مشط حسّان في صالون حلاقة
“ليبانون ديبايت” – روني ألفا
تسريحة شَعر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليست تفصيلاً. هذا الكبكوبُ الأشقرُ جزءٌ من عدَّة المعركة. برنَيطةٌ وارفةٌ تشكِّلُ جزءاً عزيزاً من ترسانة ترامب لغواية ناخبيه. تكادُ الغرّةُ الذهبيةُ تبادلكَ التحيةَ قبلَ وصولِ الرئيس. تصافحُكَ وتفرضُ عليك هيبتها الرئاسية. عندما تعصفُ بها ريحٌ وقحة غيرُ متوقعة يعالجها الرئيس الأميركي بشَلحَةِ كفٍ رشيقةٍ ويعيدها الى صوابها وموقعها المعتاد على الجبين.
غالباً ما نعتقدُ نحن أهلُ المشرق أن الشعرَ العَبيَّ والكثيفَ هو رمزُ البأسِ والقوة. رمزُ الخصوبةِ والغلَّةِ الوفيرة . رمزُ الديمومةِ وكلُّ ما هو شَبَبلَكي. هذه الصفاتُ بالتحديد حاولَ الرئيسُ الأميركي إظهارها بعد خروجه من المستشفى العسكري منذُ يومين. فحولةٌ معطوفةٌ على مظهرِ مقاتلٍ رومانيٍ مدعومٍ بتسريحةِ شعرٍ لا تجرؤُ خصلةٌ واحدةٌ منها على الإنتقالِ من حيِّزها المخصص لها من دون إذنِ صاحبها الذي ربّاها بدموعِ العينين وبأناملِ أصحابِ صالوناتِ الحلاقة. لا تسقطُ شعرةٌ من رأسِ ترامب إلا بعلمٍ منه.
ثمة أزمةُ تهرّبٍ ضريبيٍ على خلفيةِ ضرباتِ المشطِ التي استفادَ منها ترامب على مدى سنوات. تفيدُ الصحافةُ الأميركية أن حاكمَ البيتِ الأبيض أنفقَ على شَعرِه حوالي سبعينَ ألفَ دولارٍ خلالَ السنواتِ الأربع الأخيرة. مبلغٌ لا يُستَهانُ به صُرِفَ على بخاخات تثبيتِ الشعر ومستحضراتِ التلميع والصبغةِ وأُجرَةِ مصفِّفي الشعر والحلاقينَ والكريمات والمستحضرات وزيوتِ النقعِ والسيشوار. كلُّ ذلك مع شبهةٍ كبيرةٍ على حذفِ هذه المصاريف من ضرائبِ الدخلِ المترتبةِ على الرئيس تجاه الخزينة. شَعرُ رئيس أميركا غيرُ خاضعٍ للضريبة. تمشيطتُه على عاتقِ المكلَّفين في الولايات المتحدة. اذا ثَبُتت التهمةُ سيكونُ على الرئيس الأميركي مواجهةَ تهمةِ التهرّبِ الضريبي التي تُعتَبَرُ جريمةً فدراليةً وخيمةَ العواقبِ وقاسيةَ العقابِ في النظامِ القضائي الأميركي.
تكادُ تَكُونُ جريمةُ ترامب هذه موازيةً لفسادِ المسؤولين السياسيين في لبنان. الفارقُ عندنا أن الفاسدَ هو الأصلعُ والأَشعَرُ والأجلَحُ معاً. مظلومٌ رئيسُ حكومةِ تصريفِ الأعمال حسان دياب على مباغتةِ الكاميرا له متلبّساً بمشط. على الأقل رجلٌ لم تلاحقه مصلحةُ الضرائب بمخالفةِ تسريحه لشعره. كتابُ انجازاته الذي نشرهُ لدى توليه وزارةَ التربية منذ سنوات يكاد يكون خصلة غيرُ مرئيةٍ من صلعاتِ كبارِ الفاسدين في لبنان.
بالمحصلة فإن تجربةَ الرئيس ترامب غير مشجعة. رجلٌ بلا سَوالف يحوّلُ شَعرَهُ إلى وسيلةٍ من وسائلِ التهربِ الضريبي لا يتوانى عن التلاعبِ بكلِّ شيء. بالفعل تبيَّنَ بعد البحثِ والتدقيق وعلى ذمَّةِ نيويورك تايمز أن شركاتَ ترامب مجتمعةً دفعت 750 دولاراً أميركياً كضريبةِ دخلٍ عن عامَي 2016 و 2017 وأنه كان سبق له وأن تمنَّع عن دفع ولو دولار واحد لمصلحة الضرائب على مدى سنوات طويلة . على الأرجح لأن شركاته كانت تخسر طوالَ هذه السنوات.
أسألُ مع المتسائلين كيف يمكنُ لدولةٍ تحومُ شبهاتُ التهربِ الضريبي على رئيسها أن تفرضَ عقوباتٍ على دولٍ أخرى بتهمةِ غسيلِ الأموالِ والتجارةِ غير المشروعة؟ وكيفَ تحجزُ أموالاً وأملاكاً على أشخاصٍ وأنظمةٍ وتقتلُ إقتصاداتٍ ومجتمعاتٍ وشعوباً تحت عناوينَ إصلاحيةٍ فيما تفوحُ روائحُ الفسادِ والهدرِ والتهربِ الضريبي من تسريحة شَعرِ رئيسها؟ اللهُمَّ لا نسألكَ ردَّ البلاء إنما اللطفَ فيه. ربّي والهي إذا كان لا بد للإصلاح من رجالٍ صُلعٍ فائتِنا بهم من أرحامِ أمهاتهم برؤوسٍ حلساءَ ملساءَ لا حاجةَ لهم إلى فَراشي ومَماشِط ولا إلى تسريحات.. بعشرات آلافِ الدولارات.