لهذه الأسباب سقط التدقيق الجنائي
ايفا ابي حيدر-الجمهورية
كل من عمل على إعداد مشروع التدقيق الجنائي ترك عمداً ثغرات تسمح بنسفه والإطاحة به، فهل يمكن ان يتخطّى التدقيق كل الأفخاخ التي أُعدّت له؟ هي ساعات فاصلة قبل ان يتضح مصيره: اما تعديل القوانين، او نقول وداعاً للتدقيق الجنائي؟
وصل امس فريق مدققي Alvarez and Marsal الى بيروت، وسيعقد اجتماعاً اليوم مع وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني، للبحث في مضمون العقد الموقّع بين الشركة والدولة، وذلك بعدما اعتبرت الشركة انّ المستندات التي استلمتها من مصرف لبنان غير كافية للاستمرار في مهامها في التدقيق الجنائي.
مع اقتراب ساعات الحسم، صدر امس اكثر من موقف يحذّر من نسف التدقيق الجنائي، ابرزها ما جاء على لسان رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، الذي حذّر من محاولة إطاحة التدقيق الجنائي، لمنع اللبنانيين من معرفة حقيقة خلفيات اختفاء ودائعهم، وأسباب الانهيار المالي والتلاعب المدروس بسعر العملة الوطنية.
كل المؤشرات تدلّ الى تلاشي فرصة نجاح التدقيق الجنائي بحجة الثغرات القانونية، لكن هل من خريطة طريق قانونية يمكن اتباعها لإعادة وضع قطار التدقيق على السكة وإنقاذه في الساعات الاخيرة؟
يقول الخبير القانوني في الشؤون الدولية الاقتصادية المحامي علي زبيب، انّ نيّة السلطة السياسية واضحة في عدم رغبتها في تنفيذ التدقيق الجنائي بأي شكل من الاشكال، فقد سبق وحذّرنا منذ اكثر من 4 اشهر، بأنّ التدقيق الجنائي سيصطدم بعوائق، منها المادة 151 من قانون النقد والتسليف، والتي تذرّع بها حاكم مصرف لبنان لعدم اعطاء المعلومات لشركة «الفاريس اند مارسال». وأوضح، انّ تعديل المادة 151 وحده لا يكفي ولا يمكن التذرّع به، لأنّ السرّية المصرفية لا تُطبّق ولا تغطّي المال العام، انما هو بكل بساطة مبدأ دستوري، اذ لماذا يجب ان يكون هناك سرّية مصرفية بكل ما له علاقة بالمال العام، بما يتناقض مع اي منطق واي نص له علاقة بالشفافية. بالإضافة الى ذلك، انّ حق الوصول الى المعلومات، وهو نص قانوني نافذ، لا يحتاج الى اي مراسيم قانونية، ويسمح بموجبه للمصرف المركزي واي مؤسسة عامة أخرى، بالتزويد بالمعلومات التي يجب ان تكون ذات طبيعة عامة. ورأى زبيب، انّ حلّ هذه المعضلة يكون من خلال إقدام مجلس النواب اللبناني على اقرار قانون من مادة وحيدة، يؤكّد فيه رفع السرّية المصرفية عن جميع الحسابات العمومية، وينصّ على ان لا وجود لأي نص قانوني ممكن التذرّع به لناحية حسابات المؤسسات العامة، وعليه يلغي هذا النص مفاعيل المادة 151 التي يمكن التذرّع بها من قِبل مصرف لبنان لعدم اعطاء المعلومات.
وشدّد زبيب على انّ هذا التدقيق الجنائي المصرفي يجب ألّا يقتصر فقط على المصرف المركزي، انما ان يشمل ايضاً كل المؤسسات العامة والصناديق والمجالس، وبإقرار هذا القانون يصبح من واجب كل مؤسسة ان تجيب عن كل المعلومات المسهّلة لعمل التدقيق الجنائي.
لكن في المقابل، أسف زبيب انّه حتى لو أُقر هذا القانون ورُفعت السرية المصرفية، فإنّ العقد الموقّع بين الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة المالية، وشركة «الفاريس اند مارسال»، التي هي اصلاً شركة غير كفوءة في هذا المجال، هو عقد هجين، اذ يتضمن نحو 25 ثغرة قانونية غير مقبولة تُسمّى Deal Breakers، اذ يكفي ان يستعين اي محام بثغرة واحدة من العقد ليؤكّد انّه لا ينبغي التوقيع عليه، أهمها البند الذي ينصّ على عدم السماح للدولة اللبنانية باستخدام التقارير الصادرة عن الشركة بنتيجة التحقيقات في القضاء، الّا بعد اذن من الشركة، وهذا يعني انّه اذا اكتشفت شركة «الفاريس» انّ مجموعة من المسؤولين والمنتفعين والسياسيين ورجال الاعمال واصحاب رؤوس الاموال، هم ناهبون ومختلسون للمال العام، لا يمكن استعمال التقارير التي تدينهم بالقضاء، الّا بعد اذن الشركة، وأغلب الظن انّ الشركة لن تعطي الإذن بذلك. والاسوأ، انّه في حال قيام اي شخصية متضرّرة بالادّعاء على شركة «الفاريس» تتحمّل الدولة اللبنانية كامل المصاريف والاتعاب القانونية في أي بلد في العالم بالنيابة عن شركة «الفاريس». ونحن هنا نتحدث عن كلفة بعشرات ملايين الدولارات.
وأضاف زبيب: «هذا غيض من فيض الثغرات القانونية الموجودة في العقد، والتي تُثبت انّ هناك اتجاهاً واضحاً واتفاقاً بين اركان السلطة السياسية، للقيام بأي مجهود يهدف الى تطيير التدقيق الجنائي، لأنّه بكل بساطة لا مصلحة لأحد من اركان السلطة السياسية الموجودة حالياً بإجراء تدقيق مالي جنائي صحيح يودي بهم الى السجون».
تداعيات الانسحاب
عن تداعيات انسحاب شركة التدقيق الجنائي من العقد قال زبيب: «اذا اخذت الشركة البند الجزائي ورحلت، فهذا سيخلق جواً عاماً لدى المواطن بتحريمه المطالبة بالتدقيق الجنائي. فأول شركة ارادت الدولة التعاون معها تبيّن انّها تتعامل مع اسرائيل، والثانية تقدّم خدمات تسويقية للمصرف المركزي، اما الشركة الثالثة التي وقع الاختيار عليها، فإنّ مديرها الحالي هو نفسه مدير شركة arthur andersen السابق، التي اتلفت ادلة جرمية ورقية لشركة تسببت بإفلاسها وأُدخل على اثرها الى السجن، وهذا يوحي بأنّ التركيبة واضحة لتحريم المواطن اللبناني وكل من يطالب بالتدقيق الجنائي، انّها خطوة مستحيلة، طالما هذه السلطة السياسية قائمة».
ورداً على سؤال، أكّد زبيب انّ العين الغربية غير غافلة عن الاموال التي خرجت من لبنان، وهي تعلم من أخرجها وفي أي مصرف في العالم وضعت. وفيما يطمئن الاشخاص المعرّضون سياسياً اي peps لنتيجة التدقيق الجنائي الذي لن يؤثر عليهم، لأنّ القضاء اللبناني متخاذل وضعيف ولا يقوى على مجابهة السلطة السياسية، هم يخشون من ان تقوم الدول، بذريعة قانون «ماغنتسكي»، باعتبار نتائج التدقيق جرائم فساد، فتُقدم على تجميد اموالهم في الخارج، بغض النظر عن ارجاعها ام لا.
أضاف: «في جميع الاحوال، لن يستفيد الشعب من تجميد ارصدة السياسيين في الخارج. إذ ليس بالضرورة ان تعود هذه الاموال الى لبنان والى الخزينة العامة، وبالنتيجة سيزداد الفقير فقراً وطفراً».