تحقيقات - ملفات

اهتزاز الثقة بين «بيت الوسط» «والايليزيه» : من ورط «الآخر» حكومياً ؟

ابراهيم ناصرالدين-الديار

الحريري يصطدم بالتحولات الكبرى فهل تكون «الهريبة تلتين المرجلة» !

من «ورط» من حكوميا ؟ سؤال تبدو الاجابة عنه شديدة السهولة، والصعوبة في آن واحد، فالرئيس المكلف سعد الحريري لا يحسد على ورطته الجديدة بعدما بات «لا معلق ولا مطلق»، ويشكو في مجالسه الخاصة باريس «بقراءتها» القاصرة عن فهم الواقع الدولي والمحلي محملا اياها مسؤولية توريطه في التصدي لمسؤولية تأليف حكومة جديدة بعدما جرى ابلاغه رسميا ان «الطريق» ستكون «معبدة» امامه من خلال الاستفادة من الوقت الضائع اميركيا في فترة الانتخابات الرئاسية، لكنه يعتقد ان باريس أخطأت مرة جديدة في حساباتها، وتبين له ان الاميركيين لم يضعوا الملف اللبناني على «الرف» وما يزال جزء من اولويتهم في خضم محاولات ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب ترتيب المنطقة التي تهرول دولها نحو التطبيع مع اسرائيل، وهكذا «اصطدم» الحريري «بجدار» العقوبات والشروط الاميركية التي تجعل من اقدامه على تقديم تنازلات داخلية مغامرة غير محسوبة قد تقضي على مستقبله السياسي هذه المرة.

في المقابل، تتحدث اوساط ديبلوماسية اوروبية عن «كمين» نصب للفرنسيين على الساحة اللبنانية، كان الحريري جزءا لا يتجزأ منه، اما عن سابق تصور وتصميم او عن «سذاجة»، وفيما ترجح باريس «السذاجة»، تشير تلك المصادر الى ان الحريري عرض على الفرنسيين القيام بالمهمة «الانقاذية» بعد افشال مهمة السفير مصطفى اديب، والمح الى انه بات قادرا على تولي هذه المسؤولية بعدما نسج تفاهما من «تحت الطاولة» مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على تسوية «الحصة الشيعية» في الحكومة، ووعده الاخير بتطيير حكومة الرئيس حسان دياب، وتمرير التفاهم مع حزب الله، معتبرا ان مسألة اعتراض رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوظني الحر ستضعف في ظل الازمة الاقتصادية الخانقة، وزيادة الضغوط الفرنسية، وعند سؤال الفرنسيين الحريري عن العلاقة مع الاميركيين والسعوديين، كان جواب الحريري ان المملكة ستلتزم «الحياد» السلبي، فهي لن تعرقل لكنها لن تقدم ما يحتاجه لبنان من مساعدات، وهذا الامر يكفيه في «التقليعة» وبعدها يمكن «حلحلة» الامور على هدوء، اما الاميركيون، وبحسب معلومات الحريري فليسوا معارضين لعودته وشروطهم حيال حزب الله لن تتجاوز حد عدم تمثيله على نحو مباشر في الحكومة، وبالامكان التغطية على هذا الامر بصفة الاختصاص لوزير شيعي يكون اكثر قربا من بري «القلق» من توسيع رقعة العقوبات الاميركية، اما «عناد» التيار الوطني الحر والرئاسة الاولى، فالافتراض في «بيت الوسط» كان يشير الى ان «الرسائل» الاميركية المباشرة المهددة بفرض العقوبات على الوزير جبران باسيل كفيلة «بتليين» مواقفه، خصوصا ان السفيرة الاميركية دوروثي شيا سبق واخبرته ان هذه العقوبات جدية وادارتها لن تكون متسامحة بعد اليوم. فجاءت العقوبات لاحقا «لتزيد الطين بلة»، بعدما اقتنع الرئيس عون انه لم يعد لديه ما يخسره.

طبعا اندفع الفرنسيون ومعهم جوقة من «المطبلين» اللبنانيين لعودة الحريري الى السراي الحكومي، لكن سرعان ما اتضح للجميع ان كل الحسابات كانت مبنية على «اوهام»، فلا الاميركي كان يرغب في انجاح المبادرة الفرنسية، ولا السعودي التزم «الحياد»، وتبين ان الفرنسيين كانوا اكثر «سذاجة» من الحريري في حساباتهم، واتضح انهم لا يملكون ادوات الضغط اللازمة في الداخل اللبناني وفي الاقليم لتمرير مبادرتهم التي اصطدمت هذه المرة بتصلب اميركي، وعدم «ثقة» السعودية بقدرة الحريري على «تحجيم» دور حزب الله، وهو امر تبلغه الفرنسيون مؤخرا بعدما راجعوا الرياض حيال موقفها من الحكومة المفترض تشكيلها، فكان الجواب السعودي واضحا «سقفنا» هو خطاب الملك سلمان الاخير الذي تحدث صراحة عن خطر «ميلشيا» حزب الله المسلحة في لبنان، ولا نعتقد ان الحريري مؤهل لتأدية دور مؤثر في اضعافه، واذا استطعتم تمريره بالاتفاق مع الاميركيين، ونشك في ذلك، فلا تعتقدوا انننا سنكون من الدول المانحة في اي مؤتمر اقتصادي».

عند هذا الحد توقفت جهود تشكيل الحكومة الجديدة، بعدما ثبت ان التعقيدات الخارجية تتجاوز قدرة الحريري على تجاوزها، بعدما راهن على دور فرنسي اتضح انه عاجز عن ايصاله الى «بر الامان»، فيما اكتشفت باريس ان رهانات الحريري لم تكن سوى حسابات محلية خاطئة تحتاج الى «رافعات» اقليمية ودولية لم يتمكن من الحصول عليها، ومن هنا جاءت النصيحة بضرورة تجميد «المحركات» حتى اتضاح معالم انتقال السلطة في واشنطن، ولو تطلب ذلك الانتظار حتى استلام الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن السلطة في الـ 20 من كانون الثاني المقبل .. لكن على ماذا يراهن الفرنسيون؟

الرهان الفرنسي يرتبط بالعلاقات الشخصية اكثر منه بالسياسة والدبلوماسية، او بالتطورات الميدانية، فعمليا ثمة خشية من خروج الامور عن السيطرة في المنطقة في هذه الفترة الفاصلة حيث بلغ التوتر ذروته بعدما سرعت السعودية من خطواتها نحو تطبيع العلاقلات مع اسرائيل لخلق جبهة موحدة ضد طهران وحلفائها، لكن باريس لا تملك سوى الرهان على الوقت، وعلى «برودة» العلاقة بين الديموقراطيين والسعوديين، واختلاف قيادة بايدن الاكثر عقلانية من «فوضى» ترامب، ويأمل الفرنسيون منحهم ضوءا اخضر اميركي لادارة الملف اللبناني في فترة الوقت الضائع التي تحتاجها الادارة الجديدة لترتيب ملفاتها، وكذلك تأمل باريس في عدم تبني واشنطن للسياسات السعودية في لبنان في ظل توعد بايدن بمحاسبة السعوديين على اخطائهم، وللتدليل على ذلك تشير المصادر الاوروبية الى ما ورد في كتاب الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما «ارض الميعاد» حين عبر بوضوح عن «كرهه» الأسرة المالكة السعودية وكتب: الثراء الاستعراضي، والفساد، والتزمت الديني، وتمويل الإرهاب، والمس بحقوق الإنسان، وقتل المدنيين في اليمن وغيره، كل ذلك كنت اعرفه، لكن كنت اضطر للجم انتقاداتي للسعودية ودول الخليج، لاعتبارات استراتيجية. أما «الكراهية» فكانت متبادلة.

وفي الانتظار، تنصح اوساط سياسية بارزة بعدم الرهان على حسابات الفرنسيين او على رهانات الحريري، فهما اثبتا ضعفا واضحا في قراءة التحولات الاستراتيجية في منطقة تقف امام تحولات دراماتيكية غير مسبوقة، الامير محمد بن سلمان وزفق «مواربة» على تسريب خبر لقائه مع نتانياهو في محاولة لبناء «درع» يحميه من الادارة الاميركية الجديدة، لان اسرائيل تبقى «خطا احمر» في واشنطن، مهما اختلف ساكن البيت الابيض، عملية «التطبيع» لن تمر دون اثمان باهظة لان «مخاض الولادة» لن يمر دون ألم، ولبنان سيكون قريبا امام الاسئلة الصعبة والتحولات الكبرى التي تحتاج الى اكثر من اجابات «رمادية»، وسيكون الحريري نفسه امام تحدي الاجابة عن سؤال جوهري، هل انا حقا «رجل» هذه المرحلة؟ ام ان «الهريبة» «ثلثي المرجلة»…؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى