أعطوا المودعين احتياطي ودائعهم قبل ان «يطير» على جناح الدعم!
ذو الفقار قبيسي -اللواء
نادرا ما حصل ان دولة في العالم واجهت مشكلة نقدية من النوع التالي، والتي قد تصلح موضوع اختصاص مناسب للدراسة Case-Study في كليات الاقتصاد.
وموجزها في لبنان أن ودائع العملات الأجنبية حوالي ١١٤ مليار دولار لم يبق منها نقدا سوى حوالي ١٧ مليار دولار يطلق عليها اسم «الاحتياطي الالزامي». وهي الآن موضع «تناتش» بين ثلاثة أطراف كل منها يرى الأمور من زاويته الخاصة، فيما الطرف الرابع الذي هو صاحب المال أو المودع يخشى أن يضيع ماله في زحمة «معركة»، ليس هو فيها «لا بالعير ولا بالنفير»!
والطرف الأول هو الدولة التي تخطط لاستخدام جزء غير محدد من هذا المال العائد للمودع بغرض دعم فاتورة مواد معيشية ودوائية تعجز الدولة («المدمنة» على هدر الأموال ونهب الثروات) عن دعمها من عائداتها الضريبية وغير الضريبية.
والطرف الثاني هو المصارف التي تعتبر أنه كونها أودعت هذا المال لدى مصرف لبنان تريد استعادته لتقوية سيولتها أو لاقراضه بفوائد مدينة تسدد بها الفوائد الدائنة للمودعين. مع ان هذا المال ليس ملكاً لها بل ملك المودعين.
والطرف الثالث هو مصرف لبنان الذي يريد الاحتفاظ بهذا المال كاحتياطي الزامي عن ودائع ذهب حوالي ٨٥% منها قروضا للقطاع العام والقطاع الخاص. والـ١٥% الباقية (أو ما يسمى لـ«الاحتياطي الالزامي») ممنوع عليه اعادته الى المصارف قبل أن تقرر الدولة كم ستقتطع منه لغرض الدعم وبأي نسبة، وذلك رغم نفي حاكم مصرف لبنان لما أوردته وكالة رويترز عن نية الدولة الطلب أو ربما الزام مصرف لبنان بان يقتطع ما بين ١٠ الى ١٢% منه بما يؤمن حوالي ٢ الى 2,5 مليار دولار لاغراض الدعم المعيشي.
وهذا كله في وقت لا أحد يلتفت أو يسأل صاحب المال الوحيد أو المودع عن قراره في الموضوع وهو: بدل السؤال. أعيدوا المال لصاحب المال، وقبل فوات الأوان.
لا سيما ان خطة «التعافي» الاقتصادي التي وضعتها حكومة «التكنوقراط» ووصفتها بالانجاز التاريخي أصبحت «في ذمة التاريخ». بعد أن تحولت أمام الأرقام والتغيرات المالية والنقدية والتطورات السياسية والوبائية من يوم اقرارها في نيسان من السنة الحالية الى ما يشبه «كذبة نيسان» اقتصادية دحضتها حقائق التغيرات المالية والنقدية والتطورات السياسية والوبائية، من انخفاض في التحويلات والاستثمارات أفضى الى انكماش أفضى الى كساد وانهيار للقوة الشرائية، ومن تراجع في الانتاج وفي القدرة التنافسية أفضى الى ضيق الفرص التصديرية.
…بحيث أصبحت ركاما من الماضي. حيث أهداف خطة «التعافي»! اعادة الثقة وتحقيق فوائض الموازنة وميزان المدفوعات تحولت الى عجوزات، وخفض فوائد التسليفات اختفى مع غياب الايداعات. وباتت أرقام وتوقعات الخطة بعد أن تعثرت في التخمينات وتجاوزتها الأحداث، كما في المثل الفرنسي، شبيهة بحال «من ينتظر في الساعة حلول فترة الظهر»!.
فالخطط والأهداف متى حسنت النيات «اذا صادفت مغرسا طيبا نبتت ونمت وأينعت. واذا صادفت أرضا قاحلة ماتت وفاتت، لا سيما متى كانت البذور في يد نظام وصفه الكواكبي – قبل أكثر من مائة عام من «الكورونا» – بأنه: «أشد وطأة من الوباء». وقبل مثال «جهنم – بأنه «أكثر هولا من الحريق». ودولة – كما أحوال لبنان – «أبوها الظلم وابنها الفقر وابنتها الحاجة وعشيرتها الجهالة ووطنها الخراب»!