نحو قانون «للإفراج المشروط» من السجون
د. مازن ع. خطاب -اللواء
من نكد الدهر أن يُطرح قانون العفو العام للتصويت في مجلس النّواب قبل البتّ في استقلالية القضاء وقبل رفع سطوة القوى السياسيّة البائدة عن المحاكمات، بذريعة الوضع الإنساني المأساوي القائم بسبب انتشار فيروس «كورونا» في السجون المكتظّة التي لا يمكن تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي داخلها. وكما جرت العادة في كل مرة يُطرح فيها القانون، يدخل ملف السجون في بازار «المقايضات الحزبيّة» لاعتباراتٍ طائفيّة تقوم بتعطيل البت به. وعلى أهميّة وخطورة الحالة الطارئة داخل السجون، الّا أنّ معالجتها من خلال إقرار قانون عام فضفاض بصيغته الحاليّة قد يؤثّر سلباً على الانتظام العام نظراً الى الفلتان الأمني في عدد من المناطق اللبنانيّة، منها بعلبك الهرمل، وما سبقه من اعتداءات إرهابية في شمال لبنان.
نادرةٌ هي قوانين العفو العام في دّول العالم المتحضّر بالصيغة التي يحاول مجلس النواب إقرارها، اذ تسعى القوى السياسيّة الطائفيّة أن يشمل العفو السنة الإسلاميين والشيعة المحجوزين في قضايا المخدرات والمسيحيين «المبعدين» في إسرائيل، بدلًا من التعجيل في محاكمة الموقوفين في السجون وإعلان براءتهم او ادانتهم. وتشير المعلومات الى أنّ ٧٥ في المئة من السجناء يمضون سنوات طويلة في سجنهم من دون محاكمة وقد يكونون أبرياءً، ومنهم من يمضي أكثر من فترة عقوبته المقرّرة وفق جرمه بانتظار أن يقرّر القاضي مصيره، كما يتم اخراج بعض المجرمين من سجونهم بسبب التدخلات السياسية والمحسوبيات.
وقد تجاوز عدد المحتجزين أربع اضعاف قدرة السجون الاستيعابيّة، وبالتالي استحالة تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي داخلها نظراً للاكتظاظ الكبير. وهناك تخوّف جدّي من ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس لأنّه لا ينحصر بالمساجين، بل سيشمل الأهالي الذين يزورون ذويهم وعناصر الدرك الذين يعملون هناك، ما سيؤدي الى انتشارٍ أوسع في المجتمع.
من هنا ضرورة خفض عدد السجناء من خلال قانون يعتمد آليات خاصة وواضحة تسمح بالإفراج عن المحتجزين في السجون بشكل طارئ، سواء كان إطلاق سراحهم مبكراً أو مؤقتاً أو مشروطاً:
(١) تفعيل المحكمة التي أنشئت في سجن رومية منذ حوالي ٦ سنوات، بهدف تسريع المحاكمات للموقوفين غير المحكومين، فإما الافراج عنهم او تخفيف عقوباتهم بعد البت بإدانتهم واحتساب المدّة التي قضوها في السّجن. كذلك تسريع المحاكمات للموقوفين في السجون الأُخرى.
(٢) الإفراج عن الفئات التالية بحسب أهليتها: المحتجزون من الأحداث والمسنين، السجناء ذوي الوضع الطبّي الهشّ الذين يعانون من امراض مزمنة وحالتهم الصحية متدهورة على أن يتم وضعهم تحت المراقبة من خارج السجن، المحبوسون احتياطياً إلّا إذا كانوا يشكّلون خطراً كبيراً وملموساً على الآخرين، المحتجزون لمخالفات بسيطة او جرائم «الجّنح»، المحتجزون بسبب انتهاكات تقنيّة على أن يكون الإفراج مشروطاً، المحتجزون الذين شارفت محكوميّتهم على الانتهاء باستثناء من اقترفوا جرائم قتل او اغتصاب او غيرها من الجرائم الكبرى.
(٣) اعتماد العقوبات البديلة، كالعمل لدى المؤسسات المدنية، وإخضاع المحكومين الى برامج تأهيل وإصلاح بهدف تهيئتهم لإعادة دمجهم في المجتمع. ويستثنى من تطبيق الأحكام البديلة المحكومون من أصحاب السوابق، ومرتكبي الجرائم الكبرى أو التي استخدم فيها السلاح، أو إذا كانت مدّة عقوبة السجن المحكوم بها تزيد على ثلاث سنوات.
(٤) اعفاء السجناء الذين قضوا محكوميّتهم من دفع الغرامة المتوجّبة عليهم واخلاء سبيلهم.
في المحصّلة، إن وجدت نيّة لمعالجة قضايا السجناء العالقة فالأجدى تحديث القوانين الموجودة وتطبيقها، لا سيّما القوانين التعسّفية التي تجرّم السلوك غير الإجرامي والسياسات التي تعطي الأولوية للسَجن بما في ذلك الحبس الاحتياطي، والسماح للأجهزة القضائية بالعمل دون تدخّلات وضغوطات. إضافةً إلى الشروع في تحسين وضع السجون وجعلها أكثر إنسانية، حتى تكون مكاناً لإعادة التأهيل لا الموت البطيء، بالتوازي مع العمل على اصدار قانون «للإفراج المشروط» من السجون.
ذلك أنّ قانون العفو العام يقرّ عادةً في ظلّ أحداث تاريخية أو ظروف معيّنة تستوجب المصادقة عليه، وفي فلسفة القانون يعني ذلك إنهاء مرحلة معينة في تاريخ البلاد وقلب الصفحة على الماضي. وإذا كانت هذه النظرية تسري على قانون العفو في نسخته اللبنانية، فأي مرحلة ترغب الدولة اللبنانية في طيها؟ أم انّها لم تعد قادرة على فتح الجوارير المقفلة على الملفات المنسيّة لمرتكبين أو لأبرياء؟