ينشط المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، في الأسابيع الأخيرة، في إصدار المذكرات والتعاميم التي تُظهر سعياً منه للاستقلال عن القضاء أو التمرّد عليه. وكأن المديرية الأمنية جزيرة مستقلة بحكمٍ ذاتي يقودها هو كقائدٍ أعلى للقوات المسلحة. وكأنّ البلاد بألف خيرٍ كي «يُفلفِش» الرجل في قانون تنظيم قوى الأمن الرقم 17 أو يُكلّف ضباطاً لإعداد دراسات قانونية في خضم الاشتباك المحموم بين القضاء والأمن. ورغم أنّ اللواء عثمان «مسرور» بما يراه حصاداً جماهيرياً لكونه بات مدعى عليه من القاضية العونية غادة عون في المعركة الدائرة سياسياً، إلا أنّ خطوات عثمان لا تعني سوى مزيد من انحلال مؤسسات الدولة. جديد إبداعات المدير العام لقوى الأمن مراسلة موجهة الى النيابة العامة التمييزية، طلب فيها التعميم على النيابات العامة باستدعاء الضباط المتقاعدين عبر قيادات الأجهزة التابعين لها حصراً! لا يستسيغ عثمان أن يتم تجاوزه كقائد لقوى الأمن، حتى من قبل القضاء. يُريد إحكام سيطرته على أفراد مديريته الموجودين في الخدمة الفعلية، والمتقاعدين أيضاً. وبعد تعميمه على الضباط والرتباء بـ«أننا لسنا كتبة لدى القضاة»، محظراً عليهم الاستجابة لطلبات النيابات العامة معاونتها في التحقيقات، ضارباً عرض الحائط بالقانون الذي يعتبر قوى الأمن كضابطة عدلية معاونةً للمدعين العامين، يبرر عثمان طلبه الجديد بأنّ الضباط المتقاعدين يبقون في الاحتياط لمدة من الزمن بعد التقاعد، ويبقون مرتبطين بصورة مباشرة بالجهاز الأمني الذي كانوا ينتمون إليه.
ورأى عثمان أنه بناءً على الأسباب الآنفة الذكر، وتمكيناً للقيادات الأمنية والعسكرية المختصة من الاطلاع وأخذ العلم، اقترح التعميم على النيابات العامة أن يتم الاستدعاء عبر شعبة العديد في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أو قيادة الجهاز الذي يتبع له الضابط صاحب العلاقة.
النيابة العامة التمييزية لبّت طلب عثمان، وعمّمت كتابه على النيابات العامة، علماً بأن مصادر قضائية أكدت أنّ هناك التباساً يتعلق بتفسير الطلب، كاشفة أن تعميماً تفسيرياً سيصدر قريباً لتوضيح الالتباس، على اعتبار أن ذلك لا يعني حكماً أن تبليغ المتقاعدين يتم حصراً عن طريق الإدارة الأمنية التي ينتمون إليها. وكشفت المصادر أنّ المسألة طُرحت مع تبليغ قائد الجيش السابق جان قهوجي، علماً بأنّ الحال في الجيش ليس مشابهاً؛ إذ تقول مصادر عسكرية لـ«الأخبار» إنّ التبليغ القضائي يتم عبر قيادة الجيش في الملفات التي تطال الضابط أو العسكريين أثناء خدمته الفعلية. أمّا إذا لم تكن للاستدعاء علاقة بمهامه العسكرية، فإن التبليغ يتم مباشرة.

حتى هذا الفصل بين نوعين من الملاحقات غير مستساغ من القضاء، إذ ترى مصادر قضائية هذه الخطوة بمثابة شد عصبٍ عشائري، مستغربة ألا يكون القضاء قادراً على استدعاء أي متقاعد إلا عبر مديريته.
هكذا باتت مآثر عثمان تتكدس. بدعٌ بلبوسٍ قانوني تُعمّم من دون حسيب ولا رقيب. ووزارة الداخلية لا تُحرك ساكناً تجاه اللواء. فبعد إعلان تمرده الصريح بأنه لن يخضع لواجباته المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية لجهة معاونة النيابات العامة في تحقيقاتها، وقبلها إصداره «المذكرة الميليشيوية» إلى رجال الأمن مبيحاً لهم توقيف أي شخص يشتبهون فيه من دون أمر قضائي، ها هو بطلبه الجديد يمنح حصانة للضباط المتقاعدين. بالتبليغ عبر المديرية حصراً يمنح هذه المديرية حق عدم تبليغ من تشاء، بما يعرقل سير العملية القضائية، بقرار أمني. وبدلاً من السعي إلى التخفيف من الحصانات التي تشمل الموظفين وعدداً من أعضاء النقابات والنواب والوزراء، يلجأ مدير عام لجهاز أمني إلى اختراع «شبه حصانة» جديدة، تعزز اللاعدالة في نظام العدالة اللبناني.