عملت في حملتي أوباما وكلينتون… وهذا ما سيؤول إليه بايدن ما سيكون مختلفاً لو فاز بايدن هو وجود قائد وإدارة يُدركان أن البراغماتية لا يمكن فصلها عن القيم
لقد كنت شاهداً عن قرب على التغييرات التي مرت بها الولايات المتحدة على مدى العقد الماضي. في شيكاغو عام 2012، عملت كمدير الاستجابة الرقمية السريعة لحملة إعادة انتخاب باراك أوباما. وفي عام 2016، عملت كمتطوع في فريق المناظرات الرئاسية الخاص بهيلاري كلينتون في نيويورك. ورغم أن المعارك كانت شرسة ومرهقة، لكنها تبدو الآن كما لو أنها حدثت في عصرين مختلفين، فقد تحكمت في الأولى قواعد طريفة وعتيقة من اللباقة والأدب. أما المواجهة الثانية، فقد سادتها غوغاء شبيهة بما يقوم به صبيان جامحون عندما يقتحمون حفلة منزلية.
في عام 2012، أتذكر المناقشات الطويلة بلا نهاية على ما يبدو، حول ما إذا كنا نستطيع القول بأن ميت رومني “كذب” أو كان “كاذباً”. قد تسخر من الموضوع الآن، لكننا مُنعنا آنذاك من قول أي من ذلك، حتى لا يُنظر إلينا على أننا “سلبيون للغاية”. لكن سرعان ما اختفت هذه الاعتبارات النبيلة مع احتدام السباق، وبلغت الانتخابات مرحلة مواجهة ساخنة وشاملة بالطبع، مع أن كل شيء بقي خاضعاً لقواعد كوينزبري (التي تخص الملاكمة حيث يُمنع الضرب تحت الحزام أو خلف الرأس أو أثناء سقوط المنافس).
وعلى الرغم من كل الخلافات التي كانت بيننا وبين فريق رومني، وهي حقيقية وعميقة وذات مغزى، لم نحقد عليهم ولم نكره ما كانوا يحاولون القيام به. وأنا أعلم، بناءً على محادثات مع أعضاء فريقه منذ عام 2012، أنهم شعروا بنفس الشيء.
لكن السياسة في عام 2020 ليست كذلك. فحملة بايدن تسعى جاهدة لتحقيق الانتصار في هذه المعركة، التي هي من أجل الفوز بروح الأمة في نهاية المطاف. لكن تركيزهم ينصب بشكل أساسي على إقناع الناخبين بأن مستقبلهم سيكون أكثر إشراقاً في ظل رئاسة بايدن. في المقابل، تخلى مسؤولو حملة ترمب عن قواعد المواجهة (النبيلة) منذ فترة طويلة، فهم ليسوا مستعدين فقط لكسرها، بل يستمتعون بفعل ذلك.
وبالعودة إلى عام 2016، تفاخر موظفو حملة ترمب باستخدام إعلانات تحريضية على “فيسبوك” تهدف إلى ردع الأميركيين السود من الذهاب لصناديق الاقتراع. ففي اجتماع عام 2017 مع قادة من جماعات الحقوق المدنية، بدا ترمب وكأنه يحتفي بالمشاركة المنخفضة للسود، قائلاً إن غيابهم عن صناديق الاقتراع كان “جيداً بقدر الحصول على أصواتهم”.
على مدى السنوات الأربع الماضية، رأينا كيف أن تذلل ترمب وتبريره للعنصريين والمتشددين واليمين المتطرف وتطبيعه معهم، شجع قوى الانقسام والكراهية في جميع أنحاء العالم. ولقد أصبح الخطاب اليميني المتطرف سائداً بشكل متزايد، مع شعور أولئك الملتزمين العنف والإرهاب اليميني المتطرف، بأنهم على الجانب الصحيح من التاريخ، وهناك دعم متزايد لنظريات المؤامرة التي غالباً ما تكون متجذرة في معاداة السامية القديمة.
غير أنه لا يمكننا (ولا ينبغي) إلقاء اللوم في ذلك على رئيس الولايات المتحدة وحده. فهو من نواحٍ عديدة مظهر من مظاهر الشعبوية والانقسام بقدر ما هو محرض عليها. ومع ذلك، كان تأثير رئاسة ترمب عميقاً، وستظهر أي ولاية ثانية لترمب، إن ثبتت صحة رؤيته وحصل (من جديد) على تفويض شعبي، أن السنوات الأربع الماضية كانت هادئة بالمقارنة.
ويعلق الكثيرون في جميع أنحاء العالم آمالهم على فوز جو بايدن، إنهم يعتقدون (أو يأملون) أن فوز الديمقراطيين سيعني العودة إلى الحياة الطبيعية. في الواقع، إن ما بدا نقطة ضعف بايدن، أي أنه يمثل “سياسة قديمة” قد يتضح أنه في مصلحته بالتحديد.
أنا مواطن حامل لجنسيتين مزدوجتين، بريطانية وأميركية، وقد أدليت بالفعل بصوتي عبر البريد من لندن. لذا، فإن لدي اهتمام واضح بهذه الانتخابات، لكن من النادر إيجاد شخص لا يمتلك رأياً قوياً حول دونالد ترمب، سواء كان قادراً على التأثير في إعادة انتخابه أم لا، لأن قرارات رئيس أميركا تؤثر على حياة الناس أبعد بكثير من حدود البلاد. إن الأمواج التي تنطلق من الولايات المتحدة سرعان ما تصل شواطئ أوروبا قبل مضي وقت طويل.
وبمجرد إبداء المشاعر الشعبوية والوطنية وبروز تحد للأعراف الديمقراطية، يصبح من الصعب إعادة معجون الأسنان إلى أنبوبه. ولقد أظهرت استطلاعات مكثفة أجرتها منظمة “هوب نوت هيت” (الأمل لا الكراهية) Hope Not Hate لدراسة الانقسامات الاجتماعية، والبحث عن أرضية مشتركة، أن أعداداً ضخمة (ضخمة بشكل مخيف) من الناخبين كانت متشككة في كون الديمقراطية الليبرالية تعمل على الإطلاق.
لكن إذا فاز بايدن، ماذا بعد؟ إن كثيراً من أنصار ترمب لا يريدون منه الاعتراف بالهزيمة، حتى لو خسر بالفعل. وحتى لو طُرد ترمب من البيت الأبيض، فإن هذه المشاعر لن تتلاشى بين عشية وضحاها، بل سيبحثون عن منافذ جديدة. وستواجه رئاسة بايدن معارضة من قبل الحزب الجمهوري الذي يزداد تطرفاً، ومن أبواق إعلامية محافظة وفي مقدمتها قناة فوكس نيوز.
ومع أن فوز بايدن لن يحل أي شيء في حد ذاته، إلا أنه سيفتح مساحة للتغيير والتعافي، بخاصة أنه تعهد في حملته بأن يعيد للسياسة الأميركية أسلوب التعاطف والاحترام والشرف والحقيقة واللباقة.
فعلاً يجب أن لا يخادع أحد نفسه، معتقداً أن مبنى الكابيتول سيكون أقل خلواً من أي وقت مضى، من الخداع السياسي والتشريعات ذات الأهداف الانتخابية، لكن ما سيكون مختلفاً هو وجود قائد وإدارة يُدركان أن البراغماتية لا يمكن فصلها عن القيم، وأن الفوز لا يمكن أن يكون بأي ثمن، وأن الجدية والتفاني والتضحية هي جوهر الخدمة العامة الحقيقية.
وبمجرد انتهاء الترفيه، واختفاء الدعاية الانتخابية وتحول انتباه العالم إلى مكان آخر، يبدأ العمل الجاد والصعب والشاق لتوحيد أميركا وبناء مستقبل مليء بالفرص، تسوده العدالة والمساواة للجميع، وهذه ليست فقط وظيفة الرئيس، ولكن وظيفتنا جميعاً.
(ماثيو ماكغريغور، هو مدير الحملات في منظمة “هوب نوت هيت” (الأمل لا الكراهية). عمل في حملة باراك أوباما في عام 2012، وشغل منصب مستشار لحزب العمال البريطاني تحت قيادة إد ميليباند، وكذلك لأحزاب الديمقراطية الاجتماعية في الدول الاسكندنافية وأستراليا)
© The Independent