهاجمها إسرائيل باعتبار أنها من قبيل “الدفع من أجل الذبح”.

وسوف تشكّل الرئاسة الديمقراطية في الولايات المتحدة تحدّياً مألوفاً لنتنياهو، الذي كان رئيساً للوزراء خلال إدارتي بيل كلينتون وباراك أوباما. لكن مكانته أضعف بكثير الآن من ذلك الوقت، وبعد أن أكد للإسرائيليين أنه في “رابطة مختلفة” بسبب علاقاته بترامب، فإن مجرّد الابتعاد عن بايدن يمكن أن يكون جارحاً بعمق لنتنياهو الآن، بحسب المحلّلين.

ويذهب بفيفر إلى تصوّر أن يدعو بايدن منافسي نتنياهو، وزير الدفاع بيني غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي، إلى واشنطن لحضور اجتماعات رفيعة المستوى مع تجاهل رئيس الوزراء: “واشنطن تحتفظ الآن بجميع الأوراق. ليس عليهم أن يخوضوا معركة بشأن المستوطنات أو إيران. يمكنهم أن يُحدثوا الكثير من الضرر فقط عن طريق تجاهل بيبي. والسؤال الحقيقي هو، هل لبايدن وفريقه مصلحة في جعل حياة بيبي جحيماً؟”.

هناك بلا شك دافع كبير لموقف أميركي من هذا النوع: لقد صنع نتنياهو أعداءً كثيرين من داخل المؤسسة الديمقراطية خلال إدارة أوباما، ومن أشهر مواقفه إلقاؤه كلمة أمام جلسة مشتركة للكونغرس هاجم خلالها الاتفاق النووي المنعقد برعاية أوباما، وهو خطاب لم يحضره بايدن، نائب الرئيس آنذاك.

وقال نمرود نوفيك  Nimrod Novik، الذي كان مستشاراً كبيراً لشمعون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، وهو الآن زميل بارز في منتدى السياسة الإسرائيلية، إنّه يأمل في أن يتحرّك بايدن بهدوء لاستعادة العلاقات مع نتنياهو بطريقة مثمرة.

وأشار نوفيك إلى أنّ مبعوثاً سرياً يمكن أن يوصل إلى الزعيم الإسرائيلي رسالة صارمة: “لقد انتهت الحفلة. لا أريد أن أتشاجر معك، ولكنني أنوي بسط الاستقرار، وأنت ستساعدني. انسوا الضمّ. لا مفاجآت. لا شيء من جانب واحد. وأنا بحاجة إلى شيء بنّاء منك أيضاً: تسهيل دعم السلطة الفلسطينية قبل انهيارها، ودعم غزّة قبل أن تنفجر. وأعدكم بأنني سأُحضركم إلى الغرفة عندما أتناقش مع إيران”.

لقد كانت العلاقة بين ترامب ونتنياهو قائمة كثنائي duet غير عادي بين القادة القوميين، الذين أثارت أوجه الشبه بينهم – التكتيكات السياسية المثيرة للانقسام، والتنديد بـ “الأخبار المزيفة”، واستغلال استياء الناخبين من الطبقة العاملة، من بين أمور أخرى – مقارنات لا حصر لها.

لكن مع خروج ترامب، سيكون على نتنياهو أن يؤدّي أغنية الـ duet وحيداً تحت القبة الكبرى، وحينها يمكن أن يبدأ السلوك الترامبي لنتنياهو في الظهور أكثر فأكثر.

ففي ليلة السبت، وبينما كان الأميركيون من الولايات الزرقاء [الديمقراطية ولاءً] يرقصون في الشوارع، كان الشارع خارج مقرّ إقامة نتنياهو في القدس قد اكتظّ بالناس، كالعادة، حيث طالب المحتجّون باستقالته.

وقالت أيالا كولي، 53 عاماً، وهي مزارعة من صحراء النقب، إنّها تأمل في أن “شرعية أقلّ للجنون في الولايات المتحدة يعني أنّ هناك شرعية أقل للجنون هنا”.

وقال يوري ياكوف، 59 عاماً، إنه تعب من إشارة نتنياهو إلى ترامب “للادّعاء بأنّ الولايات المتحدة في جيبه”. وأضاف: “هذا الوهم انتهى”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى