الحريري جهّز تشكيلته وينتظر موافقة عون
ملاك عقيل – أساس ميديا
تتحكّم الخلفيات الانتخابية ونزعة نفخ الأحجام والإمساك بالقرار وتصفية الحسابات في ولادة حكومة سعد الحريري الخامسة.
وكما “نزلة الدولار”، تبدو جرعات الإيجابية التي ضخّت في عروق التأليف مصطنعة، وغير فعّالة، في ظل “كوما” انتخابية أميركية، وانشغال فرنسي داخلي، ما يدفع أولياء التأليف الى تجاوز المهل المسموحة لهم في فرض الشروط ورفع السقوف ومحاصرة بعضهم البعض.
لكنّ متابعين لمجريات التأليف يشيرون إلى أنّ الحريري وبعد تردّد قد يذهب نحو تقديم تشكيلة حكومية من 18 وزيراً أمام رئيس الجمهورية في الساعات المقبلة غير متفق على كامل حقائبها وأسماء وزرائها في معرض سعيه لسلوك الخط العسكري في تشكيل الحكومة ورفض الانسياق إلى متاهة الأخذ والردّ و”ابتزازه” والالتزام بما أعلنه سابقاً عن مواصفات الحكومة المطلوبة للمرحلة.
لكنّ هذه الخطوة، وفق المعطيات، هي رهن لقاء جمع الحريري بعون مساء أمس، في معرض التشاور الثنائي بحسب الدستور. ويحاول الحريري تقديم صيغة كان اتُّفق سابقاً مع رئيس الجمهورية على عددها بعد تقديم الرئيس المكلّف تنازلاً برفع العدد من 14 إلى 18، حتّى اللحظة التي تدخّل فيها باسيل وروجّ لمعادلة “22 حقيبة = 22 وزيراً”.
يؤكد المطلعون على موقف الحريري أنّه “على الرغمّ من الضخّ الإعلامي وسيل التسريبات التي أوحت بأنّ الرئيس المكلّف ينساق إلى تركيبة بمواصفات سياسية حزبية فإنّ الأخير لم يتزحزح عن موقفه وعلى هذا الأساس سيقدّم تشكيلته مع محاذرته فتح مشكل مع رئيس الجمهورية لأنّه يعتبر أنّه كلّف ليجد حلاً وليس العكس”.
ويبدو أنّ ما رفع من منسوب التوتر بين الحريري وباسيل هو تقديم الأخير أسماء لا تتلاءم مع المرحلة وتدور في فلك ميرنا الشالوحي، في وقت يقول القريبون من نائب البترون إنّ الحريري قَبِل بأسماء مماثلة زكّاها وليد جنبلاط وسليمان فرنجية والطاشناق”.
العقد “المتناسلة” باتت معروفة على الرغم من سياسة التكتّم التي فرضها الرئيس المكلّف والتزم بها رئيس الجمهورية.
وقبل أن تأخذ هذه العقد طريقها إلى الحلحلة النهائية، تطرح مرجعية سياسية بارزة معضلة “التعايش القسري بين الحريري من جهة وبين عون وباسيل من جهة أخرى، خلال السنتين الباقيتين من العهد، خصوصاً أنّ كل الأطراف تسلّم بأنّ الحكومة المقبلة لن تكون محكومة بمهمّة الستّة أشهر، بل الأرجح، في حال تأمين الغطاء السياسي الكامل لها، أن تعيش حتّى موعد الانتخابات النيابية المقبلة”.
وبعد أسبوعين من التكليف لم يحصل أي لقاء بين الحريري وباسيل. يتبلّغ الرئيس المكلّف من رئيس الجمهورية، وأحياناً بالإعلام وبالتواتر، ما يفترض أنّه مطلب الحصّة “العونية” في الحكومة.
القرار متّخذ لدى الحريري: لا لقاءات تخرج عن إطار الاستشارات غير الملزمة ولا تغيير في “هوية” الحكومة.
وما يطبخ في الكواليس يتمّ بسرّية تامة زادت الأمور تعقيداً بدلاً من تسهيلها كونها وسّعت عامل فقدان الثقة، خصوصاً بين بعبدا وبيت الوسط. إلى درجة أنّ قريبين من تيار المستقبل يسلّمون أن بيان مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية الذي صدر أمس، وجرى خلاله نفي وجود “طرف ثالث” دخل على خط التشاور بين عون والحريري، قد صيغ بأنامل جبران باسيل وليس رفيق شلالا!!
في المقابل، ثمّة وجهة نظر تظلّل عملية التأليف حتى إثبات العكس: في حال لم يعتذر الحريري عن التكليف، وهو أمر مستبعد حتى الآن، سنكون أمام حكومة “حساب دياب 2″، مع فارق أنّ الأولى استغرقت أقلّ من شهر لتولد، في حين أنّ حكومة الحريري تنازع لترى النور، وقد تتخطّى هذه المدّة، في حال بقيت سياسة السقوف العالية هي السائدة.
هو الهاجس الذي يجهد رئيس تيار المستقبل لعدم تكريسه كنمط عمل داخل السراي يحيله رئيس حكومة “لويا جيرغا” بقناع إختصاصيين. مع العلم أن العارفين يجزمون بوجود “حصة فرنسية” خالصة ستترجم من خلال بعض الوجوه الوزارية مع “حماية” من باريس تؤمّن الإشراف المباشر على حقائب المالية والاتصالات والطاقة والعدل.
وفيما تؤكد المعلومات أن خطوط التواصل لم تنقطع طوال الأيام الماضية بين عون والحريري، فإن الرئيس المكلّف يعاين تدريجاً “أضرار” تسليمه منذ بداية التفاوض بتجيير الداخلية إلى ميشال عون. ويلقى هذا الخيار اعتراضاً واسعاً داخل “المستقبل”، خصوصاً أنّ البديل لا يعكس حصول الحريري على حصّة وازنة.
وتفيد معطيات في هذا السياق بأنّ الحريري استدرك لاحقاً خطأ إدراج حقائب الداخلية والدفاع والعدل ضمن الصحة المسيحية، بحيث بدأت أوساطه تروّج لاسم أو اسمين سيطرحهما الرئيس المكلّف لتولي حقيبة العدل، بينهما قاضٍ متقاعد. أما الداخلية فيؤكد المطلعون أنّها ستسند إلى شخصية بعيدة عن الاصطفافات السياسية، ولا تدين بالولاء لطرف رئيس الجمهورية وباسيل، وللحريري كلمة الفصل فيها.
وفيما يتبادل جمهور التيار الوطني الحر وتيار المستقبل الاتهامات بأن عونّ تراجع عن صيغة الـ 18 وزيراً والحريري تراجع عن صيغة الـ 20 وزيراً، فإنّ المعلومات تفيد أنّ رئيس الجمهورية لا يرفض بالمطلق صيغة الـ18 التي يرى باسيل أنّها ستحجّمه سياسياً مع فريقه السياسي، فيما يضغط عون لولادة سريعة للحكومة تنقذ ما تبقى من عهده، لكن لم يعرف بعد وجهة نظر مَن ستغلب عون أم باسيل!
ولذلك فإنّ مشروع التوسيع الوزاري لا يزال قائماً في أجندة باسيل تحت عنوان تثبيت الحصص وإرضاء الطائفة والحليف، وليس لأنّ المعنيين بتأليف الحكومة ظفروا بـ”كارلوس غصن آخر”، يحتاجونه ضمن “فريق الإنقاذ” الحكومي.
ويبدو لافتاً بروز اعتراض في محيط القريبين من رئيس الجمهورية مفاده: “فيما نقترب من الانهيار الشامل لا يمكن تخيّل حكومة تقف على خاطر مقعد درزي يفترض أن يمثل كتلة مؤلفة من درزي واحد و”نفختها” العقلية الباسيلية بنائبين من الجبل وسمّتها كتلة “ضمانة الجبل”، فيما كتلة جنبلاط مؤلفة من ستة نواب دروز!
أما لناحية توزيع الحقائب فتبدو المسؤولية جماعية، وفق العارفين، إذ يتركّز الصراع على من يمسك القرار الاقتصادي المالي داخل الحكومة.