خبير في القضايا والشؤون الأوروبية الآسيوية: لن يكون من الممكن حل أزمة ” ناغورني كاراباخ” دون مشاركة إيران وتركيا
الوقت- بعد مضي قرابة أسبوعين على الاشتباكات الدامية بين القوات الأذربيجانية والأرمنية حول منطقة ناغورني كاراباخ المتنازع عليها ، اتفق وزيرا خارجية البلدين في موسكو العاصمة الروسية ظهر يوم السبت الماضي على إعلان وقف إطلاق النار واستئناف المحادثات ، حيث انه منذ بداية الصراع ، قُتل أكثر من 300 شخص من الجانبين ومئات الجرحى، كما اضطر العديد من سكان المنطقة إلى الفرار من منازلهم ، حيث يعتبر الصراع الأخير من أكثر المواجهات العسكرية شدة منذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه في عام 1994 ، وفي غضون ذلك ، ومن أجل دراسة وتحليل أبعاد المحادثات الأخيرة ، واحتمال حدوث اتفاق وقف إطلاق نار جديد بين الطرفين ومصالح الأطراف المعنية والدخيلة ، تحدث موقع الوقت التحليلي مع حسن بهشتي بور ، الخبير في القضايا والشؤون الأوروبية الآسيوية.
الوقت: بعد مضي عدة أيام من القتال العنيف والتقدم الذي أحرزته أذربيجان ، إلى أي مدى يمكن ان نأمل بأن يستمر وقف إطلاق النار في الأيام القادمة؟
بهشتي بور: إن وقف إطلاق النار ، إذا كان مقدمة لمفاوضات جادة وشاملة لتحقيق سلام دائم ، فهو بالتأكيد خطوة جيدة ويمكن أن يكون مثمرًا ، ولكن إذا لم يؤد إلى مفاوضات جادة ، أي كما حدث في العملية التي استمرت على مدار الـ 26 عامًا الماضية منذ عام 1994 حتى الان فسنرى أن الوضع سيتحول الى شيء ليس حربًا ولا سلامًا ، وهذا فقط يصب في مصلحة الأطراف التي تسعى لانعدام الأمن وبيع السلاح واستمرار وضع اللا حرب واللا سلام ، لذلك ، فإن بدء المفاوضات هي خطوة جيدة لوقف القتل والأضرار المادية والروحية ، وكذلك لتحقيق سلام دائم.
الوقت: كيف تقيمون إرادة الطرفين للتحرك نحو هذه الخطوة؟
بهشتي بور: في رأيي ، لولا الضغط الروسي ، لكانت أذربيجان ، التي تعتقد أن لها اليد العليا في الحرب ، ستواصل الصراع ، وفي الواقع ، ربما تكون موسكو قد أقنعت الجانب الأذربيجاني بعدم وجود حل عسكري للأزمة وأن أذربيجان لن تستطيع تحرير الأراضي المحتلة بالاعتماد على القوة العسكرية ، لذلك ، وافق الجانبان على البيان المنطقي بضرورة الذهاب إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الأزمة من خلال الحوار ، لأن أزمة ناغورنو كاراباخ ، بالإضافة إلى اللاعبين الرئيسيين ، وهما أذربيجان وأرمينيا ، تدخل فيها أطراف إقليمية ودولية أخرى.
الوقت: منذ بداية الصراع الأخير ، صرحت أذربيجان مرارًا وتكرارًا أن شرط اقامة المفاوضات والاتفاق مع أرمينيا هو إنهاء احتلال هذه الأراضي ، ولكن مؤخرًا تغير موقف مسؤولي باكو ووصف إلهام علي اوف المفاوضات بأنها الحل الوحيد للأزمة ، ما هو سبب هذا التغيير في الموقف؟
بهشتي بور: علمت أذربيجان منذ البداية أنه ليس لديها القوة الكافية لتحرير جميع الأراضي المحتلة ، لكنها كانت تأمل في أن تتمكن من تحرير أجزاء من الأراضي المحتلة بمساعدة الدعاية والعمليات العسكرية ، وتحقيق ذلك من خلال تبديلها لشرط الجلوس على طاولة المفاوضات مع أرمينيا.
كما ان انتهاء مسار الأزمة في المنطقة إلى طاولة المفاوضات كان واضحاً منذ البداية في سلوك الفاعلين الأجانب الدخلين في الامر ، أولاً ، إن دعم تركيا لاستمرار العملية العسكرية الأذربيجانية هو غالباً لفظي وفي سياق مصالح أنقرة ، وثانيًا ، تتطلب مصالح روسيا ، التي تربطها علاقات جيدة مع طرفي الأزمة ، بعدم انتشار الأزمة على نطاق أوسع ، وأيضاً يجب على داغستان ألا تسمح للعناصر التكفيرية والإرهابية بدخول منطقة القوقاز ، لأن القوقاز معرضة للخطر للغاية في هذه المنطقة.
الوقت: في الأساس ، وبالنظر إلى مصالح مختلف الفاعلين الإقليميين والدوليين ، وكذلك وجهات نظر الحكومتين الأذربيجانية والأرمنية بشأن أزمة ناغورنو كاراباخ ، إلى أي مدى يمكننا أن نأمل في اتفاق حول إطار قانوني وسياسي لحل القضية على المدى المتوسط؟
بهشتي بور: التحدي الأهم هو الاختلاف الكبير بين أفكار الجانبين ، حيث يعتقد الجانب الأذربيجاني أن حل الأزمة هو إنهاء احتلال ناغورني كاراباخ وسبع مناطق أخرى من قبل أرمينيا ، ومن ناحية أخرى ، يدعي الجانب الأرمني أنه يجب إرجاع تحديد مصير المنطقة إلى رأي أغلبية سكان المنطقة ، وهم من الأرمن ، حيث تضع أرمينيا هذا الحق في تقرير المصير كشرط مسبق لأي إجراء آخر.
ولكن إضافة إلى هذا الاختلاف في الرأي ، هناك تحدٍ رئيس آخر ، وهو التنافس بين القوى الإقليمية والدولية ، فتركيا ، على سبيل المثال ، تستخدم قضية ناغورنو كاراباخ كأداة لتنظيم علاقاتها مع يريفان ، وتسعى إلى إقامة موطئ قدم في المنطقة بدعم عسكري ولوجستي ، اما روسيا ، التي تربطها علاقات وثيقة للغاية مع أرمينيا ، مترددة في استخدام الصراع الأخير كأداة للضغط على الحكومة الأرمينية الحالية ، بالنظر إلى الميول المؤيدة للغرب في الآونة الأخيرة ، كما كانت الولايات المتحدة الامريكية شديدة الحساسية تجاه روسيا في تبرير وجودها في منطقة جنوب القوقاز وتوسع الناتو في جورجيا وأذربيجان لاستغلال الأزمات الإقليمية ، لذلك ، ترتبط أزمة ناغورنو كاراباخ أيضًا بهذا النوع من الخصومات الإقليمية والإجراءات وردود الفعل.
في هذه الحالة ، برأيي ، إذا تعاونت إيران وتركيا وروسيا كما كانوا نموذجاً ناجحاً في الحد من الأزمة السورية ، فقد يكونون قادرين على المساعدة للحصول على نتيجة في المحادثات بين أذربيجان وأرمينيا.
الوقت: إلى أي مدى يمكن تطبيق نموذج التعاون الناجح بين إيران وروسيا وتركيا في أزمة ناغورنو كاراباخ للسيطرة على الأزمة السورية ، وهي بالتأكيد تملك أبعاداً أكبر بكثير من أزمة ناغورنو كاراباخ ؟
بهشتي بور: في بادئ ذي بدء ، تجدر الإشارة إلى أن طبيعة الأزمة السورية تختلف تمامًا عن أزمة ناغورنو كاراباخ من حيث الكمية والنوعية والعوامل المسببة للأزمة والعوامل المؤثرة والمتأثرة ومكونات أخرى ، لذلك لا أرى أي تشابه بين هذه الأزمات ، لكن المثال السوري كان بمعنى أنه عندما يكون لدى الدول تجارب ناجحة في التعاون المشترك ، مثل ما تم فعله بين إيران وروسيا من أجل احلال السلام في طاجيكستان ، أو على سبيل المثال ، عتبة التعاون بين إيران وتركيا وروسيا لحل الأزمة السورية ، فيمكن لهذه التجربة ان تكون أرضية جيدة للمساعدة في حل أزمة ناغورنو كاراباخ.
ومن المفارقات ، في أزمة ناغورنو كاراباخ ، أن قوة المناورة لروسيا وإيران وتركيا أكبر بكثير من قوة سوريا بسبب قربها الإقليمي وكذلك الدور التاريخي الذي لعبته هذه البلدان في المنطقة ، لذلك ، إذا تصرفت روسيا وتركيا بحسن نية وتخلت عن تحديات الخصومات الإقليمية ووصلت إلى الإطار الذي يمكن أن تتعاون فيه أيضًا في أزمة ناغورنو كاراباخ ، فسيكون ذلك مفيدًا لمصالح الأطراف المعنية وجميع القوى الإقليمية الثلاث ، لأن تحقيق الاستقرار والأمن في جنوب القوقاز ، بالإضافة إلى توسيع الفوائد الاقتصادية مثل النقل بالسكك الحديدية والطرق ، والسياحة ، وما إلى ذلك ، فضلاً عن الفوائد مثل الوصول إلى أسواق أوروبا الشرقية ، وتشكيل تعاون إقليمي جديد سيؤدي أيضاً الى مواجهة تأثير القوى فوق الإقليمية مثل الولايات المتحدة الامريكية وتدخل الكيان الصهيوني في المنطقة ، وبالطبع ، تنظر روسيا إلى هذه المنطقة على أنها خصوصية لها ، لكن بالتأكيد لن يكون من الممكن حل هذه الأزمة دون مشاركة إيران وتركيا.